231
شرح دعاء أبي حمزة الثمالي

۰.سَيِّدي لا تُعَذِّبني وأنَا أرجوكَ «397 » إلهي حَقِّق رَجائي وآمِن خَوفي ، فَإِنَّ كَثرَةَ ذُنوبي لا أرجو فيها إلّا عَفوَكَ «398 »سَيِّدي أنَا أسأَلُكَ ما لا أستَحِقُّ وأنتَ أهلُ التَّقوى وأهلُ المَغفِرَةِ ، فَاغفِر لي «399 »وألبِسني مِن نَظَرِكَ ثَوبا يُغَطّي عَلَيَ التَّبِعاتِ وتَغفِرُها لي ولا اُطالَبُ بِها «400 »إنَّكَ ذو مَنٍّ قَديمٍ وصَفحٍ عَظيمٍ وتَجاوُزٍ كَريمٍ «401 »

«سيّدي لا تعذّبني» والعذاب كلّ ما شقّ على الإنسان ومنعه عن مراده ، والجمع أعذبة ، وفي الكلّيات : «كلّ عذاب في القرآن فهو التعذيب (أي إيقاع العذاب به) إلّا «وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ » ، ۱ فإنّ المراد الضرب» ، ۲ قال الراغب : «عذب الرجل ، إذا ترك المأكل والنوم ، فهو عاذب وعذوب ، فالتعذيب في الأصل هو حمل الإنسان أن يُعذّب ؛ أي يجوّع ويسهّر ، وقيل : أصله من العذب فعذبته ، أي أزلت عذب حياته على بناء مرضته وقذيته ، وقيل : أصل التعذيب إكثار الضرب بعذبة السوط أي طرفها ، وقال بعض أهل اللّغة : التعذيب هو الضرب» ، ۳ وفي المجمع : «وأصله في كلام العرب الضرب ، ثمّ استُعمل في كلّ عقوبة مؤلمة» . ۴
«وأنا أرجوك» أي أرجو عفوك وصفحك ، (اللّهمّ) «إلهي حقّق» أي أوجب ، من حقّق الشيء أوجده وأكّده وأثبته . «رجائي» أي ما رجوته وأمّلته من الصفح والعفو أو الإنعام والإعطاء.
«وآمن خوفي» بدّل خوفي أمنا ، آمنه إيمانا أمّنه ، والخوف توقّع مكروه عن أمارة مظنونة أو مكروهة ، كما أنّ الرجاء والطمع توقّع محبوب عن أمارة مظنونة أو معلومة ، ويضادّ الخوف الأمن ، ۵ فالمراد : اجعل خوفي أمنا .
«فإنّ كثرة ذنوبي» من جهة كثرتها الموجبة للبعد عن العفو «لا أرجو فيها إلّا عفوك» وكرما عظيما لا يتعاظمه شيء ، وليس إلّا عفوك وصفحك وتركك عقوبتي مع استحقاقي ، ولا يوصف بالعفو إلّا من يقدر على ضدّه كما قيل.
«سيّدي أنا أسألك ما لا أستحقّ» اعتراف بأنّ مطلوبه هو ما لا يستحقّه ولا يستوجبه ، والاعتراف يهوّن الجرم ويسهّل العفو مع الإيمان والإقرار بأنّه تعالى أهل لذلك بقوله : «وأنت أهل التقوى» أي أنت أهل أي مستأهل وحقيق بالتقوى ، أي بأن يُتّقى منه ؛ لأنّك الخالق المالك المنعم المفضل والعزيز الجبّار ، لا حول ولا قوّة إلّا بك ، وأنت المنتقم القادر لا يفوتك شيء ولا يمكن الخروج عن ملكك .
«وأهل المغفرة» أي متسأهل وحقيق أن تغفر. وعن أبي البقاء : «العفو : إسقاط العقاب ، والمغفرة : ستر الجرم صونا عن عذاب التخجيل والفضيحة ، ولا يوصف إلّا القادر على ضدّه» . ۶ يعني يا سيّدي ، أنت أهل لئن يُتّقى منك ومن لم يتّق ، بل تجرّأ وعصى ، فإنّك أهل أن تغفر وتستر ولا تعذّب عبدك بالفضيحة بين عبادك ، «تستر على من شئت فضحته» و«إنّك بأن تستر أقرب عنك إلى أن تشهر» ، و«فاستغفرت فأقلت وعدت فسترت».
«فاغفر لي وألبسني» من ألبسه غطّاه ، وألبسه الثوب : جعله يلبسه .
«من نظرك» نظر اللّه تعالى إلى عباده هو إحسانه إليهم وإفاضة نعمه عليهم ، قال : «وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللّه ُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ » ، ۷ وعلى ذلك قوله : «كَلاّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ »۸ (الراغب) . ۹
«ثوبا» الثوب : اللباس ، والمراد هنا ما يكون ساترا لعيوبه وذنوبه ، ويقال : فلان دنس الثياب وطاهر الثياب ، أي خبيث النفس وطاهر النفس ، كما في الدعاء : «ألبسني زينة المتّقين» ۱۰ «وألبسني عافيتك» ۱۱ أي ألبسني ما «يغطّي عليّ» أي يستر ، والغطاء ما يُجعل فوق الشيء من طبق ونحوه ، كما أنّ الغشاء ما يُجعل فوق الشيء من لباس ونحوه . ۱۲ والغطاء : الستر ، غطاه تغطيةً بمعنى غطاء ، شدّد للمبالغة .
«التبعات» : التبعة والتباعة : ما أتبعت به من صاحبك من ظلامة ونحوه ، يقال : لي قِبَل فلان تبعة وتباعة ؛ أي ظلامة ، ۱۳ وما يترتّب على الفعل من الخير والشرّ ، إلّا أنّ استعماله في الشرّ ، يقال : لهذا الفعل تبعة ؛ أي خوف شرّ وضرر ، والمراد هنا ، إلباس ثوب العفو والصفح من كرمه تعالى ، حتّى لا يرى له عمل له تبعة خوفا من الفضيحة ، وهذا أمر وراء العفو ، وهو معلوم ، ولذلك قال بعده : «وتغفرها لي» أي التبعات بعد سترها.
«ولا أُطالب بها» ، أي لا أؤ اخذ بها ولا أُعاقب ، يقال : طالبه مطالبةً ؛ طلبه بحقّ له عليه ، وعلّل ذلك كلّه بقوله : «إنّك ذو منّ» أي ذو إحسان ، والمنّة : النعمة الثقيلة ، ويقال ذلك على وجهين : أحدهما : أن يكون ذلك بالفعل ، فيقال : منّ فلان على فلان ؛ إذا أثقله بالنعمة ، وعلى ذلك قوله : «لَقَدْ مَنَّ اللّه ُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ » ، ۱۴«كَذلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللّه ُ عَلَيْكُمْ » ، ۱۵ وذلك على الحقيقة لا يكون إلّا للّه تعالى .
والثاني : أن يكون ذلك بالقول ، وذلك مستقبح فيما بين الناس... وقوله : «يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ » ، ۱۶ فالمنّة منهم بالقول ، ومنّة عليهم بالفعل ، وهو هدايته إيّاهم . ۱۷
منّ عليه : أنعم عليه من غير تعب ولا نصب واصطنع عنده صنيعة وإحسانا ، ومنّ عليه عدّله ما فعله من الصنائع . والمراد هنا إحسانه تعالى على العباد وأنّ إحسانه عزّ شأنه «قديم» سابق بحيث كأنّه سنّة وعادة له تعالى عوّد عباده بذلك ، كأنّه يستدلّ على طلب ذلك بذلك ، كما في الدعاء : «واشفع لي أوائل مننك بأواخرها» . ۱۸
«وصفح عظيم» ، الصفح : ترك اللّوم والتعيير ، وهو أبلغ من العفو ، ولذلك قال : «فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتّى يَأْتِيَ اللّه ُ بِأَمْرِهِ » ، ۱۹ وقد يعفو الإنسان ولا يصفح ، وصفه بالعظيم ؛ لعظم ما يصفح عنه.
«وتجاوز كريم» أي صفح كريم جامع لأنواع الخير والشرف والفضائل.

1.النور : ۲.

2.اُنظر : أقرب الموارد : ج ۳ ص ۴۹۹.

3.مفردات ألفاظ القرآن : ص ۳۲۷ .

4.مجمع البيان : ج ۳ ص ۱۴۱.

5.اُنظر : مفردات ألفاظ القرآن : ص ۱۶۱.

6.الكلّيات لأبي البقاء : ص ۶۳۲.

7.آل عمران : ۷۷.

8.المطفّفين : ۱۵ .

9.مفردات ألفاظ القرآن : ص ۴۹۸.

10.الصحيفة السجّادية : الدعاء ۲۰ .

11.المصدر السابق : الدعاء ۲۳.

12.مفردات ألفاظ القرآن : ص ۳۶۲.

13.اُنظر : مفردات ألفاظ القرآن : ص ۳۲۷ .

14.آل عمران : ۱۶۴.

15.النساء : ۹۴.

16.الحجرات : ۱۷.

17.مفردات ألفاظ القرآن : ص ۴۷۴.

18.الصحيفة السجّادية : الدعاء ۴۷.

19.البقرة : ۱۰۹.


شرح دعاء أبي حمزة الثمالي
230
  • نام منبع :
    شرح دعاء أبي حمزة الثمالي
    سایر پدیدآورندگان :
    هوشمند، مهدي
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    سازمان چاپ و نشر دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 454319
صفحه از 464
پرینت  ارسال به