165
شرح دعاء أبي حمزة الثمالي

۰.فَبِحِلمِكَ أمهَلتَني«260 »وبِسِترِكَ سَتَرتَني حَتّى كَأَنَّكَ أغفَلتَني «261 » ومِن عُقوباتِ المَعاصي جَنَّبتَني حَتّى كَأَنَّكَ استَحيَيتَني «262 »إلهي لَم أعصِكَ حينَ عَصَيتُكَ وأنَا بِرُبوبِيَّتِكَ جاحِدٌ «263 » ولا بِأَمرِكَ مُستَخِفٌّ «264 »ولا لِعُقوبَتِكَ مُتَعَرِّضٌ «265 » ولا لِوَعيدِكَ مُتَهاوِنٌ «266 »لكِن خَطيئَةٌ عَرَضَت وسَوَّلَت لي نَفسي وغَلَبَني هَوايَ وأعانَتني عَلَيها شِقوَتي«267 »وغَرَّني سِترُكَ المُرخى عَلَيَ «268 »

«فبحلمك أمهلتني» الحلم تقدّم الكلام فيه وفي آثاره ، اللّه سبحانه يمهل عبده ولا يعاجل بالعقوبة في الدنيا ؛ كي يرجع العبد عن ضلاله ، وقد يكون ذلك استدراجا.
«وبسترك سترت عليّ» أي لا يفضحه بين الناس ، وقد مرّ الكلام فيه وفي آثاره.
«حتّى كأنّك أغفلتني» أغفل الشيء ، بمعنى غفل عنه ؛ أي تركه وسها عنه إهمالاً من غير نسيان.
«ومن عقوبات المعاصي جنّبتني» ، العقوبة : الجزاء ، وقيل : العقوبة ما يلحق الإنسان من المحنة بعد الذنب في الدنيا ، وقد تخصّ العقوبة بتعزير الذمّي ، والجمع عقوبات ، وجنّبه أي أبعده. بيان لحال عبدٍ أذنب ذنوبا كثيرة ، فأمهله اللّه تعالى وتركه وحلم عنه ولم يعاقبه ولم يفضحه ولم يؤدّبه ، وذلك منه تعالى حلما وكرما ؛ لكي يرجع العبد إليه ويتوب ، فلم يفعل ، كأنّه قال ذلك حمدا له تعالى وشكرا لحلمه وكرمه.
«إلهي لم أعصك وأنا بربوبيّتك جاحد» الجحود ، من جحده حقّه وبحّقه جحدا وجحودا : أنكره مع علمه به ، وجحده : كفره ، أي لم أعصك وأنا منكر لربوبيّتك جاحد.
«ولا لأمرك مستخفّ» أي لم يصدر منّي العصيان استخفافا بأمرك ومتهاونا به.
«ولا لعقوبتك متعرّض» أي لم يصدر منّي العصيان متعرّضا لعقوبتك.
«ولا لوعيدك متهاون» بيّن أنّ صدور المعصية قد يقع من هذه المناشئ الإلحاديّة ـ والعياذ باللّه تعالى ـ الموجبة لغضب الحقّ تعالى وانقطاع فضله ورحمته واستحقاق أشدّ العقوبات ، ولكن يقول إنّه لم يصدر منّي العصيان من هذه المناشئ المنافية للإيمان والعبودية ، بل صدر من مناشئ لا ينافي الإيمان والعبودية.
«ولكن خطيئة عرضت» الخطيئة : الذنب ، وقيل : المتعمّد منه ، والخطيئة أعمّ من الإثم ؛ لأنّه قد تكون من غير تعمّد ، والإثم لا يكون إلّا بالتعمّد ، وقال الراغب : «الخطيئة والسيّئة يتقاربان ، لكنّ الخطيئة أكثر ما تقال فيما لا يكون مقصودا إليه في نفسه ، بل يكون القصد سببا لتولّد ذلك الفعل منه ، كمن يرمي صيدا فأصاب إنسانا ، أو شرب مسكرا فجنى جناية في سكره . والسبب سببان : سبب محظور فعله كشرب المسكر وما يتولّد منه غير متجافٍ عنه ، وسبب غير محظور كرمي الصيد » ، قال تعالى : «وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ » ، ۱ وقال صلى الله عليه و آله : «رُفع عن أُمّتي الخطأ» ، «وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً »۲ فالخطيئة هنا هي الّتي لا تكون عن قصد إلى فعله ، وقال تعالى : «وَلا تَزِدِ الظّالِمِينَ إِلاّ ضَلالاً * مِمّا خَطِيئاتِهِمْ »۳«إِنّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنا رَبُّنا خَطايانا » ، ۴
فهي المقصود إليها ، ۵ ولكن خطيئة عرضت ، أي بجميع أقسامها.
«وسوّلت لي نفسي» سوّل والتسويل : تزيين النفس لما تحرص عليه ، هذا منشأ آخر.
«وغلبني هواي» أي غلب هواه على عقله.
«وأعانني عليها شقوتي» أي أعانني على الخطيئة شقوتي ، والشقاوة خلاف السعادة ، قال سبحانه : «فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقى » ، ۶ وقال : «غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا » . ۷
«وغرّني سترك المرخى عليّ» ، لعلّه يريد بذلك أنّ العصيان صدر عنه من دون إنكار وجحود واستخفاف للأمر ، وتعرّض للعقوبة وإهانة للوعيد ، فمن أجل ذلك لعلّه يشمله الرحمة الواسعة والعفو الإلهي.
إن قلت : الغرور بستر اللّه تعالى لا ينافي التعرّض للعقوبة ؛ لأنّ ستره تعالى أمان من الفضيحة دون العقاب.
قلت : إذا ستر اللّه عبده رحمة منه يرجي منه العفو أيضا.

1.الأحزاب : ۵ .

2.النساء : ۱۱۲.

3.نوح : ۲۴ ـ ۲۵ .

4.الشعراء : ۴۹ .

5.مفردات ألفاظ القرآن : ۱۵۱ .

6.طه : ۱۲ .

7.المؤمنون : ۱۰۶ .


شرح دعاء أبي حمزة الثمالي
164
  • نام منبع :
    شرح دعاء أبي حمزة الثمالي
    سایر پدیدآورندگان :
    هوشمند، مهدي
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    سازمان چاپ و نشر دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 465699
صفحه از 464
پرینت  ارسال به