229
شرح دعاء أبي حمزة الثمالي

شرح دعاء أبي حمزة الثمالي
228

۰.يا سَيِّدي إن وَكَلتَني إلى نَفسي هَلَكتُ «390 »سَيِّدي فَبِمَن أستَغيثُ إن لَم تُقِلني عَثرَتي؟«391 » فَإِلى مَن أفزَعُ إن فَقَدتُ عِنايَتَكَ في ضَجعَتي؟«392 »وإلى مَن ألتَجِئُ إن لَم تُنَفِّس كُربَتي؟«393 »سَيِّدي مَن لي ومَن يَرحَمُني إن لَم تَرحَمني؟«394 »وفَضلَ مَن اُؤَمِّلُ إن عَدِمتُ فَضلَكَ يَومَ فاقَتي؟«395 » وإلى مَنِ الفِرارُ مِنَ الذُّنوبِ إذَا انقَضى أجَلي؟«396 »

«ياسيّدي» ، سيّد القوم رئيسهم كما مرّ
«إن وكلتني إلى نفسي» التوكيل : أن تعتمد على غيرك وتجعله نائبا عنك ، ووكله إلى نفسه ؛ أي فوّض أمره إلى نفسه : فهو الذي يدبّر أمر نفسه ويراعي صلاحه وسعادته .
«هلكت» من هلك الرجل أي مات ، ولا يكون إلّا في ميتة السوء ، ولهذا لا يُستعمل للأنبياء العظام ، وهلك في يده إذا كان بغير صنعته ، وهلك على يده إذا استهلكه ، وبنوتميم يستعملون هلك متعدّيا .
قال الراغب : «الهلاك على ثلاثة أوجه : افتقاد الشيء عنك وهو عند غيرك موجود ، كقوله تعالى : «هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ » ، ۱ وهلاك الشيء باستحالة وفساد كقوله : «وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ » ، ۲ ويقال : هلك الطعام ، والثالث الموت ، كقوله : «إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ » . ۳ ولم يذكر اللّه الموت بلفظ الهلاك ، حيث لم يقصد الذمّ إلّا في هذا الموضع ، والرابع بطلان الشيء من العالم وعدمه رأسا ، وذلك المسمّى فناء ، المشار إليه بقوله : «كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ » ، ۴ ويقال للعذاب والخوف والفقر الهلاك» ، انتهى . ۵
وفي الصحيفة : «ولا تهلكني مع من تهلك من المتعرّضين لمقتك» ، ۶ و«فإنّك إن تكافني بالحقّ تهلكني» . ۷
والمراد هنا الوقوف في العذاب الإلهي والبعد عن اللّه تعالى ؛ وذلك لأنّ اللّه تعالى إذا وكّل الإنسان إلى نفسه وقطع عنه هدايته أهلكته نفسه وهواها ، قال سبحانه : «إِنَّ النَّفْسَ لأََمّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاّ ما رَحِمَ رَبِّي » ، ۸ وفي الصحيفة : «فإنّ نفسي هالكة أو تعصمها» . ۹
«سيّدي فبمن أستغيث» أي استنصر؟ والغوث : النصرة والعون .
«إن لم تقلني» أي تصفح عنّي «عثرتي» أي الزلّة والكبوة ، من أقال البيع أي فسخه ، وأقال اللّه عثرتك ؛ أي صفح عنك ، يائيّ .
«فإلى من أفزع؟» تفريع على قوله : «إن وكلتني إلى نفسي» فهلكت ولا ملجأ إليك ومنجى إلاّ أنت ، فإذا بمن استغيث ولا مغيث سواك؟ وإلى من أفزع؟ ويقال : فزع إليه إذا استغاث به عند الفزع ، والفزع : انقباض ونفار يعتري الإنسان من الشيء المخيف ، وهو من جنس الجزع . ۱۰
«إن فقدت عنايتك» أي عدمت حفظك ، من عنى اللّه به عناية حفظه ؛ لأنّ من عنى بشيء حفظه ، وأعنيت بالأمر أي اهتممت ، ومنه عنيت بحاجتك أي اهتممت بها واشتغلت ، وفي الدعاء : «ومن يعنيني أمره» أي ومن يهمّني أمره .
«في ضجعتي» بالفتح الرقدة ، وفي الحديث : «عجّلوا موتاكم إلى مضاجعهم» ۱۱ أي إلى قبورهم ومراقدهم . والمراد أنّ من أهلكته نفسه بالخطايا والمعاصي فهو معذّب في قبره وعالم البرزخ ولا ملجأ ولا مفزع فيه إلّا اللّه سبحانه وتعالى.
«وإلى من ألتجئ ؟» أي ألوذ وأعتصم به ، من لجأ إلى الحصن وغيره لاذ إليه واعتصم به .
«إن لم تنفّس» أي إن لم تفرّج ، والنفس : الريح الداخل والخارج في البدن من الفم والمنخر ، وهو كالغذاء للنفس وبانقطاعه بطلانها ، ويقال للفرج نفس ، ۱۲ ويقال : اللّهمّ نفّس عنّي ؛ أي فرّج عنّي ، ونفّس عنه كربته تنفيسا ، أي فرّجها .
«كُربتي» بالضمّ الغمّ الشديد ، وأصل ذلك من كرب الأرض وهو قلبها بالحفر ، فالغمّ يثير النفس إثارة ذلك ، ويصحّ أن يكون الكرب من كربت الشمس إذا دنت للمغيب ، أو من الكرب وهو عقد غليظ في رشا الدلو ، ۱۳ وقيل : إنّه الغمّ الذي يأخذ بالنفس ، وذلك أيضا بيان لشدّة عوالم القبر والبرزخ والقيامة أعاذنا اللّه تعالى منها.
«سيّدي من لي؟» أي من هو كائن لي .
«ومن يرحمني إن لم ترحمني؟» والرحمة رقّة تقتضي الإحسان إلى المرحوم ، وقد تُستعمل تارةً في الرقّة المجرّدة ، وتارةً في الإحسان المجرّد عن الرقّة ، نحو : رحم اللّه فلانا ، وإذا وُصِف به الباري فليس يُراد به إلّا الإحسان المجرّد دون الرقّة ، وعلى هذا روي : «إنّ الرحمة من اللّه إنعام وإفضال ، ومن الآدميّين رقّة وتعطّف» . ۱۴
«وفضل من أؤمّل» أي أرجو «إن عدمت فضلك؟» كلّ عطيّة لا تلزم من يعطى يقال لها فضل ، نحو قوله : «وَسْئَلُوا اللّه َ مِنْ فَضْلِهِ » ، ۱۵ والفضل : الإحسان والابتداء به من غير علّة له .
«يوم فاقتي» الفاقة : الفقر والحاجة ، ولا فعل لها ، يقال : افتاق إذا افتقر ، ولا يقال : فاق ، ويوم الفاقة يعمّ الدنيا والآخرة ، والأنسب هنا الثاني.
«وإلى من الفرار من الذنوب؟» الّتي ارتكبها الإنسان ، والذنب في الأصل الأخذ بذنب الشيء ، يقال : ذنبته : أصبت ذنبه ، ويُستعمل في كلّ فعلٍ يُستوخم عقباه اعتبارا بذنب الشيء ، ولهذا يُسمّى الذنب تبعة ؛ اعتبارا لما يحصل من عاقبته ، ۱۶ عمل الإنسان أعمالاً لها عواقب سيّئة بعد الموت ، فإلى من يفرّ الإنسان منها وإلى من يلتجئ في النجاة من عواقبها إن لم يكن فضل من اللّه تعالى؟
«إذا انقضى» أي انتهى «أجلي» أي المدّة المعيّنة له في بقائه في الدنيا ، يقال : انقضى الشيء انقضاءً فنى وانصرم ، وقد مرّ الكلام في الأجل آنفا.

1.الحاقة : ۲۹ .

2.البقرة : ۲۰۵.

3.النساء : ۱۷۶.

4.القصص : ۸۸ .

5.مفردات ألفاظ القرآن : ص ۵۴۴ .

6.الصحيفة السجّادية : الدعاء ۴۷ .

7.المصدر السابق : الدعاء ۳۹ .

8.يوسف : ۵۳ .

9.الصحيفة السجّادية : الدعاء ۲۰ .

10.اُنظر : مفردات ألفاظ القرآن : ص ۳۷۹.

11.اُنظر : الكافي : ج ۳ ص ۱۳۷ ، كتاب من لا يحضره الفقيه : ج ۱ ص ۱۴۰ ، تهذيب الأحكام : ج ۱ ص ۴۲۸ ، وسائل الشيعة : ج ۲ ص ۴۷۲.

12.مفردات ألفاظ القرآن : ص ۵۰۱ .

13.مفردات ألفاظ القرآن : ص ۴۲۸ .

14.اُنظر : المصدر السابق : ص ۱۹۱.

15.النساء : ۳۲.

16.اُنظر : مفردات ألفاظ القرآن : ص ۱۸۱ .

  • نام منبع :
    شرح دعاء أبي حمزة الثمالي
    سایر پدیدآورندگان :
    هوشمند، مهدي
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    سازمان چاپ و نشر دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 454668
صفحه از 464
پرینت  ارسال به