۰.وطَهِّرني مِنَ الذُّنوبِ كُلِّها «446 » وأجِرني مِنَ النّارِ بِعَفوِكَ«447 »وأدخِلنِي الجَنَّةَ بِرَحمَتِكَ«448 »وزَوِّجني مِنَ الحورِ العينِ بِفَضلِكَ «449 »وألحِقني بِأَولِيائِكَ الصّالِحينَ مُحَمَّدٍ وآلِهِ الأَبرارِ الطَّيِّبينَ الطّاهِرينَ الأَخيارِ صَلَواتُكَ عَلَيهِم وعَلى أجسادِهِم وأرواحِهِم ورَحمَةُ اللّه ِ وبَرَكاتُهُ«450 »
«طهّرني» الطهارة ضربان : طهارة جسم وطهارة نفس ، وحمل عليها عامّة الآيات ، قال : «وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ » ، ۱ أي التاركين للذنب والعاملين للصلاح ، وقال : «لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ » ، ۲ أي لا يبلغ حقائق معرفته إلّا من طهّر نفسه وتنقّي من درن الفساد.
يطلب من اللّه سبحانه أن يطهّره من الذنوب بأن يوفّقه لترك الذنوب أو للتوبة عن الذنوب أو للإصلاح بعد التوبة ، وفي الصحيفة : «وأن نتقرّب إليك فيه ـ أي في شهر رمضان ـ من الأعمال الزاكية بما تطهّرنا به من الذنوب ، وتعصمنا فيه ممّا نستأنف من العيوب» ، ۳ و«واحطط بالقرآن عنّا ثقل الأوزار... حتّى تطهّرنا من كلّ دنس بتطهيره...» ، ۴ و«وطهّرني من دنس ما أسلفت» ، ۵ و«طهرّني بالتوبة» ، ۶ في هذه الجملات ذكر التطهير بالتوبة حتّى يتخلّص عن العذاب الأُخروي والتطهير عن دنس المعاصي العارضة بارتكابها ، ويعبّر عنها بالآثار الوضعية التي تعرّض المرتكب في جسمه ونفسه ، وكما تعرّض لتحقيقه العلّامة الطباطبائي في الميزان ، ۷ والتطهير بالعصمة عن ارتكابها ، ولأجل الطهارة عن هذه الأدناس والأرجاس قيّدت التوبة في كثير من الآيات المباركات بذكر الأعمال الصالحة ، قال سبحانه : «فَمَنْ تابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ » ، ۸ و «أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ » ، ۹ وفي الحديث : «وقال عليه السلام ـ لقائلٍ بحضرته أستغفر اللّه ـ : ثكلتك أُمّك . أتدري ما الاستغفار؟ الاستغفار درجة العليّين ، وهو اسم واقع على ستّة معان : أوّلها : الندم على ما مضى ، والثاني : العزم على ترك العود إليه أبدا ، والثالث : أن تؤدّي إلى المخلوقين حقوقهم حتّى تلقى اللّه أملس ليس عليك تبعة ، والرابع : أن تعمد إلى كلّ فريضة عليك ضيّعتها فتؤدّي حقّها ، والخامس : أن تعمد إلى اللحم الذي نبت على السُّحت فتذُيبه بالأحزان حتّى تلصق الجلد بالعظم وينشأ بينهما لحم جديد ، والسادس : أن تذيق الجسم ألم الطاعة ، كما أذقته حلاوة المعصية ، فعند ذلك تقول : أستغفر اللّه » . ۱۰
«من الذنوب» قال الراغب : «والذنب في الأصل الأخذ بذنب الشيء ، يقال : ذنبته ؛ أصبت ذنبه ، ويستعمل في كلّ فعل يستوخم عقباه اعتبارا بذنب الشيء ، ولهذا يسمّى الذنب تبعة اعتبارا لما يحصل من عاقبته» . ۱۱
«كلّها» أي صغيرها وكبيرها .
«وأجرني» الجار من يقرب مسكنه منك ، ولمّا استعظم حقّ الجار عقلاً وشرعا عبّر عن كلّ من يعظم حقّه أو يستعظم حقّ غيره بالجار ، يقال : استجرته فأجارني ، وعلى هذا قوله تعالى : «وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ » ، ۱۲ وأجاره اللّه من العذاب إجارةً : أنقذه ، وأجار فلانا : أعاذه وأغاثه . فالمعنى : أنقذني وأجرني.
«من النار بعفوك» أي نجّني بسبب عفوك عن ذنوبي من نار الجحيم التي أُعدّت للعاصين.
«وأدخلّني الجنّة» وهي كلّ بستان ذي شجر يستر بأشجاره الأرض ، وسُمّيت الجنّة إمّا تشبيها بالجنّة في الأرض وإن كان بينهما بون ، وإمّا لستره نعمها عنّا المشار إليها بقوله تعالى : «فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ » ، ۱۳ قال ابن عبّاس رضى الله عنه : إنّما قال جنّات بلفظ الجمع ؛ لكون الجنان سبعا : جنّة الفردوس ، وعدن ، وجنّة النعيم ، ودار الخلد ، وجنّة المأوى ، ودار السلام ، وعلّيّين . ۱۴
«برحمتك» أي سبب دخول الجنّة هو رحمة اللّه تعالى لا الأعمال ؛ لأنّ كلّ ذلك فضل منه تعالى كما تقدّم.
«وزوّجني من الحور العين» من نعم الجنّة هو الأزواج المطهّرة ، قال سبحانه : «وَلَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ »۱۵ من الأقذار والأرجاس ، وعن أبي بصير ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في قول اللّه : «لَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ » ، قال : «لا يحضن ولا يحدثن» ، ۱۶ وعن جميل بن درّاج ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال : «إنّ أهل الجنّة ما يتلذّذون بشيء في الجنّة أشهى عندهم من النكاح ، لا طعام ولا شراب» ، ۱۷ ومقتضى إطلاق الآية كونها مطهّرات من القذرات المادّية والمعنوية ، وقال تعالى : «كَذلِكَ وَزَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ » ، ۱۸ و «مُتَّكِئِينَ عَلى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ » ، ۱۹ و «حُورٌ مَقْصُوراتٌ فِي الْخِيامِ » ، ۲۰ و «وَحُورٌ عِينٌ كَأَمْثالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ » . ۲۱
وفي الخصال عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال : «أربعة أوتوا سمع الخلائق : النبيّ صلى الله عليه و آله ، والحور العين ، والجنّة والنار ، فما من عبد يصلّي على النبي صلى الله عليه و آله ويسلّم عليه إلّا بلغه ذلك وسمعه ، وما من أحد قال: اللّهمّ زوّجني من الحور العين إلّا سمعنه وقلن : ياربّنا ، إنّ فلانا خطبني إليك فزوّجنا منه» ، الحديث . ۲۲
وحوّرت العين : اشتدّ بياض بياضها وسواد سوادها ، والحور العين : الحور جمع حوراء بالفتح والمدّ ، وهي شديدة بياض العين في شدّة سوادها.
«بفضلك» ؛ لأنّ الأجر للأعمال الصالحة كلّها فضل من اللّه تعالى من دون استحقاق للعبد ، وقد تقدّم بيان ذلك.
«وألحقني بأوليائك الصالحين» الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ، قال سبحانه ـ حاكيا عن نبيّه الصدّيق يوسف على نبيّنا وآله وعليه السلام ـ : «تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصّالِحِينَ » ، ۲۳ وقال تعالى ـ حاكيا عن نبيّه إبراهيم على نبيّنا وآله وعليه السلام ـ : «رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِالصّالِحِينَ » ، ۲۴ سأل سلام اللّه عليه الدخول في زمرة أوليائه في الآخرة ، كما سأله تعالى وإبراهيم عليهماالسلاماللحوق بالصالحين ، قال عزّ شأنه : «وَمَنْ يُطِعِ اللّه َ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّه ُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً * ذلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللّه ِ وَكَفى بِاللّه ِ عَلِيماً » ، ۲۵ فاللّحوق بهم يتحقّق مع طاعة اللّه ورسوله.
«محمّد وآله» بيان للأولياء الصالحين ، أي ألحقني بمحمّد وآله ، ولعلّ المراد من الإلحاق هو توفيقهم بالصالحات والمجاهدات حتّى يبلغوا إلى درجتهم ، ويحتمل أن يكون المراد من الإلحاق هو التفضّل من اللّه تعالى بأن يبلغهم إلى درجة هؤلاء وإن قصرت أعمالهم ، كما قال سبحانه : «وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ » . ۲۶
قال الأُستاذ في تفسير الآية : «قيل : الفرق بين الاتّباع واللحوق مع اعتبار التقدّم والتأخّر فيهما جميعا ، أنّه يعتبر في الاتّباع اشتراك بين التابع والمتبوع في مورد الاتّباع ، بخلاف اللحوق ، فاللّاحق لا يشارك الملحوق فيما لحق به فيه... وظاهر الآية ، أنّها في مقام الامتنان ، فهو سبحانه يمتن على الذين آمنوا أنّه سيلحق بهم ذرّيتهم الذين اتّبعوهم بإيمان ، فتقرّ بذلك أعينهم ، وهذا هو القرينة على أنّ التنوين في (إيمان) للتنكير دون التعظيم ، والمعنى : اتّبعوهم بنوعٍ من الإيمان ، وإن قصر عن درجة إيمان آبائهم ، إذ لا امتنان لو كان إيمانهم أكمل من إيمان آبائهم أو مساويا له... يمتن تعالى فيه على الذين آمنوا بأنّه سيلحق بهم أولادهم الذين اتّبعوهم بنوعٍ من الإيمان ، وإن كان قاصرا عن درجة إيمانهم ؛ لتقرّ به أعينهم ، ولا ينقص مع ذلك من ثواب أعمال الآباء بالإلحاق شيء ، بل يؤتيهم مثل ما آتاهم أو بنحو لا تزاحم فيه على ما هو أعلم به...» . ۲۷
وفي الكافي بإسناده عن أبي بكر ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في قول اللّه عزّ وجلّ : «وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ »۲۸ قال : فقال «قصرت الأبناء عن عمل الآباء فألحقوا الأبناء بالآباء لتقرّ بذلك أعينهم» ، ۲۹ ورواه في التوحيد بإسناده عن أبي بكر الحضرمي . ۳۰
أقول : وليس ذلك شفاعة ، بل تكريم من اللّه للمؤمن ؛ ليكمل له العيش الطيّب الذي وعده اللّه للمؤمن ، وكذلك الإلحاق بمحمّد وآله صلى الله عليه و آله يجمع اللّه بذلك شمل رسول اللّه صلى الله عليه و آله وأهل بيته عليهم السلام .
وعن أبي جعفر عليه السلام في حديث : «... واللّه لو أحبّنا حجر حشره اللّه معنا ، وهل الدّين إلّا الحبّ» . ۳۱
الآل : قيل : مقلوب من الأهل ، ويصغّر على أُهيل ، وعن بعض أهل الكمال أنّ آل النبيّ صلى الله عليه و آله كلّ من يؤول إليه ، وهم قسمان :
الأوّل : من يؤول إليه مآلاً صوريّا جسمانيّا كأولاده صلى الله عليه و آله ومن يحذو حذوهم من أقاربه الصوريين الّذين يحرم عليهم الصدقة في الشريعة المحمّدية .
والثاني : من يؤول إليه صلى الله عليه و آله معنويّا روحيّا ، وهم أولاده الروحانيّون من العلماء الراسخين والأولياء الكاملين... .
أقول : وإلى ذلك يشير ما رواه الراغب في المفردات عن الصادق عليه السلام ، قال : «وقيل لجعفر الصادق رضى الله عنه : الناس يقولون : المسلمون كلّهم آل النبيّ عليه الصلاة والسلام ، فقال : كذبوا وصدقوا ، فقيل له : ما معنى ذلك؟ فقال : كذبوا في أنّ الأُمّة كافّتهم آله وصدقوا في أنّهم إذا قاموا بشرائط شريعته آله» ، ۳۲ ولعلّه إلى ذلك يشير قوله تعالى ـ حاكيا عن إبراهيم على نبيّنا وآله وعليه السلام ـ : «فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي » . ۳۳
وفي الحديث عن أبي عبيدة ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال : «من أحبّنا فهو منّا أهل البيت ، فقلت : جعلت فداك ، منكم؟ قال : منّا واللّه ، أما سمعت قول اللّه وهو قول إبراهيم عليه السلام : «فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي » ؟» . ۳۴
وعن محمّد الحلبي ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال : «من اتّقى اللّه منكم وأصلح فهو منّا أهل البيت ، قال : منكم أهل البيت؟ قال : منّا أهل البيت ، قال فيها إبراهيم : «فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي » ، قال عمر بن يزيد : قلت له : من آل محمّد؟ قال : اِي واللّه من آل محمّد ، اِي واللّه من أنفسهم ، أما تسمع قول اللّه تعالى : «إِنَّ أَوْلَى النّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ » ، ۳۵ وقول إبراهيم : «فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي » ؟» .
فيه : عن عمّار بن موسى قال : «كنت عند أبي عبد اللّه عليه السلام فقال رجل : اللّهمّ صلّ على محمّد وأهل بيت محمّد ، فقال له أبو عبد اللّه عليه السلام : يا هذا قد ضيّقت علينا ، أما علمت أنّ أهل البيت خمس أصحاب الكساء؟ فقال الرجل : كيف أقول؟ قال : قل : اللّهمّ صلّ على محمّد ، وآل محمّد فنكون نحن وشيعتنا قد دخلنا فيه» . ۳۶
«الأبرار» جمع البرّ ، من بَرَّ أي ؛ أحسن الطاعة ، وبرّ والده من باب نصر وضرب ؛ أي أحسن الطاعة إليه ، ورفق به وتحرّى محابّه ، وتوقّي مكارهه ؛ فهو برّ به وبارّ ، قال الراغب : «البرّ خلاف البحر ، وتصوّر منه التوسّع فاشتقّ منه البرّ ، أي التوسّع في فعل الخير ، وينسب ذلك إلى اللّه تعالى تارةً نحو : «إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ » ، ۳۷ وإلى العبد تارةً ، فيقال : برّ العبد ربّه ؛ أي توسّع في طاعته ، فمن اللّه تعالى الثواب ومن العبد الطاعة ، وذلك ضربان : ضرب في الاعتقاد وضرب في الأعمال ...» ۳۸ .
«الطيّبين» أصل الطيّب ما تستلذّه الحواسّ وما تستلذّه النفس ، والطيّب من الإنسان من تعرّى من نجاسة الجهل والفسق وقبائح الأعمال وتحلّي بالعلم والإيمان ومحاسن الأعمال ، ۳۹ وإيّاهم قصد بقوله : «الَّذِينَ تَتَوَفّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ » ، ۴۰ وقال : «طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ » . ۴۱
«الطاهرين» الطهارة ضربان : طهارة جسم ، وطهارة نفس ، وحمل عليها عامّة الآيات : «وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ » ، ۴۲ أي التاركين للذنب ، و «لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ » ، ۴۳ أي إنّه لا يبلغ حقائق معرفته إلّا من طهّر نفسه وتنقّى من درن الفساد . ۴۴
هم الطيّبون لا المتطيّبون ، وهم الطاهرون لا المتطهّرون ؛ لأنّهم طهّرهم اللّه تعالى من الأرجاس والأنجاس والأقذار ، ولأجل ذلك جاء الفعل في «لَا يَمَسُّهُ إِلَا الْمُطَهَّرُونَ» مجهولاً ، أي طهّرهم اللّه تعالى ، وحذف الفاعل تعظيما ، والمطهّرون ـ اسم مفعول من التطهير ـ هم الذين طهّر اللّه تعالى نفوسهم من أرجاس المعاصي وقذارات الذنوب ، أو ممّا هو أعظم من ذلك وأدقّ ، وهو تطهير قلوبهم من التعلّق بغيره تعالى ، وهذا المعنى من التطهير هو المناسب للمسّ الذي هو العلم دون الطهارة من الخبث أو الحدث ، كما هو ظاهر ، فالمطهّرون هم الذين أكرمهم اللّه تعالى بتطهير نفوسهم كالملائكة الكرام والذين طهّرهم اللّه من البشر ، قال تعالى : «إِنَّما يُرِيدُ اللّه ُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً » . ۴۵
فالمراد أن يلحقهم اللّه تعالى بآله المطهّرين المعصومين عليهم السلام الأخيار ، وجدان كلّ شيء على كمالاته اللّائقة ، وقيل : حصول الشيء لما من شأنه أن يكون حاصلاً له ، أي يناسبه ويليق به ، والجمع الأخيار ، قال الراغب : «الخير ما يرغب فيه الكلّ ، كالعقل مثلاً والعدل والفضل والشيء النافع ، وضدّه الشرّ ، قيل : والخير ضربان : خير مطلق وهو أن يكون مرغوبا فيه بكلّ حال وعند كلّ أحد كما وصف عليه السلام به الجنّة ، وخير وشرّ مقيّدان وهو أن يكون خيرا لواحد شرّا لآخر كالمال ...» ۴۶ إلخ ، والأخيار خلاف الأشرار.
«صلواتك عليهم» قال الراغب : «والصلاة ، قال كثير من أهل اللّغة : هي الدعاء والتبريك والتمجيد ، يقال : صلّيت عليه ؛ أي دعوت له... وصلوات الرسول وصلاة اللّه للمسلمين هو في التحقيق تزكيته إيّاهم . وقال : «أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ » ، ۴۷ ومن الملائكة هي الدعاء والاستغفار كما هي من الناس» ، ۴۸ قال عزّ شأنه : «هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً » ، ۴۹ قال الأُستاذ : «المعنى الجامع للصلاة على ما يستفاد من موارد استعمالها هو الانعطاف ، فيختلف باختلاف ما نسب إليه ، ولذلك قيل : إنّ الصلاة من اللّه الرحمة ومن الملائكة الاستغفار ومن الناس الدعاء ، لكنّ الذي نسب من الصلاة إلى اللّه سبحانه في القرآن هو الصلاة بمعنى الرحمة الخاصّة بالمؤمنين ، وهي الّتي تترتّب عليها سعادة العقبى والفلاح المؤبّد ، ولذلك علّل تصلية عليهم بقوله : «ليُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً » ،» ۵۰ إلى آخر ما ذكره قدس سرّه .
«وعلى أجسادهم وأرواحهم» تأكيد تفصيل وتأكيد للجملة الأُولى ، وصلاة اللّه على أجسادهم هي العافية فيها ، كما في الدعاء : «وعاف فيها جسدي» ، ۵۱
وهي دفع البلايا والعاهات والانتقام عنها أو صرفها عن ارتكاب الجرائم والمعاصي ، وفي الحديث : «إنّ للّه تبارك وتعالى ضنائن ۵۲ من خلقه ، يغذوهم بنعمته ويحبوهم بعافيته ، ويدخلهم الجنّة برحمته ، تمرّ بهم البلايا والفتن مثل الرياح ما تضرّهم شيئا» ، ۵۳ كما أنّ صلاة اللّه تعالى على أرواحهم حفظها عن الأمراض الروحيّة والخصائص المذمومة والأرجاس والأنجاس والوساوس والشكوك والشبهات.
«ورحمة اللّه وبركاته» أي رحمة اللّه عليهم ، وهي من اللّه تعالى إنعام وإفضال ، ومن الآدميّين رقّة وتعطّف . وبركاته ؛ أي بركات اللّه عليهم ، وهي ثبوت الخير الإلهي في الشيء... ولمّا كان الخير الإلهي يصدر من حيث لا يحسّ وعلى وجهٍ لا يُحصر ولا يُحصى قيل لكلّ ما يشاهد منه زيادة غير محسوسة هو مبارك وفيه بركة ، ۵۴ قال سبحانه : «وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالأَْرْضِ » ، ۵۵ وقال تعالى : «رَحْمَتُ اللّه ِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ » ، ۵۶ والبركة : النماء والزيادة ، وقال ابن الأثير في حديث الصلاة على النبي صلى الله عليه و آله : «وبارك على محمّد وعلى آل محمّد ؛ أي أثبت وأدم ما أعطيته من التشريف والكرامة» . ۵۷
1.البقرة : ۲۲۲.
2.الواقعة : ۷۹ .
3.الصحيفة السجّادية : الدعاء ۴۴ .
4.المصدر السابق : الدعاء ۴۲ .
5.المصدر السابق : الدعاء ۱۵ .
6.المصدر السابق : الدعاء ۱۶ .
7.اُنظر : الميزان في تفسير القرآن : ج ۵ ص ۳۲۹ وما بعدها .
8.المائدة : ۳۹ .
9.الأنعام : ۵۴ .
10.نهج البلاغة : الحكمة ۴۱۷ ، روضة الواعظين : ص ۴۷۹ ، مكارم الأخلاق : ص ۳۱۴ ، اُنظر : بحار الأنوار : ج ۶ ص ۳۶ .
11.مفردات ألفاظ القرآن : ص ۱۸۱ .
12.الأنفال : ۴۸ .
13.السجدة : ۱۷ .
14.اُنظر : مفردات ألفاظ القرآن : ص ۹۸.
15.اُنظر البقرة : ۲۵ ، وآل عمران : ۱۵ ، والنساء : ۵۷ .
16.اُنظر : كتاب من لا يحضره الفقيه : ج ۱ ص ۸۹ ، تفسير العيّاشي : ج ۱ ص ۱۶۵ ، بحار الأنوار : ج ۸ ص ۱۳۹ .
17.الكافي : ج ۵ ص ۳۲۱ ، تفسير العيّاشي : ج ۱ ص ۱۶۴ ، بحار الأنوار : ج ۸ ص ۱۳۹ .
18.الدخان : ۵۴ .
19.الطور: ۲۰ .
20.الرحمن : ۷۲ .
21.الواقعة : ۲۲ ـ ۲۳ ، وللمزيد من الاطّلاع ، اُنظر : بحار الأنوار : ج ۱۴ ص ۴۶ ، وج ۱۰ ص ۱۸۷ ، وج ۸۶ ص ۳۷ ، وج ۶۰ ص ۲۵۷ ، وج ۸ ص ۱۲۱ ـ ۱۳۴ و۱۹۸ ، وج ۷۷ ، ص ۸۲ ، كما في مستدرك السفينة : ج ۲ في «حور» ، و نور الثقلين : ج ۴ ص ۶۳۱ في تفسير سورة الدخان .
22.الخصال : ص ۲۰۲ ، بحار الأنوار : ج ۸۳ ص ۳۴ ، نور الثقلين : ج ۴ ص ۶۳۲ .
23.يوسف : ۱۰۱.
24.الشعراء : ۸۳ .
25.النساء : ۶۹ ـ ۷۰ .
26.الطور : ۲۱ .
27.الميزان في تفسير القرآن : ج ۱۹ ص ۱۲ و ۱۳ .
28.الطور: ۲۲ .
29.الكافي : ج ۳ ص ۲۴۹ ، كتاب من لا يحضره الفقيه ، ج ۳ ص ۴۹۰ ، الفصول المهمة في اُصول الأئمة : ج ۱ ص۲۸۰ ، اُنظر : بحار الأنوار : ج ۵ ص ۲۹۲ .
30.اُنظر : التوحيد : ص ۳۹۴ ، فيه : «قصرت الأبناء عن عمل الآباء ، فألحق اللّه عزّ وجلّ الأبناء بالآباء ليقرّ بذلك أعينهم».
31.بحار الأنوار : ج ۲۷ ص ۹۵ ، مستدرك الوسائل : ج ۱۲ ص ۲۱۹ .
32.مفردات ألفاظ القرآن : ص ۳۱ .
33.إبراهيم : ۳۶ .
34.تفسير العيّاشي : ج ۲ ص ۲۳۱ .
35.آل عمران : ۶۸.
36.ثواب الأعمال : ص ۱۵۸ ، بحار الأنوار : ج ۹۱ ص ۵۹ .
37.الطور : ۲۸.
38.مفردات ألفاظ القرآن : ص ۴۰.
39.اُنظر : بحار الأنوار : ج ۷۱ ص ۳۴۳.
40.النحل : ۳۲.
41.الزمر : ۷۲.
42.البقرة : ۲۲۲.
43.الواقعة : ۷۹.
44.اُنظر : مفردات ألفاظ القرآن : ص ۳۰۸.
45.الأحزاب : ۳۳ ، اُنظر : الميزان في تفسير القرآن : ج ۱۹ ص ۱۲۷.
46.مفردات ألفاظ القرآن : ص ۱۶۰.
47.البقرة : ۱۵۷.
48.اُنظر : مفردات ألفاظ القرآن : ص ۲۸۵.
49.الأحزاب : ۴۳.
50.الميزان في تفسير القرآن : ج ۱۶ ص ۳۲۹ .
51.الصحيفة السجادية : الدعاء ۵۴.
52.الضنائن : جمع ضن وهو المخصوص بالمحبّة ، «النهاية : ج ۳ ص ۱۰۴».
53.الكافي : ج ۲ ص ۴۶۲ ، قرب الإسناد : ص ۲۵ ، اُنظر : بحار الأنوار : ج ۷۸ ص ۱۸۲ .
54.اُنظر : مفردات ألفاظ القرآن : ص ۴۴.
55.الأعراف : ۹۶.
56.هود : ۷۳ .
57.النهاية : ج ۱ ص ۱۲۰ .