161
شرح دعاء أبي حمزة الثمالي

۰.أنَا يا رَبِّ الَّذي لَم أستَحيِكَ فِي الخَلاءِ«249 » ولَم اُراقِبكَ فِي المَلاءِ «250 »أنَا صاحِبُ الدَّواهِي العُظمى «251 » أنَا الَّذي عَلى سَيِّدِهِ اجتَرى «252 » أنَا الَّذي عَصَيتُ جَبّارَ السَّماءِ «253 » أنَا الَّذي أعطَيتُ على مَعاصِي الجَليلِ الرُّشا «254 »أنَا الَّذي حينَ بُشِّرتُ بِها خَرَجتُ إلَيها أسعى «255 » أنَا الَّذي أمهَلتَني فَمَا ارعَوَيتُ «256 » وسَتَرتَ عَلَيَ فَمَا استَحيَيتُ «257 »وعَمِلتُ بِالمَعاصي فَتَعَدَّيتُ «258 » وأسقَطتَني مِن عَينِكَ فَما بالَيتُ «259 »

«لم استحيك في الخلاء» من استحياه واستحيا منه ، واستحى منه انقبض عنه وامتنع منه ، واستحيا : خجل ، والحياء : انقباض النفس عن القبائح وتركه لذلك ، قال سبحانه : «وَاللّه ُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ » ، ۱ وروي : «إنّ اللّه تعالى يستحيي من ذي الشيبة المسلم أن يعذّب» ، ۲ فليس يُراد به انقباض النفس ، إذ هو تعالى منزّه عن الوصف بذلك ، وإنّما المراد ترك تعذيبه . ۳
الخلاء : المكان الذي لا ساتر فيه ، والخلوّ يستعمل في الزمان والمكان ، لكن لمّا تصوّر في الزمان المضي فسّر أهل اللغة خلأ الزمان بقولهم مضى الزمان ، وخلا الإنسان صار خاليا ، وخلا المكان فرغ ورحل ساكنوه.
أي لم أخجل منك إذا خلا مكاني من إنسان أو ذي شعور ، وارتكبت القبائح والمعاصي ، وفي الحقيقة يصف نفسه بالجهل باللّه تعالى وعدم الحياء منه تعالى.
«ولم أُراقبك في الملأ» من راقبه أي حرسه ، وراقب اللّه في أمره أي خافه ؛ لأنّ الخائف يرقب العقاب ويتوقّعه ، يقال : فلان لا يراقب اللّه في أُموره.
الملأ : الجماعة ، مهموز أصله ، مل ء مقابل الخلاء ، أي ارتكبت المعاصي في الخلاء فلم استحي منك ، وارتكبتها في الجماعة فلم أخفك في ذلك ، أي لم أخف عقوبتك ، هذا المعنى هو الظاهر ، وإن كان للملأ معان أُخرى ، كالخلق والعشرة والمشاورة ، وإذا كان ناقصا يكون بمعنى الإمهال والإملاء.
«أنا صاحب الدواهي العظمى» الدواهي جمع الداهية ، أي الأمر العظيم والأمر المنكر ، (ناقص يائي) .
«أنا الذي على سيّده اجترى» السيّد : من ساد الرجل يسود أي مجد وجلّ وشرف ، وأصله سيود أُعلّ بقلب الواو ياءً ، ثُمّ أُدغمت ، وسيّد القوم رئيسهم ، والسيّد : المولى ؛ لشرفه على الخدم . اجترى : أي اجترأ ، مِن جرأ عليه ، أي أقدم عليه ، وهجم عليه فهو جريء أي مقدام.
«أنا الذي عصيت جبّار السماء» الجبّار من صفات اللّه تعالى ، ومنه : ويل لجبّار الأرض من جبّار السماء . والجبّار في صفة الإنسان يقال لمن يجبر نقيصته بادّعاء منزلة من التعالي لا يستحقّها ، وهذا لا يقال إلّا على طريق الذمّ ، كقوله تعالى : «وَخابَ كُلُّ جَبّارٍ عَنِيدٍ » ، ۴
وأمّا في وصفه تعالى نحو : «العزيز الجبّار المتكبّر » ، فقد قيل : سُمّي بذلك من قولهم جبرت العقير ؛ لأنّه هو الذي يجبر الناس بفائض نعمه ، وقيل : لأنّه يجبر الناس ، أي يقهرهم على ما يريده . ۵
«أنا الذي أعطيت على معاصي الجليل الرشا» المعاصي جمع المعصية مصدر ، وقد تُطلق على الزلّة مجازا ، والعصيان خلاف الطاعة وترك الانقياد (يائي) .
الجليل من جلّ يجلّ ؛ أي عظم قدره ، والجليل بمعنى العظيم ، والجلال : العظمة . الرشا بالكسر والضمّ جمع الرشوة بالكسر ما يعطيه الإنسانُ الحاكمَ ليحكم له أو يحمله على ما يريد .
أي أنا الذي أعطيت على معاصي اللّه الجليل الرشا ، وفي نسخة «أنا الذي أعطيت على المعاصي جليل الرشا» ، والمعنى واضح ، أي أنا الذي أعطيت على المعاصي الرشا العظيم.
«أنا الذي حين بُشّرت بها خرجت إليها أسعى» أي أنا الذي حين بُشّرت بهذه المعاصي خرجت مستقبلاً إليها أسعى ، يعني أمشي سريعا ، والسعي المشي السريع دون العدو ، ويُستعمل للجدّ في الأمر خيرا كان أو شرّا ، وأكثر ما يُستعمل في الأفعال المحمودة .
«أنا الذي أمهلتني فما ارعويت» المهل : التؤدَة والسكون ، وأمهلته رفقت به وأنظرته وأخّرت طلبه ، فما ارعويت : فما نزعت عن الجهل ، من رعا يرعو (واوي) ، نزع عن الجهل وحسن رجوعه عنه ، وارعوى الرجل عن القبيح والجهل ارعواء كفّ عنه ورجع.
«وسترت عليّ فما استحييت» وهذا أيضا قسم من الإمهال ، فإنّه إمّا بترك العقاب أو بترك الإفشاء والإذاعة.
«وعملت بالمعاصي فتعدّيت» ، أي أصررت على المعاصي وتركت التوبة والاستغفار عن المعاصي ، فكلّ صغيرة مع الإصرار تصير كبيرة ، والإصرار ينتج ما يلي من قوله عليه السلام : «وأسقطتني من عينك فما باليت» ، وفي الصحيفة : «ولا ترم بي رمي من سقط من عين رعايتك» ، ۶ وقال سبحانه : «وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ * وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ » ، ۷ وقال : «وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأَِنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ » ، ۸ وقال عزّ شأنه : «فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ » ، ۹ راجع الآيات في الإملاء.
عن الرضا عليه السلام في حديث : «واللّه ما عذّب اللّه بشيء أشدّ من الإملاء» . ۱۰
قال أمير المؤمنين عليه السلام : «يابن آدم ، إذا رأيت ربّك سبحانه يتابع عليك نعمه وأنت تعصيه فاحذره» ، ۱۱ وقال : «أيّها الناس ، ليراكم اللّه من النعمة وجلين ، كما يراكم من النقمة فرقين ، إنّه من وسّع عليه في ذات يده فلم يرَ ذلك استدراجا ، فقد أمن مَخُوفا ، ومن ضُيّق عليه في ذات يده فلم ير ذلك اختبارا ، فقد ضيّع مأمولاً» . ۱۲
عن الصادق عليه السلام : «إذا أراد اللّه (عزّ وجلّ) بعبدٍ خيرا فأذنب ذنبا ، تبعه بنقمة ويذكّره الاستغفار ، وإذا أراد اللّه بعبدٍ شرّا فأذنب ذنبا ، تبعه بنعمة لينسيه الاستغفار ، ويتمادى به ، وهو قول اللّه تعالى : «سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ »۱۳ بالنّعم عند المعاصي» . ۱۴
عن سنان بن طريف ، قال : «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : خشيت أن أكون مستدرجا ، قال : ولم؟ قلت : لأنّي دعوت اللّه تعالى أن يرزقني دارا فرزقني ، ودعوت اللّه تعالى أن يرزقي ألف درهم فرزقني ، ودعوته أن يرزقني خادما فرزقني خادما ، قال : فأيّ شيء تقول؟ قال : أقول الحمد للّه ، قال : فما أُعطيتَ أفضلُ ممّا أُعطِيتَ» . ۱۵

1.الأحزاب : ۵۳ .

2.انظر : الفتح السماوي : ج ۱ ص ۱۵۱ ، تفسير البيضاوي : ج ۱ ص ۲۵۵ ، تفسير أبي السعود : ج ۱ ص ۷۱ ، مجمع الزوائد : ج ۱۰ ص ۱۴۹ ، المعجم الأوسط : ج ۵ ص ۲۷۰ .

3.مفردات ألفاظ القرآن : ص ۱۴۰ .

4.إبراهيم : ۱۵ .

5.مفردات ألفاظ القرآن : ص ۸۶ .

6.الصحيفة السجّادية : الدعاء ۴۷ .

7.الأعراف : ۱۸۲ و ۱۸۳ .

8.آل عمران : ۱۷۸ .

9.القلم : ۴۴.

10.اُنظر : بحار الأنوار : ج ۵ ص ۲۱۶ .

11.نهج البلاغة : الحكمة ۲۵ .

12.نهج البلاغة : الحكمة ۳۵۸ .

13.. الأعراف : ۱۸۲ ، القلم : ۴۴.

14.الكافي : ج ۲ ص ۴۵۲ ، علل الشرائع : ج ۲ ص ۵۶۱ ، اُنظر : بحار الأنوار : ج ۵ ص ۲۱۷.

15.مشكاة الأنوار : ص ۶۶ ، اُنظر : بحار الأنوار : ج ۹۰ ص ۲۱۳ .


شرح دعاء أبي حمزة الثمالي
160
  • نام منبع :
    شرح دعاء أبي حمزة الثمالي
    سایر پدیدآورندگان :
    هوشمند، مهدي
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    سازمان چاپ و نشر دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 465758
صفحه از 464
پرینت  ارسال به