345
شرح دعاء أبي حمزة الثمالي

۰.اللّهُمَّ إنَّكَ أنزَلتَ في كِتابِكَ أن نَعفُوَ عَمَّن ظَلَمَنا «492 » وقَد ظَلَمنا أنفُسَنا«493 » فَاعفُ عَنّا فَإِنَّكَ أولى بِذلِكَ مِنّا «494 »وأمَرتَنا ألّا نَرُدَّ سائِلاً عَن أبوابِنا«495 » وقَد جِئتُكَ سائِلاً فَلا تَرُدَّني إلّا بِقَضاءِ حاجَتي «496 »وأمَرتَنا بِالإِحسانِ إلى ما مَلَكَت أيمانُنا«497 » ونَحنُ أرِقّاؤُكَ فَأَعتِق رِقابَنا مِنَ النّارِ «498 »

«اللّهمّ» مرّ بيانه .
«إنّك أنزلت» النزول في الأصل هو انحطاط من علوّ ، ونزل بكذا وأنزله بمعنى ، وإنزال اللّه تعالى نعمه ونقمه على الخلق وإعطاؤهم إيّاه ، وذلك إمّا بإنزال الشيء نفسه كإنزال القرآن ، وإمّا بانزال أسبابه والهداية إليه كإنزال الحديد واللباس ، قال سبحانه : «أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ » ، ۱ وقال تعالى : «وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ » ، ۲ و «أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً » ، ۳ و «إِنّا مُنْزِلُونَ عَلى أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزاً مِنَ السَّماءِ » ، ۴ والفرق بين الإنزال والتنزيل في وصف القرآن والملائكة : إنّ التنزيل يختصّ بالموضع الذي يشير إليه إنزاله مفرّقا ومرّةً بعد أُخرى ، والإنزال عامّ . ۵
«في كتابك أن نعفو عمّن ظلمنا» قال سبحانه : «وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللّه ُ لَكُمْ » ، ۶ وقال تعالى شأنه : «وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعافِينَ عَنِ النّاسِ وَاللّه ُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ » ، ۷ وفي الحديث : قال الصادق عليه السلام : «العفو عند القدرة من سنن المرسلين والمتّقين» . ۸
العفو : القصد لتناول الشيء ، وعفوت عنه ؛ أي قصدت إزالة ذنبه صارفا عنه ، فالمفعول في الحقيقة متروك ، وعن متعلّق بمضمر ، ۹ أسألك العفو ؛ أي ترك العقوبة والسلامة ، عفى عنه وله ذنبه وعن ذنبه صفح عنه وترك عقوبته وهو يستحقّها ، وأعرض عن مؤاخذته ، وعفى اللّه عن فلان ؛ محا ذنوبه ، وعفا عن الحقّ ؛ أي استحقّه كأنّه محاه عن الذي عليه ، ۱۰ وعفى المنزل أي درس.
أي أنزلت في القرآن الكريم وأمرتنا أن نعفو عمّن ظلمنا ، أي نتجاوز عنه وترك عقوبته.
والظلم : أصله وضع الشيء في غير موضعه المختصّ به ، إمّا بنقصان أو زيادة ، وإمّا بعدول عن وقته أو مكانه ، والظلم يقال في مجاوزة الحقّ الذي يجري مجري نقطة الدائرة ، ويقال فيما يكثر وفيما يقلّ من التجاوز ، ولهذا يستعمل في الذنب الكبير وفي الذنب الصغير . ۱۱
«وقد ظلمنا أنفسنا» بارتكاب المعاصي . وقيل : الظلم ثلاثة :
الأوّل : ظلم بين الإنسان وبين اللّه تعالى ، وأعظمه الكفر والشرك والنفاق ، ولذلك قال : «إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ » . ۱۲
والثاني : ظلم بينه وبين الناس .
والثالث : ظلم بينه وبين نفسه ، وكلّ هذه الثلاثة في الحقيقة ظلم للنفس ؛ فإنّ الإنسان في أوّل ما يهمّ بالظلم فقد ظلم نفسه ، كما أنّ كلّ معصية ظلم بينه وبين اللّه تعالى . ۱۳
وفي الحديث عن أبي جعفر الباقر عليه السلام ، قال : «الظلم ثلاثة : ظلم يغفره اللّه ، وظلم لا يدعه اللّه ، وظلم لا يغفره اللّه ، فأمّا الظلم الذي لا يغفره اللّه (عزّ وجلّ) فالشرك باللّه ، وأمّا الظلم الذي يغفره اللّه فظلم الرجل نفسه فيما بينه وبين اللّه (عزّ وجلّ) ، وأمّا الظلم الذي لا يدعه اللّه (عزّ وجلّ) فالمداينة بين العباد» . ۱۴
الأحاديث في الظلم وأنواعه وآثاره الدنيوية والأُخروية كثيرة . ۱۵
«فاعف عنّا» أي اغفر لنا وامح عنّا هذه المعاصي وآثاره الدنيوية والأُخروية.
«فإنّك أولى بذلك منّا» أي أنت أولى بعفو ظلمنا أنفسنا ؛ لأنّك الوليّ وأنت بأن تعفو أولى ، كأنّه فرض ظلم الإنسان لنفسه كمداينة العباد ، فهنا ظالم وهو الإنسان العاصي ، ومظلوم وهو نفسه ، فإذا شاء أن يعفو المظلوم الظالم ، فالأولى أن يعفو وليّه وهو اللّه عزّ وجلّ.
«وأمرت ألّا نرّد سائلاً» أي أمرت في كتابك ألّا نردّ سائلاً ، فقلت : «وَأَمَّا السّائِلَ فَلا تَنْهَرْ » ، ۱۶ و «فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسّائِلِ وَالْمَحْرُومِ » . ۱۷
وفي الحديث : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «للسائل حقّ وإن جاء على فرس» ، ۱۸ وقال : «لا تردّوا السائل ولو بظلف مخرق» ، ۱۹ وقال صلى الله عليه و آله : «لا تردّوا السائل ولو بشقّ تمرة» . ۲۰
«عن أبوابنا» الباب يقال لمدخل الشيء ، وأصل ذلك مداخل الأمكنة ، كباب المدينة والدار والبيت ، والجمع أبواب ، ومنه يقال في العلم باب كذا... وقال : «أنا مدينة العلم وعليّ بابها» ، ۲۱ وأتوا البيوت من أبوابها ، قيل : معناه باشر الأُمور من وجوهها الّتي يجب أن تباشر عليها.
«فلا تردّني إلّا بقضاء حاجتي» ردّه عن وجهه : صرفه ، وردّ فلانا : خطّأه ، أي لا تصرفني عن بابك إلّا بقضاء حاجتي ؛ أي أدائها ، من قضى وطره ؛ أي أتمّ حاجته وبلغها ونالها ، وقضى الغريم دينه ؛ أي أدّاه .
«وأمرتنا الإحسان إلى ما ملكت إيماننا» في الحديث : «مازال جبرئيل يوصيني بالمماليك حتّى ظننت أنّه سيجعل لهم وقتا فإذا بلغوا ذلك الوقت أُعتقوا» ، ۲۲ وعن أبي جعفر عليه السلام في حديث : «أربع من كنّ فيه من المؤمنين أسكنه اللّه في أعلى علّيّين في غرفٍ فوق غرف... ومن لم يخرق بمملوكه ، وأعانه على ما يكلّفه ، ولم يستسعه فيما لم يطق» ، ۲۳ وفي حديثٍ عن أبي ذر : «سمعت النبي صلى الله عليه و آله يقول : أطعموهم ممّا تأكلون وألبسوهم ممّا تلبسون» ، ۲۴ إلى غير ذلك من الأحاديث .
« ونحن أرقّاؤك» الرقّ ملك العبيد ، والرقيق المملوك منهم وجمعه أرقّاء ، ۲۵ ويطلق على الذكر والأُنثى ، قال في المصباح : «الرقّ : العبودية» . ۲۶
«فاعتق رقابنا من النار» العتق : الخروج عن الرقّ ، فهو عتيق أي أعتق اللّهمّ رقابنا ، والرقبة اسم للعضو المعروف ، ثمّ يعبّر بها عن الجملة وجعل في التعارف اسما للمماليك ، ۲۷ من النار : أي أعتقنا من النار بالصفح عن سيّئاتنا وخطايانا.

1.الكهف : ۱.

2.الحديد : ۲۵.

3.الأعراف : ۲۶.

4.العنكبوت : ۳۴.

5.مفردات ألفاظ القرآن : ص ۴۸۹.

6.النور : ۲۲.

7.آل عمران : ۱۳۴.

8.مصباح الشريعة : ص ۱۵۸ ، بحار الأنوار : ج ۶۸ ص ۴۲۳.

9.اُنظر : مفردات ألفاظ القرآن : ص ۳۲۹.

10.انظر : أقرب الموارد : ج ۳ ص ۵۹۲ .

11.اُنظر : مفردات ألفاظ القرآن : ص ۳۱۵.

12.لقمان : ۱۳.

13.اُنظر : مفردات ألفاظ القرآن : ص ۳۱۶.

14.الكافي : ج ۲ ص ۳۳۱ ، الأمالي للصدوق : ص ۳۲۵ ، روضة الواعظين : ص ۴۶۶ ، اُنظر : بحار الأنوار : ج ۷۲ ص ۳۱۱.

15.اُنظر : بحار الأنوار : ج ۷۵ ص ۳۰۵ وما بعدها والسفينة ومستدركها.

16.الضحى : ۱۰ .

17.المعارج : ۲۵ ، والذاريات : ۱۹.

18.سنن أبي داوود : ج ۲ ص ۳۷۵ ، مسند ابن حنبل : ج ۱ ص ۲۰۱ ، السنن الكبرى للبيهقي : ج ۷ ص ۲۳.

19.الكافي : ج ۴ ص ۱۵ ، مسند ابن المبارك : ص ۱۸۶ ، اُنظر : بحار الأنوار : ج ۹۳ ص ۱۷۰.

20.رواه في بحار الأنوار : عن أمير المؤمنين عليه السلام اُنظر : بحار الأنوار : ج ۹۳ ص ۲۵ .

21.اُنظر : مفردات ألفاظ القرآن : ص ۶۴ .

22.الأمالي للصدوق : ص ۵۱۴ ، مكارم الأخلاق : ص ۴۲۹ ، اُنظر : بحار الأنوار : ج ۷۱ ص ۱۳۹ .

23.الأمالي للمفيد : ص ۱۶۷ ، بحار الأنوار : ج ۶۶ ص ۳۸۷ .

24.الأمالي للطوسي : ص ۴۰۳ ، روضة الواعظين : ص ۱۰۸ ، الغارات : ج ۱ ص ۱۰۶ ، مشكاة الأنوار : ص ۳۱۲ ، اُنظر : بحار الأنوار : ج ۷۱ ص ۱۴۰ .

25.اُنظر : مفردات ألفاظ القرآن : ص ۲۰۰.

26.المصباح المنير : ص ۲۸۶ .

27.انظر : مفردات ألفاظ القرآن : ص ۲۰۱ .


شرح دعاء أبي حمزة الثمالي
344
  • نام منبع :
    شرح دعاء أبي حمزة الثمالي
    سایر پدیدآورندگان :
    هوشمند، مهدي
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    سازمان چاپ و نشر دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 464815
صفحه از 464
پرینت  ارسال به