211
شرح دعاء أبي حمزة الثمالي

۰.سَيِّدي عَلَيكَ مُعتَمَدي ومُعَوَّلي ، ورَجائي وتَوَكُّلي «363 » وبِرَحمَتِكَ تَعَلُّقي ، وبِفَنائِكَ أحُطُّ رَحلي «364 »وبِجودِكَ أقصُدُ ۱ طَلِبَتي «365 »وبِكَرَمِكَ أي رَبِّ أستَفتِحُ دُعائي «366 »ولَدَيكَ أرجو غِنى ۲ فاقَتي «367 »وبِغِناكَ أجبُرُ عَيلَتي «368 »وتَحتَ ظِلِّ عَفوِكِ قِيامي «369 » وإلى جودِكَ وكَرَمِكَ أرفَعُ بَصَري «370 » وإلى مَعروفِكَ اُديمُ نَظَري «371 »

«سيّدي» سيّد القوم رئيسهم ، أصله سيود أُعلّ بقلب الواو ياءً ، ثمّ أُدغمت.
«عليك معتمدي» من اعتمد على الحائط اتّكأ ، واعتمد فلانا وعلى فلان في كذا ؛ اتّكل عليه ، والعمد : قصد الشيء والاستناد إليه ، والعماد ، ما يعتمد . يعني يامولاي اتّكائي اتّكالي واعتمادي .
«ومعوّلي» أي عليك معوّلي ، وقد مرّ تفسيره آنفا .
«ورجائي» أي عليك رجائي.
قال الراغب : «الرجاء ظنّ يقتضي حصول ما فيه مسرّة » ، ۳ والرجاء ضدّ اليأس ، والمعنى عليك تعلّق رجائي ، ولعلّ في تقديم عليك إفادة الحصر.
«وتوكّلي» أيعليك توكّلي أي استسلامي ووثوقيواعتمادي .
«وبرحمتك تعلّقي» أي تمسّكي.
«وبفنائك أحطّ رحلي» الفناء : بكسر الفاء الوحيد وهو ساحة أمام البيت ، وقيل : هو ما امتدّ من جوانبه ، والحطّ من حطّ الشيء ؛ أي وضعه وتركه وإنزال الشيء من علوّ ، وحطّ الرحل : أنزله ، والرحل ما يوضع على البعير المركوب ، ثمّ يعبّر به عن البعير ، وتارةً عمّا يجلس عليه في المنزل ، وجمعه رحال ، والجملة بمعنى وفدت عليك بغير زاد.
«وبجودك أقصد طلبتي» الباء للسببيّة أو الاستعانة ، والجود : بذل المقتنيات مالاً كان أو علما أو نفسا . أقصد طلبتي : أي أعتزم عليها . والمعنى بسبب جودك أو بالاستعانة منه أعتزم على سؤال طلبتي (والطلبة بفتح فكسر : ما طلبته من شيء) مع كثرة ذنوبي وعصياني واستحقاق الخيبة والحرمان.
«وبكرمك أي ربّ استفتح دعائي» الكرم إذا وُصِف اللّه تعالى به فهو اسم لإحسانه وإنعامه المتظاهر ، نحو قوله : إنّه غنيّ كريم. وإذا وُصِف به الإنسان فهو اسم للأخلاق والأفعال المحمودة الّتي تظهر منه ، ولا يقال هو كريم حتّى يظهر ذلك منه ، قال بعض العلماء : الكرم كالحرّية ، إلّا أنّ الحرّية قد تقال في المحاسن الصغيرة والكبيرة ، والكرم لا يقال إلّا في المحاسن الكبيرة ، كمن ينفق مالاً في تجهيز جيش ، وقد تقدّم الكلام فيه والإشارة إلى الأحاديث الواردة فيه.
«أستفتح» أي بسبب كرمك أطلب أن يكون دعائي ظافرا ناجحا ، أو بكرمك أفتح دعائي ، ولولا كرمك لم أجسر أن أدعوك وأطلب منك.
«ولديك أرجو فاقتي» لديك ولدن ظرف مكاني وزماني كعند ، إلّا أنّه أقرب مكانا من عند وأخصّ منه ، ولا يستعمل إلّا في الحاضر بخلاف عند ، أي من عندك أرجو جبر فاقتي وحاجتي.
«وبغناك أجبر عيلتي» قال اللّه تعالى : «يا أَيُّهَا النّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللّه ِ وَاللّه ُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ » ، ۴ أي بسبب غناك أو بالاستعانة من غناك وأنت الغنيّ بالذات ، أجبر : أي أصلح ، يقال جبر العظم : أصلحه من كسر ، وجبر العظم وبنفسه : صلح بعد الكسر ، والجبّار من صفات اللّه تعالى ، ومعناه الذي يقهر العباد على ما أراد من أمر ونهي ، والذي يجبر حالهم ويصلحه ، وفعّال من أبنية المبالغة ، وقيل : الجبّار العظيم الشأن في الملك والسلطان ، ولا يطلق هذا الوصف على غيره تعالى إلّا على وجه الذّم ، وللراغب فيه تحقيق فراجع . ۵ فالمعنى : وبالاستعانة من غناك بالذات أجبر وأصلح عيلتي أي فقري.
«وتحت ظلّ عفوك قيامي» والظلّ ضدّ الفتح ، وهو أعمّ من الفيء ، فإنّه يقال : ظلّ اللّيل وظلّ الجنّة ، ويقال لكلّ موضع لم تصل إليه الشمس ظلّ ، ولا يقال فيء إلّا لما زالت عنه الشمس . ويعبّر بالظلّ عن العزّ والمنعة وعن الرفاهة ، قال تعالى : «إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ وَعُيُونٍ » ، ۶ أي في عزّ ومنعة ، أي وتحت عزّ عفوك ومنعته قيامي.
«وإلى جودك وكرمك» مرّ معناهما . «أرفع بصري» البصر يطلق على الجارحة الناظرة ، نحو قوله تعالى : «كَلَمْحِ الْبَصَرِ » ، ۷«وَإِذْ زاغَتِ الأَْبْصارُ » ، ۸ وللقوّة الّتي فيها ، ويقال : لقوّة القلب المدركة بصيرة وبصر ، نحو قوله تعالى : «فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ » ، ۹ وجمع البصر أبصار ، وجمع البصيرة بصائر ، ۱۰ أي أنظر إلى جودك وكرمك كجائع ينظر إلى طعام سخيّ كريم ، وكفقير ينظر إلى عطايا الباذل الجواد ، وكعطشان ينظر إلى المار في يد كريم رحيم نظره نظر سؤال وتضرّع وابتهال ويقبح من المالك ردّه.
«وإلى معروفك أديم نظري» والمعروف : الإحسان ، قال ابن الأثير : «تكرّر ذكر المعروف في الحديث ، وهو اسم جامع لكلّ ما عُرف من طاعة اللّه والتقرّب إليه والإحسان إلى الناس ، وكلّ ما ندب إليه الشرع ، ونهى عنه من المحسنات والمقبّحات ، وهو من الصفات الغالبة ، أي أمر معروف بين الناس إذا رأوه لا ينكرونه» . ۱۱ وقال الراغب : «المعروف اسم لكلّ فعل يُعرف بالعقل والشرع حسنه ، والمنكر ما ينكر بهما» . ۱۲ وفي المصباح : «هو الخير والرفق والإحسان» ، ۱۳ ويشهد لذلك موارد الاستعمال ، كقوله تعالى : «وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً » ، ۱۴ وفي الدعاء : «يا معروفا بالمعروف» ، ۱۵ وفي الحديث : «من أتى إليه معروف فليكافئ...» . ۱۶
يعني : إلى إحسانك إلى المخلوقين أديم نظري ؛ كي يشملني معروفك وإحسانك ، كما تقدّم من لوازم النظر وإدامته.
هذه كلّها استشفاع وتوسّل بكرامة اللّه تعالى في الذين يديمون النظر إلى معروفه ويرفعون أبصارهم إلى جوده وكرمه ، ويقومون تحت ظلّ عفوه ، ويرون لديه جبر فاقتهم وعيلتهم ، وبكرامته يستفتحون دعاءهم ، وبجوده يقصدون حصول طلبتهم ، وبفنائه يحطّون رحلهم ، وعليه معتمدهم ومعوّلهم ، فإنّه تعالى يجلّ عن ردّ هؤلاء وخيبتهم إذا صدقوا ، بل وإن ادّعوا ؛ لأنّه تعالى سبقت رحمته غضبه ، وكذلك في الجملات الآتية.

1.أقصر «خ».

2.ليس في المصباح للكفعمي والبلد الأمين : «غنى» ، وفي الإقبال : «سدّ فاقتي» .

3.مفردات ألفاظ القرآن : ص ۱۹۰.

4.فاطر : ۱۵.

5.مفردات ألفاظ القرآن : ص ۸۶ .

6.المرسلات : ۴۱ .

7.القمر : ۵۰ .

8.الأحزاب : ۱۰.

9.ق : ۲۲.

10.مفردات ألفاظ القرآن : ص ۴۹.

11.النهاية : ج ۳ ص ۲۱۶.

12.مفردات ألفاظ القرآن : ص ۳۳۱ .

13.المصباح المنير : ج ۲ ص ۶۲.

14.لقمان: ۱۵ .

15.المصباح للكفعمي : ص ۲۹۵ ، بحار الأنوار : ج ۹۱ ص ۲۸۳.

16.الكافي : ج ۴ ص ۳۳ ، دعائم الإسلام : ص ۳۲۱ ، الأمالي للطوسي : ص ۲۳۳ .


شرح دعاء أبي حمزة الثمالي
210
  • نام منبع :
    شرح دعاء أبي حمزة الثمالي
    سایر پدیدآورندگان :
    هوشمند، مهدي
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    سازمان چاپ و نشر دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 455580
صفحه از 464
پرینت  ارسال به