191
شرح دعاء أبي حمزة الثمالي

۰.سَيِّدي عَلَيكَ مُعَوَّلي ومُعتَمَدي ورَجائي وتَوَكُّلي «327 »وبِرَحمَتِكَ تَعَلُّقي «328 »تُصيبُ بِرَحمَتِكَ مَن تَشاءُ وتَهدي بِكَرامَتِكَ مَن تُحِبُّ «329 »فَلَكَ ۱ الحَمدُ عَلى ما نَقَّيتَ مِنَ الشِّركِ قَلبي «330 »ولَكَ الحَمدُ عَلى بَسطِ لِساني «331 »أفَبِلِساني هذا الكالِّ أشكُرُكَ؟«332 »أم بِغايَةِ جَهدي في عَمَلي اُرضيكَ؟«333 »وما قَدرُ لِساني يا رَبِّ في جَنبِ شُكرِكَ«334 » وما قَدرُ عَمَلي في جَنبِ نِعَمِكَ وإحسانِكَ إلَيَ «335 »

«سيّدي عليك معوّلي» سيّد القوم رئيسهم والمولى ، أصله سيود ، أُعلّ بقلب الواو ياءً ، ثمّ أُدغمت ، والإضافة حقيقي أو إضافي تشريفا، والأقوى الأوّل . المعوّل من عوّل عليه ، أي اقتصر عليه ولم يختر عليه ، وعوّلت عليه استعنت به ، ومعناه صيّرت أمري إليه ، كذا قال الخليل في العين ۲ وفي القاموس : «وعوّل عليه معوّلاً اتّكل واعتمد». ۳ أي ياربّ ، أنت سيّدي ورئيسي ، عليك اتّكالي واستعانتي ، أو صيّرت أمري إليك في مشاكلي المادّية والمعنوية ، أو عليك معوّلي أي أحوالي وبكائي وتضرّعي ، من العول ، أي الصياح والبكاء مع الصوت.
«ومعتمدي ورجائي وتوكّلي» معتمدي : من اعتمد على الحائط ، اتّكأ واعتمد على فلان : اتّكل عليه . أي عليك اتّكالي واستسلامي واعتمادي ورجائي ، أي أنت موضع أملي وتوكّلي ، أي استسلامي واعتمادي ووثوقي . قيل : التوكّل هو الثقة بما عند اللّه واليأس عمّا في أيدي الناس ، وفي مجمع البحرين : «الأصل في التوكّل إظهار العجز والإعياء ، والاسم التكلان ، والتوكّل على اللّه : انقطاع العبد إليه في جميع ما يأمله من المخلوقين ، وقيل : هو ترك السعي فيما لا يسعه قدرة البشر» . ۴ وقال الراغب : «التوكيل أن تعتمد على غيرك وتجعله نائبا عنك... والتوكّل يقال على وجهين : يقال : توكّلت لفلان ؛ بمعنى تولّيت له ، ويقال : وكّلته فتوكّل لي وتوكّلت عليه ؛ بمعنى اعتمدته» . ۵
«وبرحمتك تعلّقي» أي تمسّكي ، شبّه نفسه بمن تعلّق بحبلٍ وتمسّك به للنجاة من الهلكة ، أي أنا آخذ برحمتك ومتعلّق بها ؛ وذلك لأنّك «تصيب برحمتك من تشاء» والباء للإلصاق ، أي تنزل رحمتك على من تشاء ، قال سبحانه : «نُصِيبُ بِرَحْمَتِنا مَنْ نَشاءُ وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ » ، ۶ أي تعلّق رجائي في الخلاص من الهلكة في الدارين أن تصيبني برحمتك ، قال الراغب : «الصوب الإصابة ، يقال : صابه وأصابه ، وجعل الصوب نزول المطر... قال بعضهم : الإصابة في الخير اعتبارا بالصوب أي بالمطر ، وفي الشرّ اعتبارا بإصابة السهم ، وكلاهما يرجعان إلى أصل» ، ۷ ويمكن أن تكون الباء للسببية ، أي تصيب بسبب رحمتك الخير من تشاء ، فيكون المفعول مقدّرا.
«وتهدي بكرامتك من تحبّ» قال الراغب : «الكرم إذا وُصِف اللّه تعالى به فهو اسم لإحسانه وإنعامه المتظاهر ، نحو قوله : إنّ ربّي غني كريم ، وإذا وُصِف به الإنسان فهو اسم للأخلاق والأفعال المحمودة الّتي تظهر منه ، ولا يقال هو كريم حتّى يظهر ذلك منه ، قال بعض العلماء : الكرم كالحرّية ، إلّا أنّ الحريّة قد تقال في المحاسن الصغيرة والكبيرة ، والكرم لا يقال إلّا في المحاسن الكبيرة» ۸ ؛ يعني تهدي من تحبّ بكرمك وفعلك الجميل الكريم.
والهداية كما قال الراغب : «دلالة بلطف ، ومنه الهدية... وهداية اللّه تعالى على أربعة أوجه :
الأوّل : الهداية الّتي عمّ بجنسها كلّ مكلّف ، من العقل والفطنة والمعارف الضروريّة الّتي أعمّ منها كلّ شيء بقدر فيه على حسب احتماله ، كما قال : «رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى » . ۹
الثاني : الهداية الّتي جعل للناس بدعائه إيّاهم على ألسنة الأنبياء وإنزال القرآن ونحو ذلك ، وهو المقصود بقوله تعالى : «وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا » . ۱۰
الثالث : التوفيق الذي يختصّ به ممن اهتدى ، وهو المعني بقوله تعالى : «وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً » . ۱۱
الرابع : الهداية في الآخرة إلى الجنّة المعني بقوله : «سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بالَهُمْ » . ۱۲
وهذه الهدايات الأربع مترتّبة ، فإنّ من لم تحصل له الأُولى لا تحصل له الثانية ، بل لا يصحّ تكليفه ، ومن لم تحصل الثانية لا تحصل له الثالثة والرابعة ... إلخ» ، ۱۳ كلّ هذه الهدايات تحصل بكرامة اللّه تعالى.
«فلك الحمد على ما نقّيت من الشرك قلبي» نقّاه تنقيةً وأنقاه إنقاءً : نظّفه واختاره وأخصله ، ذكر عليه السلام بعدما مرّ النعمة الكبيرة وهي التوحيد ، وأنّ اللّه سبحانه عرّفه نفسه ، وأنّه واحد لا شريك له ، وهي أعظم النعم وأعلاها وأغلاها ، وفي الحديث : «إنّ أفضل الفرائض وأوجبها على الإنسان معرفة الربّ والإقرار له بالعبودية ، وحدّ المعرفة أن يعرف ألّا إله غيره» ، ۱۴ وعن أبي الحسن الرضا عليه السلام «لا إله إلّا اللّه حصني ، فمن دخل حصني أمن من عذابي» ، ۱۵ وعن الفتح بن يزيد الجرجاني ، عن أبي الحسن عليه السلام ، قال : «سألته عن أدنى المعرفة ؟ قال : الإقرار بأنّه لا إله غيره ولا شبه له ولا نظير» ، ۱۶ الحديث .
وعن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «خرج الحسين بن علي عليهماالسلام على أصحابه فقال ـ بعد الحمد للّه جلّ وعزّ والصلاة على محمّد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ـ : ياأيّها الناس ، إنّ اللّه جلّ ذكره ما خلق العباد إلّا ليعرفوه ، فإذا عرفوه عبدوه ، فإذا عبدوه استغنوا بعبادته عن عبادة من سواه ، فقال له رجل : بأبي أنت وأُمّي يا ابن رسول اللّه ، ما معرفة اللّه ؟ قال : معرفة أهل كلّ زمان إمامهم الذي يجب عليهم طاعته» . ۱۷
وفي الحديث : «إنّ اللّه تبارك وتعالى حرّم أجساد الموحّدين على النار» ، وفيه : «إنّ اللّه تبارك وتعالى أقسم بعزّته وجلاله ألّا يعذّب أهل توحيده بالنار أبدا» ، ۱۸ إلى غير ذلك من الأحاديث ، ۱۹ وهو من أعظم نعم اللّه تعالى على عبدٍ ، وهو مفتاح كلّ خير ومغلاق كلّ شرّ.
«ولك الحمد على بسط لساني» أي لك الحمد على قدرة لساني على التكلّم على أيّ نحو وفي أيّ شيء أُريد ، من بسط الثوب والفراش بسطا نشره . ثمّ بيّن عجزه عن الشكر ، قال :
«أفبلساني هذا الكالّ أشكرك ؟» الكالّ من كلّ الرجل وغيره من المشي وغيره : تعب وأعيا ، فهو كالّ ، أي أفبلساني الذي بسطته وأقدرته على الكلام الكالّ عن عدّ نعمائك وآلائك أشكرك ؟ في الحديث قال أبو عبد اللّه عليه السلام : «أوحى اللّه تعالى إلى موسى عليه السلام : ياموسى ، اشكرني حقّ شكري ، فقال : ياربّ كيف أشكرك حقّ شكرك وليس من شكر أشكرك به إلاّ وأنت أنعمت به عليّ؟ فقال له : ياموسى ، شكرتني حقّ شكري حين علمت أنّ ذلك منّي» ، ۲۰ وفيه : «أوحى اللّه إلى داوود عليه السلام : اشكرني حقّ شكري ، قال : إلهي أشكرك حقّ شكرك وشكري إيّاك نعمة منك ، فقال : الآن شكرتني ، وقال داوود عليه السلام : ياربّ وكيف كان آدم يشكرك حقّ شكرك وقد جعلته أب أنبيائك وصفوتك ، وأسجدت له ملائكتك؟ فقال : إنّه عرف أنّ ذلك من عندي ، فكان اعترافه بذلك حقّ شكري» . ۲۱
هذا ، والشكر إمّا بالقلب كما تقدّم ، وإمّا باللّسان كما عرفت ، وإمّا بالعمل وهو صرف النعم فيما أمر اللّه تعالى ، وقد ورد بذلك أحاديث كثيرة . ۲۲
وإليه يشير بقوله عليه السلام : «أم بغاية جهدي في عملي أرضيك ؟» الجهد بالضمّ : الطاقة ، وقيل : المشقّة ، كالجهد بالفتح ، أي أبغاية طاقتي في العمل أرضيك وأشكرك في العمل؟
«وما قدر لساني ياربّ في جنب شكرك؟ وما قدر عملي في جنب نعمك وإحسانك؟» والقَدر : مبلغ الشيء ، والجَنبُ بالفتح : الناحية وشقّ الإنسان وغيره ، قال سبحانه : «يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللّه ِ » ، ۲۳ أي في جانبه.

1.في الإقبال والمصباح للكفعمي : «اللّهُمَّ فلك ...» .

2.العين : ج ۲ ص ۲۴۸ .

3.القاموس المحيط : ج ۴ ص ۲۲ .

4.مجمع البحرين : ج ۴ ص ۵۴۶ .

5.مفردات ألفاظ القرآن : ص ۵۳۱ .

6.يوسف: ۵۷ .

7.مفردات ألفاظ القرآن : ص ۲۸۸ .

8.مفردات ألفاظ القرآن : ص ۴۲۸ .

9.طه : ۵۰ .

10.الأنبياء : ۷۳ .

11.محمّد : ۱۷ .

12.محمّد : ۵ .

13.مفردات ألفاظ القرآن : ص ۵۳۸ .

14.كفاية الأثر : ص ۲۶۲ ، اُنظر : بحار الأنوار : ج ۴ ص ۵۵ .

15.عيون أخبار الرضا عليه السلام : ج ۱ .

16.الكافي : ج ۱ ص ۸۶ ، التوحيد : ص ۲۸۳ ، اُنظر : بحار الأنوار : ج ۳ ص ۲۶۷ .

17.علل الشرائع : ج ۱ ص ۹ ، كنز الفوائد : ص ۱۵۱ ، اُنظر : بحار الأنوار : ج ۵ ص ۳۱۲ .

18.التوحيد : ص ۲۰ ، بحار الأنوار : ج ۳ ص ۴ .

19.انظر : سفينة البحار في «عرف» و «وحد» .

20.بحار الأنوار : ج ۱۳ ص ۳۵۱ .

21.المصدر السابق : ج ۱۴ ص ۴۰ .

22.اُنظر : سفينة البحار : في «شكر» .

23.الزمر : ۵۶ .


شرح دعاء أبي حمزة الثمالي
190
  • نام منبع :
    شرح دعاء أبي حمزة الثمالي
    سایر پدیدآورندگان :
    هوشمند، مهدي
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    سازمان چاپ و نشر دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 459938
صفحه از 464
پرینت  ارسال به