207
شرح دعاء أبي حمزة الثمالي

شرح دعاء أبي حمزة الثمالي
206

۰.إلهِي ارحَمني إذَا انقَطَعَت حُجَّتي «356 » وكَلَّ عَن جَوابِكَ لِساني«357 »وطاشَ عِندَ سُؤالِكَ إيّايَ لُبّي «358 » فَيا عَظيمَ رَجائي لا تُخَيِّبني إذَا اشتَدَّت فاقَتي «359 »ولا تَرُدَّني لِجَهلي «360 » ولا تَمنَعني لِقِلَّةِ صَبري «361 »أعطِني لِفَقري وَارحَمني لِضَعفي «362 »

«إلهي» الإله : جعلوه اسما لكلّ معبود لهم ، وأله فلان يأله : عبد ، وقيل : تألّه فآله على هذا هو المعبود ، وقيل : هو من أله أي تحيّر ، وتسميته بذلك إشارة إلى ما قال أمير المؤمنين عليه السلام : «كَلَّ دون صفاته تحبير الصفات ، وضلّ هناك تصاريف اللّغات» . ۱ أي يا إلهي بمعنى يامعبودي ، أو المراد يا اللّه ؛ لأنّه اسم لكلّ معبود ، واللّه علم للذات المستجمع لجميع صفات الكمال الخالق الرازق المدبّر.
«ارحمني إذا انقطعت حجّتي» في مقام المحاسبة وذلك يوم القيامة في موقف الحساب ، والحجّة بالضمّ : البرهان والدلالة المبيّنة للحجّة ، أي المقصد المستقيم ، والذي يقتضي صحّة أحد النقيضين ، قال اللّه تعالى : «قُلْ فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ » ، ۲ فإذا أُقيم الإنسان يوم القيامة للحساب ، وسُئل عمّا اعتقد ونوى أو أحبّ وأبغض ، كما قال تعالى : «وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ » ، ۳ وقال سبحانه : «وَحُصِّلَ ما فِي الصُّدُورِ » ، ۴ وقال سبحانه : «وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللّه ُ » ، ۵ وقال تعالى : «اقْتَرَبَ لِلنّاسِ حِسابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ » ، ۶ وقال جلّ شأنه : «وَلِيُمَحِّصَ ما فِي قُلُوبِكُمْ وَاللّه ُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ » ، ۷ إلى غير ذلك من الآيات الكريمة . أو عمّا عمل من الأعمال الحسنة أو السيّئة ، كما قال جلّ وعزّ : «فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ » ، ۸ وقال تعالى : «فَوَرَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ » ، ۹ وقال سبحانه : «وَلَتُسْئَلُنَّ عَمّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ » ، ۱۰ وقال تعالى : «ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ » ، ۱۱ إلى غير ذلك من الآيات الكريمة.
فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ، ومن خفّت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنّم خالدين ، قانقطعت الحجّة فيما اعتقدوا و نووا ، أو أحبّوا وأبغضوا ، أو عملوا من الصالحات وكسبوا من السيّئات.
وفي الحديث عن أبي جعفر عليه السلام قال : «إنّما يداقّ اللّه العباد في الحساب يوم القيامة على قدر ما آتاهم من العقول في الدنيا» . ۱۲
وفيه عن الصادق عليه السلام : «ويخافون سوء الحساب ، أي الاستقصاء والمداقّة» ، ۱۳ وفيه عن النبيّ صلى الله عليه و آله قال : «إنّ اللّه عزّ وجلّ يحاسب كلّ خلق إلّا من أشرك باللّه عزّ وجلّ ، فإنّه لا يُحاسب ويُؤمر به إلى النار». ۱۴
وفيه عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «فحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، فإنّ في القيامة خمسين موقفا ، كلّ موقف مثل ألف سنة ممّا تعدّون ، ثمّ تلا هذه الآية : «فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ »۱۵ . ۱۶
فحينئذٍ يحتاج الإنسان إلى رحمة اللّه تعالى .
«كلّ عن جوابك لساني» وفي الحديث عن ابن عيينة قال : «سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام : ما من عبدٍ إلّا وللّه عليه حجّة ، إمّا في ذنب اقترفه ، وإمّا في نعمةٍ قصّر عن شكرها» . ۱۷
وفيه عن أبي جعفر عليه السلام قال : «قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : كلّ محاسب معذّب ، فقال له قائل : يارسول اللّه ، فأين قول اللّه عزّ وجلّ : «فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً » ؟ ۱۸ قال : ذلك العرض ، يعني التصفّح» . ۱۹
وفيه عن أمير المؤمنين عليه السلام ، قال : «يوقف العبد بين يدي اللّه فيقول : قيسوا بين نعمي عليه وبين عمله ، فاستغرق النعم العمل ، فيقولون ، قد استغرق النعم العمل ، فيقول : هبوا له نعمي ، وقيسوا بين الخير والشرّ منه» . ۲۰
الكَلّ : التعب والإعياء ، كَلّ السيف : لم يقطع ، ويقال : كَلّ لسانه وبصره ؛ إذا نبا ولم يحقّق المنطوق والمنظور ، وعند ذلك يقول : «فياعظيم رجائي لا تخيّبني إذا اشتدّت فاقتي» أي عظيم من أرجوه ، أو يامن عظم رجائي فيه ، سُمّي المرجوّ رجاءً للمبالغة ، من باب زيد عدل . جعل هذه الجملة مكان يااللّه للمبالغة أيضا ؛ ليكون أليق في نجاح مطلوبه .
الخيبة : فوت الطلب ، قال تعالى : «وَقَدْ خابَ مَنِ افْتَرى » ، ۲۱ وقال سبحانه : «وَخابَ كُلُّ جَبّارٍ عَنِيدٍ » ، ۲۲ أي لا تجعلني خائبا غير ظافر بمطلوبي ، وخاسرا في آمالي إذا اشتدّت فاقتي ، والفاقة : الفقر والحاجة ، ولا فعل لها ، يقال : افتاق إذا افتقر ، ولا يقال : فاق .
«ولا تردّني لجهلي» ردّه عن وجهه : صرفه ، وردّ عليه : لم يقبله ، وردّ زيدا : خطّأه . والمعنى لا تصرفني عن بابك ردّ حرمان وخيبة لجهلي . والجهل على ثلاثة أضرب :
الأوّل : وهو خلوّ النفس عن العلم ، وهذا هو الأصل .
والثاني : اعتقاد الشيء بخلاف ما هو عليه .
والثالث : فعل الشيء بخلاف ما هو حقّه أن يفعل ، سواء اعتقد فيه اعتقادا صحيحا أو فاسدا ، كمن يترك الصلاة متعمّدا . وبعبارةٍ ، قد يُستعمل الجهل في مقابل العلم ، ومعناه عدم العلم ، وتارةً يُستعمل في مقابل العقل ، ويعبّر عنه بالفارسية «ناداني» ، يرتكب عملاً سيّئا عالما وعامدا ، كقوله تعالى : «أَتَتَّخِذُنا هُزُواً قالَ أَعُوذُ بِاللّه ِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ » ، ۲۳
وقوله سبحانه : «إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ » ، ۲۴ وقوله تعالى : «لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَالسُّوءَ بِجَهالَةٍ » ، ۲۵ والّظاهر أنّ المراد هنا هذا المعنى.
«ولا تمنعني لقلّة صبري» المنع يقال في ضدّ العطيّة ، والصبر : الإمساك في ضيق ، يقال : صبرت الدابّة : حبستها ، والصبر : حبس النفس على ما يقتضيه العقل والشرع ، أو عمّا يقتضيان حبسها عنه ، وربّما خولف بين أسمائه بحسب اختلاف مواقعه ، فإن كان حبس النفس لمصيبة سُمّي صبرا لا غير ، ويضادّه الجزع ، وإن كان في محاربةٍ سُمّي شجاعة ، ويضادّه الجبن ، وإن كان في نائبةٍ مضجرة سُمّي رحب الصدر ، ويضادّه الضجر ، وإن كان في إمساك الكلام سُمّي كتمانا ، ويضادّه المذل ، وقد سمّى اللّه تعالى كلّه صبرا ، ونبّه عليه بقوله : «وَالصّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرّاءِ » ، ۲۶«وَالصّابِرِينَ عَلى ما أَصابَهُمْ »۲۷ . ۲۸
وفي الحديث عن علي بن الحسين عليه السلام ، قال : «الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد ، ولا إيمان لمن لا صبر له» ، ۲۹ وفيه عن علي عليه السلام قال : «قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : الصبر ثلاثة : صبر عند المصيبة ، وصبر عند الطاعة ، وصبر عن المعصية ، فمن صبر على المصيبة حتى يردّها بحسن عزائها ، كتب اللّه له ثلاثمئة درجة ما بين الدرجة إلى الدرجة كما بين السماء والأرض ، ومن صبر على الطاعة ، كتب اللّه له ستمئة درجة ما بين الدرجة إلى الدرجة كما بين تخوم الأرض إلى منتهى العرش ، ومن صبر عن المعصية ، كتب اللّه له تسعمئة درجة ما بين الدرجة إلى الدرجة كما بين تخوم الأرض إلى منتهى العرش» . ۳۰
«أعطني لفقري وارحمني لضعفي» علّل طلب الإعطاء بالفقر ، قال الراغب ـ ما ملخّصه ـ : الفقر يُستعمل على أربعة أوجه :
الأوّل : وجود الحاجة الضرورية ، وذلك عامّ للإنسان مادام في دار الدنيا ، بل عامّ للموجودات كلّها ، وعلى هذا قوله : «يا أَيُّهَا النّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللّه ِ » . ۳۱
والثاني : عدم المقتنيات ، وهو المذكور في قوله : «لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا » ، ۳۲ وقوله : «إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ » . ۳۳
الثالث : فقر النفس ، وهو الشره المعني بقوله عليه الصلاة والسلام : «كاد الفقر أن يكون كفرا» ، ۳۴ المقابل لقوله : «الغني غني النفس» . ۳۵
الرابع : الفقر إلى اللّه المشار إليه بقوله صلى الله عليه و آله : «اللّهمّ أغنني بالافتقار إليك ، ولا تفقرني بالاستغناء عنك» ۳۶ (انتهى) . ۳۷
وعلى كلّ حال ، الاستعطاء بالفقر بأيّ معنىً أُريد لا بأس به ، وهو حقّ كما قال تعالى : «يا أَيُّهَا النّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللّه ِ وَاللّه ُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ » . ۳۸
ثمّ علّل استرحامه بضعفه ، والضعف خلاف القوّة ، وهو قد يكون في النفس وقد يكون في البدن والحال ، والضَعف بالفتح والضُعف بالضمّ لغتان ، وعن الخليل : «إنّ الأوّل في العقل والرأي ، والثاني في البدن» . ۳۹ والضِعف بالكسر المثل من ضعف الشيء أي مثله ؛ قال تعالى : «خُلِقَ الإِْنْسانُ ضَعِيفاً » ؛ ۴۰ وذلك لكثرة حاجاته وعدم قوّته في مقابل حوائجه الشهوية والبدنية.

1.الكافي : ج ۱ ص ۱۳۴ ، التوحيد : ص ۴۲ ، اُنظر : بحار الأنوار : ج ۴ ص ۳۶۹.

2.الأنعام : ۱۴۹.

3.الصافات : ۲۴.

4.العاديات : ۱۰.

5.البقرة : ۲۸۴.

6.الأنبياء : ۱.

7.آل عمران : ۱۵۴.

8.الأعراف: ۶.

9.الحجر : ۹۲.

10.النحل : ۵۶ .

11.التكاثر: ۸ .

12.الكافي : ج ۱ ص ۱۱ ، المحاسن : ج ۱ ص ۱۹۵ ، بحار الأنوار : ج ۱ ص ۱۰۶ .

13.تفسير العيّاشي : ج ۲ ص ۲۱۰ ، بحار الأنوار : ج ۷ ص ۲۶۶ .

14.عيون أخبار الرضا عليه السلام : ج ۱ ص ۳۷ ، بحار الأنوار : ج ۷ ص ۲۶۰.

15.المعارج : ۴.

16.الأمالي للمفيد : ص ۲۷۴ ، الأمالي للطوسي : ص ۳۶ ، بحار الأنوار : ج ۷ ص ۱۲۶ .

17.الأمالي للطوسي : ص ۲۱۱ ، بحار الأنوار : ج ۷ ص ۲۶۲ .

18.الانشقاق : ۸ .

19.معاني الأخبار : ص ۲۶۲ ، بحار الأنوار : ج ۷ ص ۲۶۳.

20.الأمالي للطوسي : ص ۲۱۲ ، كنز الفوائد : ص ۱۰۰ ، بحار الأنوار : ج ۵ ص ۳۳۴ .

21.طه : ۶۱.

22.إبراهيم : ۱۵.

23.البقرة : ۶۷.

24.هود : ۴۶.

25.النساء : ۱۷ .

26.البقرة : ۱۷۷.

27.الحجّ : ۳۵.

28.مفردات ألفاظ القرآن : ص ۲۷۳.

29.الكافي : ج ۲ ص ۸۹ ، الخصال : ص ۳۱۵ ، قرب الإسناد : ص ۱۵۶ ، تحف العقول : ص ۲۸۱ .

30.الكافي : ج ۲ ص ۹۱ ، مسكن الفؤاد : ص ۵۱ ، بحار الأنوار : ج ۷۹ ص ۱۳۹ .

31.فاطر: ۱۵ .

32.البقرة : ۲۷۳.

33.التوبة : ۶۰ .

34.الكافي : ج ۲ ص ۳۰ ، الأمالي للصدوق : ص ۳۷۱ ، اُنظر : بحار الأنوار : ج ۲۷ ۲۴۷ .

35.تحف العقول : ص ۵۷ ، روضة الواعظين : ص ۴۵۶ ، اُنظر : بحار الأنوار : ج ۷۴ ص ۱۶۰ .

36.تفسير الآلوسي : ج ۳۰ ص ۱۶۲ .

37.مفردات ألفاظ القرآن : ص ۳۸۳.

38.فاطر : ۱۵.

39.العين : ج ۱ ص ۲۸۱.

40.النساء : ۲۸.

  • نام منبع :
    شرح دعاء أبي حمزة الثمالي
    سایر پدیدآورندگان :
    هوشمند، مهدي
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    سازمان چاپ و نشر دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 455850
صفحه از 464
پرینت  ارسال به