۰.إلهي أنتَ الَّذي تُفيضُ سَيبَكَ عَلى مَن لا يَسأَلُكَ وعَلَى الجاحِدينَ بِرُبوبِيَّتِكَ «402 » فَكَيفَ سَيِّدي بِمَن سَأَلَكَ وأيقَنَ أنَّ الخَلقَ لَكَ وَالأَمرَ إلَيكَ؟«403 » تَبارَكتَ وتَعالَيتَ يا رَبَّ العالَمينَ «404 » سَيِّدي عَبدُكَ بِبابِكَ أقامَتهُ الخَصاصَةُ ۱ بَينَ يَدَيكَ «405 »يَقرَعُ بابَ إحسانِكَ بِدُعائِهِ«406 »ويَستَعطِفُ جَميلَ نَظَرِكَ بِمَكنونِ رَجائِهِ«407 »فَلا تُعرِض بِوَجهِكَ الكَريمِ عَنّي«408 »وَاقبَل مِنّي ما أقولُ «410 »
«إلهي أنت الذي تفيض» الإله المعبود مطلقا حقّا أو باطلاً (كما نعبّر بالفارسيّة خدا وخدايان) ، واللّه علم للذات المستجمع لجميع صفات الكمال ، وإن شئت فقل : إله علم جنس ، واللّه علم شخص ، والفيض من فاض الماء : إذا سال منصبّا ، وأفاض الماء على جسده : أفرغه ، وأفاض الإناء : ملأه حتّى فاض ، أي أنت الذي تصبّ.
«سيبك» عطاؤك ، من ساب الماء ، جرى وذهب كلّ مذهب ، وساب في منطقه ؛ أفاض فيه بغير روّية ، فهو العطاء الكثير الوافر بغير حساب ، أي تفيض عطاءك الكثير المتدافق . «على من لا يسألك» كما في الدعاء : «يامن يعطي القليل بالكثير ، ويا من يعطي من لم يسأله ولم يعرفه ؛ تحنّنا منه ورحمةً» . ۲
«وعلى الجاحدين بربوبيّتك» الجحد : نفي ما في القلب إثباته ، وإثبات ما في القلب نفيه ، قال تعالى : «وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ » ، ۳ وجحده جحدا أنكره مع علمه به ، والربوبية والربابة : اسم من الربّ ، وهو من أسمائه تعالى ، والمالك والسيّد والمطاع والمصلح.
قال الراغب : «الربّ في الأصل التربية ، وهو إنشاء الشيء حالاً فحالاً إلى حدّ التمام... فالربّ مصدر مستعار للفاعل ، ولا يقال الربّ مطلقا إلّا للّه تعالى المتكفّل بمصلحة الموجودات ، نحو قوله : «بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ »۴ ... ويقال : ربّ الدار وربّ الفرس لصاحبها ، وعلى ذلك قول اللّه تعالى : «اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ »۵ » ، ۶ فاللّه تعالى يعطي الكافرين ويفيض عليهم من سيبه ، كيف وقد قال تعالى : «وَلَوْ لا أَنْ يَكُونَ النّاسُ أُمَّةً واحِدَةً لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَمَعارِجَ عَلَيْها يَظْهَرُونَ * وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْواباً وَسُرُراً عَلَيْها يَتَّكِؤُنَ * وَزُخْرُفاً وَإِنْ كُلُّ ذلِكَ لَمّا مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَالآْخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ » . ۷
«فكيف سيّدي بمن سألك» وليس بكافر ولا جاحد بل «وأيقن» اليقين : من صفة العلم فوق المعرفة والدراية وأخواتها ، يقال : علم يقين ولا يقال : معرفة يقين ، وهو سكون الفهم مع ثبات الحكم ، يقال : يقن الأمر ؛ أي ثبت ووضح فهو يقين ، ويقال : علم اليقين وعين اليقين وحقّ اليقين . ۸ أي كيف يكون سيبك وفيضك بمن سألك مع اليقين «بأنّ الخلق لك» ولا إله سواك.
«والأمر إليك» المراد من الأمر هو ما في قوله تعالى : «وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَْمْرُ كُلُّهُ » ، ۹ و «إِنَّ الأَْمْرَ كُلَّهُ للّه ِِ » ، ۱۰ وهو الشأن أو الشيء ، أو المراد الطلب ، وجمعه الأوامر ، أي كلّ ما يحدث لا يكون إلاّ بأمره تعالى ، فسيبك عليهم أولى وأجدر.
«تباركت» تقدّست وتنزّهت ، كقوله تعالى : «فَتَبارَكَ اللّه ُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ » ، ۱۱ و «تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ » ، ۱۲ ويمكن أن يكون المراد كثرة الخير منه تعالى ، أي كثر خيرك ، فيكون التفاعل هنا للمبالغة لا بمعنى فاعل.
«وتعاليت» تعالى : أي ذهب صعدا ، فيه مبالغة ، إذ التفاعل بين الاثنين ، فإذا أُسند إلى واحد فإمّا أن يكون بمعنى المجرّد كما قيل ، أو للمبالغة كما قاله الراغب ، قال : «قوله : إنّه هو العليّ الكبير ، ۱۳«إِنَّ اللّه َ كانَ عَلِيًّا كَبِيراً » ، ۱۴ فمعناه يعلو أن يحيط به وصف الواصفين ، بل علم العارفين ، وعلى ذلك يقال تعالى ، نحو : «تَعالَى اللّه ُ عَمّا يُشْرِكُونَ » ، ۱۵
وتخصيص لفظ التفاعل لمبالغة ذلك منه لا على سبيل التكلّف ، كما يكون من البشر...» . ۱۶
«يا ربّ العالمين» وقد تقدّم الكلام في الربّ ، وهو السيّد المطاع والرئيس والمدبّر ، وكذا تقدّم الكلام في العالمين أيضا ، قال الراغب : «وقال جعفر بن محمّد : عنى به الناس وجعل كلّ واحد منهم عالما ، وقال : العالم عالمان : الكبير وهو الفلك بما فيه ، والصغير هو الإنسان ؛ لأنّه مخلوق على هيئة العالم ، وقد أوجد اللّه تعالى فيه كلّ ما هو موجود في العالم الكبير» . ۱۷
«سيّدي عبدك ببابك» ، شبّه نفسه كسائل وقف باب إنسان غنيّ يطلب منه الحاجة ، وفي الصحيفة : «فهأنذا يا إلهي واقف بباب عزّك» ، ۱۸ و«بابك مفتوح للراغبين» ، ۱۹ والباب يقال لمدخل الشيء ، وأصل ذلك مداخل الأمكنة ، كباب المدينة والدار والبيت ، وجمعه أبواب... ومنه يقال في العلم باب كذا ، ۲۰ ووصف نفسه بالعبودية وهي إظهار التذلّل ، والعبد يقال على أربعة أضرب :
الأوّل : عبد بحكم الشرع ، وهو الإنسان الذي يصحّ بيعه .
الثاني : عبد بالإيجاد ، وذلك ليس إلّا للّه ، وإيّاه قصد بقوله : «إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالأَْرْضِ إِلاّ آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً » . ۲۱
الثالث : عبد بالعبادة والخدمة ، والناس في هذا ضربان : عبد للّه مخلصا وهو المقصود في القرآن [بالنسبة إلى الأنبياء عليهم السلام ] ، كقوله تعالى : «وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ » ، ۲۲ و... وعبد للدنيا وأعراضها ... . ۲۳
«أقامته الخصاصة» عبّر عن الفقر الذي لم يسدّ بالخصاصة ، كما عبّر عنه بالخلّة ، قال تعالى : «وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ » ، ۲۴ وهو من خَصّ يخصُّ ، من باب علم يعلم ؛ أي افتقر ، وإذا كان من نصر ينصر يكون بمعنى التخصيص والتفضيل ، خصّه بالشيء أي فضّله به ، وخصّه بالودّ أي أحبّه دون غيره ، ضدّ عمّمه.
«بين يديك يقرع باب إحسانك» ، الإحسان يقال على وجهين : أحدهما : الإنعام على الغير ، يقال أحسن إلى فلان ، والثاني : إحسان في فعله ، وذلك إذا علم علما حسنا أو عمل عملاً حسنا ، وعلى هذا قول أمير المؤمنين عليه السلام : «الناس أبناء ما يحسنون» ، ۲۵ أي منسوبون إلى ما يعلمون وما يعملونه من الأفعال الحسنة ، قوله تعالى : «الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ » ، ۲۶ والإحسان أعمّ من الإنعام... فالإحسان فوق العدل ، وذاك أنّ العدل هو أن يعطي ما عليه ويأخذ ما له ، والإحسان أن يعطي أكثر ممّا عليه ويأخذ أقلّ ممّا له . ۲۷
«بدعائه» الدعاء كالنداء ، ويقال : ودعوته ؛ إذا سألته وإذا استغثته ، ادع ربّك ؛ أي سله ، ودعاه يدعوه دعاءً : رغب إليه واستعانه ، فالدعاء هو النداء ، ولكنّ الغرض مختلف ، فقد يكون للرغبة فيه والشوق إليه ، وقد يكون لسؤال شيء ، وقد يكون للاستعانة.
«فلا تعرض» أعرض عنه : أضرب وصدّ ، وحقيقته جعل الهمزة للصيرورة ، أي أخذت عرضا ، أي جانبا غير الجانب الذي هو فيه ، ۲۸ فإذا قيل أعرَضَ عنّي ؛ فمعناه ولّى مبديا عرضه ، قال : فأعرض عنهم ثمّ أعرض عنها... وربّما حُذفت عنه استغناءً عنه ، نحو «فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ » . ۲۹
«بوجهك الكريم عنّي» أصل الوجه الجارحة ، ولمّا كان الوجه أوّل ما يستقبلك وأشرف ما في ظاهر البدن ، استُعمل في مستقبل كلّ شيء وفي أشرفه ومبدئه ، فقيل : وجه كذا ووجه النهار ، وربّما عبّر عن الذات في قول اللّه : «وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِْكْرامِ » ، ۳۰ وقيل : أراد بالوجه هنا التوجّه إلى اللّه تعالى بالأعمال الصالحة... أو الوجه الذي يُؤتى منه وما أُريد به اللّه تعالى . ۳۱ والمراد هنا الجارحة ، والوجه الكريم : المرضي في حسنه وجماله ، والكريم صفة لكلّ ما يُرضى ويُحمد . «وأقبل منّي ما أقول» لك .
1.الخَصاصة : الفقر والحاجة إلى الشيء (النهاية : ج ۲ ص ۳۷) .
2.الصحيفة السجّادية : الدعاء ۲۵۱ .
3.النمل: ۱۴.
4.سبأ : ۱۵.
5.يوسف : ۴۲.
6.مفردات ألفاظ القرآن : ص ۱۸۴.
7.الزخرف : ۳۴ ـ ۳۶ .
8.اُنظر : مفردات ألفاظ القرآن : ص ۵۵۲ .
9.هود : ۱۲۳.
10.آل عمران : ۱۵۴ .
11.المؤمنون : ۱۴.
12.الفرقان : ۱ .
13.الاستئناس بالآية ۶۲ من سورة الحجّ.
14.النساء : ۳۴.
15.النحل : ۳.
16.مفردات ألفاظ القرآن : ص ۳۴۵.
17.المصدر السابق : ص ۳۴۵.
18.الصحيفة السجّادية: الدعاء ۱۲.
19.المصدر السابق : الدعاء ۴۶.
20.اُنظر : مفردات ألفاظ القرآن : ص ۶۴.
21.مريم: ۹۳.
22.ص : ۱۷.
23.مفردات ألفاظ القرآن : ص ۳۱۹.
24.الحشر : ۹.
25.الكافي : ج ۱ ص ۵۱ ، تحف العقول : ص ۲۰۸ ، الاختصاص : ص ۲ ، كنز الفوائد : ص ۱۴۷.
26.السجدة : ۷.
27.مفردات ألفاظ القرآن : ص ۱۱۹.
28.اُنظر: المصباح المنير: ص ۵۵ .
29.سبأ : ۱۶.
30.الرحمن : ۲۷.
31.اُنظر : مفردات ألفاظ القرآن : ص ۵۱۴ .