291
شرح دعاء أبي حمزة الثمالي

شرح دعاء أبي حمزة الثمالي
290

۰.إلهي ، إن أدخَلتَنِي النّارَ فَفي ذلِكَ سُرورُ عَدُوِّكَ «456 » وإن أدخَلتَنِي الجَنَّةَ فَفي ذلِكَ سُرورُ نَبِيِّكَ «457 »وأنَا وَاللّه ِ أعلَمُ أنَّ سُرورَ نَبِيِّكَ أحَبُّ إلَيكَ مِن سُرورِ عَدُوِّكَ «458 »اللّهُمَّ إنّي أسأَلُكَ أن تَملَأَ قَلبي حُبّا لَكَ وخَشيَةً مِنكَ وتَصديقا لَكَ وإيمانا بِكَ وفَرَقا مِنكَ وشَوقا إلَيكَ ، يا ذَا الجَلالِ وَالإِكرامِ «459 » حَبِّب إلَيَ لِقاءَكَ وأحبِب لِقائي «460 » وَاجعَل لي في لِقائِكَ الرّاحَةَ وَالفَرَجَ وَالكَرامَةَ «461 »

«إن أدخلتنيالنار» بآثامي وجرائمي «ففي ذلك سرور» السرور ما ينكتم من الفرح ، قال تعالى : «وَلَقّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً » . ۱
«عدوّك» وهو الشيطان الغاوي للإنسان الذي قال : «أَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ * قالَ فَبِما أَغْوَيْتَنِي لأََقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لَاتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ » . ۲
«وإن أدخلتني الجنّة ففي ذلك سرور نبيّك» ، كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله حريصا على المؤمنين ومسرورا بهدايتهم ، قال عزّ شأنه : «لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ » ، ۳ وقال تعالى : «فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللّه ِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ » ، ۴ وقال سبحانه : «لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً » ، ۵ وقال عزّ وجلّ : «وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمّا يَمْكُرُونَ » . ۶
«وأنا واللّه أعلم أن سرور نبيّك أحبّ إليك من سرور عدوّك» ، وليس المراد هنا من كلمة «أحبّ» التفضيل ؛ لأنّ سرور إبليس ليس محبوبا حتّى يكون سرور النبي صلى الله عليه و آله أحبّ منه ، كما في الحديث : «أفطرُ يوما من شهر رمضان أحبّ إليّ من أن يُضرب عنقي» ، ۷ أو «إفطاري يوما وقضاؤه أيسر من أن يضرب عنقي» ، ۸ وقال تعالى : «قُلْ ما عِنْدَ اللّه ِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ » ، ۹ وهذا في الاستعمالات كثير.
«اللّهمّ إنّي أسألك أن تملأ» من ملأه يملأه ؛ أي شحنه.
«قلبي» القلب : الفؤاد ، وقيل : أخصّ منه ، وهو عضو صنوبريّ الشكل مودع في الجانب الأيسر من الصدر (غالبا) ، في باطنه تجويف فيه دم أسود ، وقد يُطلق على العقل ، منه : «إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ »۱۰ أي عقل جمع قلوب . ۱۱
قال الراغب : «ويعبّر به عن المعاني الّتي تختصّ به من الروح والعلم والشجاعة وغير ذلك ، وقوله : «وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ »۱۲ أي الأرواح ، وقال : «إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ »۱۳ أي علم وفهم ...» . ۱۴
أقول : نسب في القرآن الكريم الأوصاف الحسنة أو السيّئة إلى القلب : السلامة والغلظة والطبع والإنابة والإثم والاطمئنان والغفلة والمرض والختم والهداية والرعب والفقه والزيغ والتقوى والتعقّل والعمى والتقلّب والاشمئزاز والقفل والسكينة والرأفة والرحمة والوجف والقسوة والألفة والإيمان والكفر والحبّ والبغض والربط والنيّات (الخير والشرّ) والعمد والطهارة والغلف والغلّ والأكنّة والتشابه والحسرة والوجل والغيظ والريب والنفاق والتقطّع والصرف والإنكار واللّهو والخبت والغمرة والفزع واللّين والحميّة والخشوع ... إلخ .
وقد أطال الفكر في المقام العلّامة الأُستاذ الطباطبائي في الميزان ، ولا بأس بنقل كلامه باختصار ، قال (رضوان اللّه عليه) في تفسير قوله تعالى : «لكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ »۱۵ : «وهذا من الشواهد على أنّ المراد بالقلب هو الإنسان بمعنى النفس والروح ، فإنّ التعقّل والتفكّر والحبّ والبغض والخوف وأمثال ذلك ، وإن أمكن أن ينسبه أحد إلى القلب باعتقاد أنّه العضو المدرك في البدن على ما ربّما يعتقده العامّة ، كما يُنسب السمع إلى الأُذن والإبصار إلى العين والذوق إلى اللّسان ، لكنّ الكسب والاكتساب ممّا لا يُنسب إلّا إلى الإنسان ألبتة ، ونظير هذه الآية قوله تعالى : «فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ » ، ۱۶ وقوله تعالى : «وَجاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ » . ۱۷
والظاهر أنّ الإنسان لمّا شاهد نفسه وسائر أصناف الحيوان وتأمّل فيها ، ورأى أنّ الشعور والإدراك قد تبطل ، والحياة باقية بحركة القلب دون العكس ، قطع بأنّ مبدأ الحياة هو القلب ، أي أنّ الروح التي يعتقدها في الحيوان أوّل تعلّقها بالقلب ، وأنّ الآثار والخواصّ الروحية مثل الشعور والإدراك والإرادة والحبّ والبغض والرجاء والخوف وأمثال ذلك للقلب بعناية أنّه أوّل متعلّق الروح ، وهذا لا ينافي كون كلّ عضو من الأعضاء مبدأ لفعله الذي يختصّ به ، كالدماغ للفكر والعين للإبصار.
وربّما يؤيّده التجارب العلمية أنّ الطيور لا تموت بفقد الدماغ ، ويؤيّده أيضا أنّ الأبحاث الطبيعية لم توفّق حتّى اليوم لتشخيص المصدر الذي يصدر عنه الإحكام البدنية... فهذا ـ على ما يظهر ـ هو السبب في إسنادهم الإدراك والشعور وما لا يخلو عن شوب إدراك مثل الحبّ والبغض والرجاء والخوف والقصد والحسد والعفّة والشجاعة والجرأة ونحو ذلك إلى القلب ، ومرادهم به الروح المتعلّقة بالبدن أو السارية فيه بواسطته ، فينسبونها إلى الروح... .
وفي القرآن شيء كثير من هذا الباب ، قال تعالى : «يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِْسْلامِ » ، ۱۸ وقال تعالى : «أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ » ، ۱۹ وقال تعالى : «وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ » ، ۲۰ وهو كناية عن ضيق الصدر ، وقال تعالى : «إِنَّ اللّه َ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ » ، ۲۱ وليس من البعيد أن تكون هذه الإطلاقات في كتابه تعالى إشارة إلى تحقيق هذا النظر وإن لم يتّضح كلّ الاتّضاح بعد ، وقد رجّح الشيخ أبو عليّ بن سينا كون الإدراك للقلب بمعنى أنّ دخالة الدماغ فيه دخالة الآلة ، فللقلب الإدراك وللدماغ الوساطة» ، انتهى بتلخيص منّا . ۲۲
أقول : ظاهر كلام الشيخ أبو علي أنّ للقلب الرئاسة ، بمعنى أنّه المصدر الذي يصدر منه الأحكام ، لا بمعنى أنّه أوّل متعلّق الروح كما تقدّم عن الأُستاذ قدس سره ، ويؤيّد كلام الشيخ أبو علي ظواهر الآيات الكريمة من الاستناد الحقيقي وتأكيده بقوله تعالى : «وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ » ، ۲۳ وأنّه سبحانه كما أنّه ينسب هذه الأوصاف إلى القلب ينسبها إلى الصدور بقوله : «عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ » ، ۲۴ وقوله : «شِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ » ، ۲۵
إلى غير ذلك من الآيات الكريمة .
ويومأ إليه ما في الأحاديث الشريفة : «في الإنسان مضغة إذا هي سلمت وصحّت سلم بها سائر الجسد» ، ۲۶ «وأعجب ما في الإنسان قلب ، وله موادّ من الحكمة» ، ۲۷ و«لقد علق بنياط هذا الإنسان بضعة وهي أعجب ، ما فيها وذلك القلب ، وله موادّ من الحكمة أضدادها» . ۲۸
نعم لم توفّق الأبحاث العلمية على كيفية الأمر إلى الآن ، ولعلّ اللّه يحدث بعد ذلك أمرا ، وقد تكلّم في ذلك العلّامة المجلسي رحمه اللهفي البحار ، ۲۹ قال : «اعلم إنّ معرفة القلب وحقيقته وصفاته ممّا خفي على أكثر الخلق ، ولم يبيّن أئمّتنا ذلك إلّا بكنايات وإشارات ، والأحوط لنا أن نكتفي من ذلك بما بيّنوه لنا من صلاحه وفساده ، وآفاته ودرجاته ، ونسعي في تكميل هذه الخلقة العجيبة واللّطيفة الرّبانيّة ، وتهذيبها عن الصفات الذميمة الشيطانيّة ، وتحليتها بالأخلاق الملكية الروحانيّة ؛ لنستعدّ بذلك للعروج إلى أعلى مدارج الكمال ، وإفاضة المعارف من حضرة ذي الجلال ، ولا يتوقّف ذلك على معرفة حقيقة القلب ابتداءً ، فإنّه لو كان متوقّفا على ذلك لأوضح موالينا وأئمّتنا لنا ذلك بأوضح البيان ...» . ۳۰
«حبّا لك» أي لا يبقى مجال لحبّ غيرك . وقد تقدّم الكلام في حبّ اللّه تعالى ، فإذا امتلأ قلب الإنسان بحبّه تعالى فيحبّ للّه ويبغض للّه تعالى ، وفي الحديث عن أبي عبد اللّه عليه السلام : «إنّ من أوثق عرى الإيمان أن تحبّ في اللّه وتبغض في اللّه وتعطي في اللّه وتمنع في اللّه عزّ وجلّ» ، ۳۱ بحار الأنوار : ج 66 ص 236 . وفيه عنه عليه السلام قال : «وهل الإيمان إلّا الحبّ والبغض؟ ثمّ تلا هذه الآية : «حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِْيمانَ »۳۲ » الآية ، ۳۳ وفيه عن أبي جعفر عليه السلام : «إذا أردت أن تعلم أنّ فيك خيرا فانظر إلى قلبك ، فإن كان يحبّ أهل طاعة اللّه (عزّ وجلّ) ويبغض أهل معصيته ، ففيك خير واللّه يحبّك ، وإذا كان يبغض أهل طاعة اللّه ويحبّ أهل معصيته ، ليس فيك خير واللّه يبغضك ، والمرء مع من أحبّ» . ۳۴
«وخشية منك» الخشية : خوف يشوبه تعظيم ، وأكثر ما يكون ذلك عن علم بما يخشى منه ، ولذلك خصّ العلماء بها في قوله : «إِنَّما يَخْشَى اللّه َ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ » ، ۳۵ وعن الكلّيات : «الخشية أشدّ من الخوف ؛ لأنّها مأخوذة من قولهم : شجرة خاشية أي يابسة ، وهو فوات بالكلّية ، والخوف : النقص ، من قولهم ناقة خوفاء ؛ أي بها داء ليس بفوات ، والخشية تكون من عظم المخشي ، والخوف يكون من ضعف الخائف» . ۳۶ أي أسألك أن تملأ قلبي خشيةً منك حتّى لا أتجرّأ على نيّة المعصية وإرادة المخالفة ، وحتّى لا أخشى غيرك.
«وتصديقا بكتابك» من صدّقت فلانا ؛ أي نسبته إلى الصدق ، ضدّ كذبت ، أي تملأ قلبي تصديقا بكتابك لا تدع مجالاً للشكّ والارتياب ولوساوس الشيطان الرجيم ، اعتقادا وعملاً.
«وإيمانا بك» الإيمان : التصديق مطلقا ، ونقيض الكفر ، وهو إذعان النفس للحقّ على سبيل التصديق ، وذلك باجتماع ثلاثة أشياء : تحقيق بالقلب ، وإقرار باللّسان ، و عمل بحسب ذلك بالجوارح ، وقد يقال لكلّ واحد من الاعتقاد والقول الصدق والعمل الصالح إيمان . ۳۷
وقال السيّد رحمه الله في شرح قوله عليه السلام «وبلّغ بإيماني أكمل الإيمان» ۳۸ : «الإيمان إفعال من الأمن الذي هو خلاف الخوف ، ثمّ استُعمل بمعنى التصديق ، فالهمزة فيه إمّا للصيرورة ، كأنّ المصدّق صار ذا أمن من أن يكون مكذّبا ، أو للتّعدية ، كأنّه جعل المصدّق آمنا من التكذيب والمخالفة ، ويعدّي بالباء لاعتبار معنى الإقرار والاعتراف ، نحو «يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ » ، ۳۹ وباللّام لاعتبار معنى الإذعان ، نحو : «وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا » ، ۴۰ هذا معناه اللّغوي ، (ثمّ أشار إلى معناه في الشرع) » ، ۴۱ منها ما نقلناه عن الراغب وورد به الأخبار الكثيرة المركّب من عمل القلب واللّسان وسائر الجوارح . والمراد : املأ قلبي إيمانا بك حتّى لا يبقى مجال للشكوك والشبهات الشيطانيّة والأقوال الانحرافيّة والأعمال الطالحة والمعاصي والآثام.
«وفرقا منك» الفرق من فَرِق يفرق من باب علم يعلم : فزع ، قال الراغب : «والفرق تفرّق القلب من الخوف ، واستعمال الفرق فيه كاستعمال الصدع والشقّ فيه ، قال : «وَلكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ » » . ۴۲ أي إملأ قلبي خوفا شديدا منك حتّى لا أجترأ على العصيان والتجرّم.
«وشوقا إليك» شاقني الحبّ إليك أي هاجني ، والشوق : نزوع النفس وحركة الهوى ، الجمع أشواق أي أشتاق إلى طاعتك والإتيان بما تحبّ ، وأشتاق إلى لقائك ، وفي الدعاء : «واجعل فيما عندك رغبتي شوقا إلى لقائك» ، ۴۳ و«حتّى أعمل الحسنات شوقا» ، ۴۴ يعني إنّي أسألك أن تملأ قلبي إليك.
«ياذا الجلال والإكرام» مرّ معنى الجلال ، والمراد : ياذا العظمة والإكرام والإنعام والإفضال على أوليائه من الأنبياء والرسل وتابعيهم ، يعني ياذا العظمة ، ويامن هو ذو إكرام على أوليائه أكرمني بإعطاء ما سألتك . ۴۵
«حبّب إليّ» اجعله محبوبا «لقاءك» قال في المجمع : «وفي الحديث : من أحبّ لقاء اللّه احبّ اللّه لقاء ، ومن كره لقاء اللّه كره اللّه لقاءه ، ۴۶ قيل : المراد بلقاء اللّه المصير إلى دار الآخرة وطلب ما عند اللّه ، وليس الغرض الموت ؛ لأنّ كلّاً يكرهه ، فمن ترك الدنيا وأبغضها أحبّ لقاء اللّه ، ومن آثرها وركن إليها كره لقاء اللّه » ۴۷ ، انتهى .
كثر ذكر لقاء اللّه في القرآن الكريم ، وظاهر كلام العلّامة المجلسي أنّ المراد هو الموت ، ۴۸ وروى حديثا يدلّ على أنّ المراد البعث . ۴۹ وفي مستدرك سفينة البحار كلام لا بأس به في معنى لقاء اللّه تعالى فنورده هنا ، قال بعد نقله أحاديث منها ما في الأدعية الشعبانيّة : «هب لي كمال الانقطاع إليك ، وأنر أبصار قلوبنا بضياء نظرها إليك ، حتّى تخرق أبصار القلوب حجب النور ، فتصل إلى معدن العظمة وتصير أرواحنا معلّقة بعزّ قدسك» . ۵۰
أقول : وذاك الوصال عين لقاء اللّه تعالى به وزيارته سبحانه ورؤيته بالقلوب بحقيقة الإيمان لا بأبصار الظاهر ولا بأبصار القلوب ، رؤيةً ولقاءً وزيارةً ووصالاً منزّها عن المعلوقيّة والمعقوليّة والمدركيّة ؛ لأنّ كلّ ذلك باللّه تعالى لا بالحواسّ الظاهرة ولا بالحواسّ الباطنة ولا بالقوى البشرية ولا بالعقول والأفهام والعلوم ، وهو الحضور عند اللّه والانقطاع عن الخلق والتوجّه به إليه تعالى ، ورفع الحجب عن العبد مع حفظ العبودية ... . ۵۱
ولا ينافي ذلك أنّه قد يطلق على الموت وعلى البعث ؛ لأنّ هذه المراحل كلّها مراحل تجلّي اللّه تعالى على عباده على اختلاف العباد والتجلّي في مراتبه.
«وأحبب لقائي» أحبب بمعنى حبّ ، وأحبّه بمعنى حبّه ، غير أنّه أفشى استعمالاً وإذا أحبّ اللّه لقاء إنسان هيّأ له النزل والنعم والأسباب ورغّبه في اللقاء والموت وزهّده في الدنيا وسهّل له الموت ودفع عنه السكرات ، وفي الروايات : إنّ اللّه لا يقبض المؤمن ، بل يريه المقام المعدّ له في جواره ، فيميل قلب المؤمن إلى الارتحال إليه فيقبضه ملك الموت.
في الحديث عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «قلت له : أصلحك اللّه ، من أحبّ لقاء اللّه أحبّ اللّه لقاءه ، ومن أبغض لقاء اللّه أبغض اللّه لقاءه؟ قال : نعم ، قلت : فواللّه إنّا لنكره الموت ، فقال : ليس ذاك حيث تذهب ، إنّما ذلك عند المعاينة إذا رأى ما يحبّ فليس شيء أحبّ إليه من أن يتقدّم ، واللّه يحبّ لقاءه وهو يحبّ لقاء اللّه حينئذٍ ، وإذا ما يكره فليس شيء أبغض إليه من لقاء اللّه عزّ وجلّ ، واللّه عزّ وجلّ يبغض لقاءه» . ۵۲
وفيه عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «قال علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام : قال اللّه عزّ وجلّ : ما من شيء أتردّد عنه تردّدي عن قبض روح المؤمن ؛ يكره الموت وأنا أكره مساءته ، فإذا أحضره أجله الذي لا يؤخّر فيه بعثت إليه ريحانيتين من الجنّة تُسمّى أحداهما المسخية والأُخرى المنسيّة ، فأمّا المسخية فتسخيه عن ماله ، وأمّا المنسيّة فتنسيه أمر الدنيا» . ۵۳
هذا ، وأمّا أولياء اللّه فهم مأنوسون بالموت ، قال علي عليه السلام : «واللّه لابن أبي طالب آنس بالموت من الطفل بثدي اُمّه» ، ۵۴ وقال عليه السلام : «ولولا الآجال التي كتب اللّه عليهم لم تستقرّ أرواحهم في أبدانهم شوقا إلى الثواب وخوفا من العقاب» . ۵۵
ولا يكون ذلك إلّا باليقين والإيمان الكامل والزهد في الدنيا والعمل للآخرة ، واللّه هو الموفّق والمعين وهو الهادي إلى سواء السبيل.
«واجعل لي في لقائك الراحة» في الحديث عن أبي جعفر عليه السلام قال : «قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : الناس اثنان : واحد أراح وآخر استراح ، فأمّا الذي استراح فالمؤمن إذا مات استراح من الدنيا وبلائها ، وأمّا الذي أراح فالكافر إذا مات أراح الشجر والدوابّ وكثيرا من الناس» . ۵۶
والظاهر هنا الراحة بعد الموت عن ضغطة القبر وعذابه ، وفي ذلك روايات كثيرة في فضل اللّه تعالى على شيعة أهل البيت عليهم السلام ومحبّيهم.
«والفرج » من الهموم والغموم والضيق والعذاب.
«والكرامة» إكرام اللّه تعالى للمؤمنين ، كما قال سبحانه : «فَأَمّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ * وَأَمّا إِنْ كانَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ » ، ۵۷ وقال : «يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي » . ۵۸
يسأل اللّه سبحانه وتعالى أن يحبّب إليه لقاءه ، ويحبّ لقاءه ويجعل في لقائه الراحة و الفرج والكرامة.

1.الإنسان : ۱۱ ، اُنظر : مفردات ألفاظ القرآن : ص ۲۲۸ .

2.الأعراف : ۱۴ ـ ۱۷ .

3.التوبة : ۱۲۸ .

4.آل عمران : ۱۵۹ .

5.الكهف : ۶ .

6.النمل : ۷۰ .

7.الكافي : ج ۴ ص ۸۳ ، بحار الأنوار : ج ۴۷ ص ۲۱۰ .

8.الكافي : ج ۴ ص ۸۳ ، بحار الأنوار : ج ۴۷ ص ۲۱۰.

9.الجمعة : ۱۱ .

10.ق : ۳۷.

11.اُنظر : أقرب الموارد : ج ۴ ص ۳۹۴ .

12.الأحزاب : ۱۰.

13.ق : ۳۷.

14.مفردات ألفاظ القرآن : ص ۴۱۱ .

15.البقرة : ۲۲۵ .

16.البقرة : ۲۸۳ .

17.ق : ۳۳ .

18.الأنعام : ۱۲۵.

19.الحجر : ۹۷ .

20.الأحزاب : ۱۰ .

21.المائدة : ۷ .

22.الميزان في تفسير القرآن : ج ۲ ص ۲۲۴ ـ ۲۲۵.

23.الحج : ۴۶ .

24.آل عمران : ۱۱۹ ، و ۱۵۴ ، و المائدة : ۷ ، و الأنفال : ۴۲ ، و هود : ۵ ، و لقمان : ۲۳ ، و فاطر : ۳۸ ، و الزمر : ۱۹ ، و الشورى : ۲۴ ، و الحديد : ۶ ، و التغابن : ۴ ، و الملك : ۱۳ .

25.يونس : ۵۷ .

26.الخصال : ص ۳۱ ، روضة الواعظين : ص ۴۱۳ ، اُنظر : بحار الأنوار : ج ۶۷ ص ۵۰ .

27.نهج البلاغة : الحكمة ۱۰۸ ، الكافي : ج ۸ ص ۲۱ ، تحف العقول : ص ۹۵ ، الإرشاد : ج ۱ ص ۳۰۱ ، اُنظر : بحار الأنوار : ج ۵ ص ۵۶ .

28.نهج البلاغة : الحكمة ۱۰۸ ، بحار الأنوار : ج ۶۷ ص ۹۰ .

29.اُنظر : بحار الأنوار : ج ۶۷ ص ۳۴.

30.و بعد ذلك نقل الأقوال وكلمات المحققين ممّا لابدّ من مراجعته ، وفي ج ۶۱ و ۶۲ : «إنّ القلب يطلق في لسان الشرع في الآيات والأخبار على النفس الناطقة».

31.الكافي : ج ۲ ص ۱۲۵ ، المحاسن : ج ۱ ص ۲۶۳ ، الأمالي للصدوق : ص ۶۷۴ ، الأمالي للمفيد : ص ۱۵۱ ، تحف العقول : ص ۳۶۲ ، روضة الواعظين : ص ۴۱۷ ، انظر :

32.الحجرات : ۷ .

33.الكافي : ج ۲ ص ۱۲۵ ، المحاسن : ج ۱ ص ۲۶۲ ، اُنظر : بحار الأنوار : ج ۶۴ ص ۵۲ .

34.الكافي : ج ۲ ص ۱۲۶ ، علل الشرائع : ج ۱ ص ۱۱۷ ، اُنظر : بحار الأنوار : ج ۶۶ ص ۲۴۷.

35.فاطر : ۲۸ ، اُنظر : مفردات ألفاظ القرآن : ص ۱۴۹ .

36.الكليّات : ص ۴۲۸ .

37.اُنظر : مفردات ألفاظ القرآن : ص ۲۶.

38.المصدر السابق : الدعاء ۲۰ .

39.البقرة : ۳ .

40.يوسف : ۱۷ .

41.رياض المسائل : ج ۳ ص ۲۶۶ و ۲۶۷ ، وما بعدها نقل السيّد الأقوال والأخبار.

42.التوبة : ۵۶ ، اُنظر : مفردات ألفاظ القرآن : ص ۳۷۸.

43.الصحيفة السجّادية : الدعاء ۵۴ .

44.الصحيفة السجّادية : الدعاء ۲۲ .

45.للعلّامة الاُستاذ قدس سره كلام ، اُنظر : الميزان في تفسير القرآن : ج ۱۹ ص ۱۱۴ و ۱۱۵ .

46.الكافي : ج ۳ ص ۱۳۴ .

47.مجمع البحرين : ج ۴ ص ۱۳۶ .

48.انظر : بحار الأنوار : ج ۶ ص ۱۲۴ و ما بعدها .

49.اُنظر : بحار الأنوار : ج ۹۳ ص ۱۰۴ و ۱۱۵ و ۱۳۹ .

50.اُنظر : الإقبال : ج ۳ ص ۲۹۹ .

51.مستدرك سفينة البحار : ج ۱۰ ص ۳۲۹ .

52.الكافي : ج ۳ ص ۱۳۴ ، معاني الأخبار : ص ۲۳۶ ، الزهد للكوفي : ص ۸۳ ، اُنظر : بحار الأنوار : ج ۶ ص ۱۲۹.

53.الأمالي للطوسي : ص ۴۱۴ ، بحار الأنوار : ج ۶ ص ۱۵۲ .

54.نهج البلاغة : الخطبة ۵ .

55.نهج البلاغة : الخطبة ۱۹۳ .

56.الخصال : ص ۳۹ ، بحار الأنوار : ج ۶ ص ۱۵۱ .

57.الواقعة : ۸۸ ـ ۹۱ .

58.الفجر : ۲۷ ـ ۳۰ .

  • نام منبع :
    شرح دعاء أبي حمزة الثمالي
    سایر پدیدآورندگان :
    هوشمند، مهدي
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    سازمان چاپ و نشر دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 472518
صفحه از 464
پرینت  ارسال به