۰.وَارحَمني صَريعا عَلَى الفِراشِ تُقَلِّبُني أيدي أحِبَّتي «385 »وتَفَضَّل عَلَيَ مَمدودا عَلَى المُغتَسَلِ يُقَلِّبُني ۱ صالِحُ جيرَتي «386 »وتَحَنَّن عَلَيَ مَحمولاً قَد تَناوَلَ الأَقرِباءُ أطرافَ جِنازَتي «387 »وجُد عَلَيَ مَنقولاً قَد نَزَلتُ بِكَ وَحيدا في حُفرَتي «388 »وَارحَم في ذلِكَ البَيتِ الجَديدِ غُربَتي حَتّى لا أستَأنِسَ بِغَيرِكَ «389 »
«وارحمني صريعا على الفراش» أي مطروحا على الأرض أو على الفراش ، والمراد هنا كونه مريضا شديدا على الفراش لا يقدر على التقلّب في الفراش.
«تقلّبني أيدي أحبّتي» وذلك بيان لحال موت الإنسان طبيعة في الغالب هذه الحالة ممّا يوجب الرحمة ويدعو بذلك أهل الرحمة والجنان.
«وتفضّل عليّ» أي أحسن وتطوّل وأنعم عليّ حال كوني «ممدودا على المغتسل» بيان لما بعد الموت من تجهيزه للدفن حيث يضعونه ممدودا على المغتسل ، أي مكان معدّ لغسل الأموات.
«يقلّبني صالح جيرتي» الجيرة جمع الجار أي المجاور في المسكن ، وخصّ صلحاءهم لأنّهم الّذين يقومون بذلك ، ومن سعادة المؤمن أن يتكفّل أموره الصلحاء ويستغفرون له ويشهدون عند اللّه تعالى بصلاحه ، وخَصّ الجيران دون الأقرباء للتقليب فقط ؛ لأنّ الأولى للغسل أرحامه والجيران يعينونهم بالتقليب ، أو لأنّ الجيران يخصّون أنفسهم بالغسل والتجهيز احتراما للميّت وأرحامه.
«وتحنّن علي» الحنين الاشتياق ، وحنّ عليه : عطف ، وقال سبحانه : «وَحَناناً مِنْ لَدُنّا »۲ أي رحمة وعطفا ، أي ارحمني وأشفق عليّ .
«محمولاً قد تناول» أي أخذ «الأقرباء أطراف جنازتي» الطرف محرّكة حرف الشيء ونهايته ، وجنّز الميّت : جعله على الجنازة ، أي السرير ، والجنازة بالكسر ، والفتح : الميّت ، وقيل : الجنازة بالكسر الميت وبالفتح السرير ، وقيل العكس ، وقيل : الجنازة بالكسر السرير مع الميّت وكلّ من يشيّعه ، والمراد هنا هو السرير مع الميّت.
«وجد عليّ منقولاً» جُد أمر من جاد يجود؛ أي تكرّم ، والجواد : السخيّ للمذكّر والمؤنّث ، وهو بذل المقتنيات مالاً كان أو علما ، أو اعمل الجود عليّ حال كوني منقولاً على الجنازة.
«قد نزلت بك وحيدا» نزلت بك : أي حللت بك وحيدا ، كقتيل ، الوحيد : المتفرّد بنفسه عن الأصحاب والأولاد والأهل ، مباينا لهم كما قال عزّ من قائل : «وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ ما خَوَّلْناكُمْ وَراءَ ظُهُورِكُمْ وَما نَرى مَعَكُمْ شُفَعاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ ما كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ » ، ۳ وفي الحديث عن أبي بصير عن الصادق عليه السلام : «اذكر تقطّع أوصالك في قبرك ورجوع أحبّائك عنك إذا دفنوك» . ۴
«في حفرتي» وهي ما يُدفن فيه بدن الميّت وما حُفر من الأرض .
«وارحم في ذلك البيت الجديد» وهو القبر «غربتي» والغربة : البعد عن الوطن ، وقد مرّ تفسيره .
«حتّى لا أستأنس بغيرك» الأُنس خلاف النفور ، وفي الدعاء : «يا أُنس كلّ مستوحش غريب» ، ۵ وفي آخر : «وهب لي الأُنس بك... واجعل سكون قلبي وأُنس نفسي... بك» ، ۶ وفي النهج : «اللّهمّ إنّك آنس الآنسين لأوليائك» . ۷
والظاهر هنا الأُنس باللّه في الدنيا بذكره وعبادته ومناجاته والتوكّل عليه وإيثار هواه على هوى نفسه وطاعته على عصيانه ومخالفته ، وفي القبر الأُنس باللّه تعالى ، لعلّ المراد الأُنس بالصالحات من أعماله ، وقد روى عن أحدهما عليهماالسلامقال : «إذا مات العبد المؤمن دخل معه في قبره ستّة صور ، فيهنّ صورة أحسنهنّ وجها ، وأبهاهنّ هيئةً ، وأطيبيهنّ ريحا ، وأنظفهنّ صورةً ، قال : فيقف صورة عن يمينه ، وأُخرى عن يساره ، وأُخرى بين يديه ، وأُخرى خلفه ، وأُخرى عند رجليه ، وتقف الّتي هي أحسنهنّ فوق رأسه ، فإن أتى عن يمينه منعته الّتي عن يمينه ، ثمّ كذلك إلى أن يُؤتى من الجهات الستّ ، قال : فتقول أحسنهنّ صورة : ومن أنتم جزاكم اللّه عنّي خيرا؟ فتقول الّتي عن يمين العبد : أنا الصلاة ، وتقول الّتي عن يساره : أنا الزكاة ، وتقول الّتي بين يديه : أنا الّصيام ، وتقول الّتي خلفه : أنا الحجّ والعمرة ، وتقول الّتي عند رجليه : أنا برّ من وصلت من إخوانك ، ثمّ يقلن : من أنت؟ فأنت أحسننا وجها وأطيبنا ريحا وأبهانا هيئةً ، فتقول : أنا الولاية لآل محمّد صلوات اللّه عليهم أجمعين» . ۸
وفي الحديث عن محمّد بن مسلم قال : «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : الموتى نزورهم؟ فقال : نعم (إلى أن قال) قلت : فأيّ شيء نقول إذا أتيناهم؟ قال : قل : اللّهمّ جاف الأرض عن جنوبهم ، وصاعد إليك أرواحهم ، ولقّهم منك رضوانا ، وأسكن إليهم من رحمتك ما تصل به وحدتهم ، وتؤنس به وحشتهم ، إنّك على كلّ شيء قدير» . ۹
1.في الإقبال والمصباح للكفعمي والبلد الأمين : «يغسّلني» بدل «يقلّبني» .
2.مريم : ۱۳.
3.الأنعام : ۹۴.
4.الكافي : ج ۳ ص ۲۵۵ .
5.الصحيفة السجّادية : الدعاء ۱۶.
6.المصدر السابق : الدعاء ۲۱.
7.نهج البلاغة : الخطبة ۲۲۷ .
8.المحاسن : ج ۱ ص ۲۸۸ ، شرح الأخبار : ج ۳ ص ۴۵۸ ، بحار الأنوار : ج ۶ ص ۲۳۴ .
9.كتاب من لا يحضره الفقيه : ج ۱ ص ۱۸۱ ، واُنظر : وسائل الشيعة : ج ۳ ص ۲۲۸ ، وبحار الأنوار : ج ۶ ص ۲۶۵ و ۲۳۰ .