۰.وَالحَمدُ للّه ِِ الَّذي تَحَبَّبَ إلَيَ وهُوَ غَنِيٌّ عَنّي «26 »وَالحَمدُ للّه ِِ الَّذي يَحلُمُ عَنّي حَتّى كَأَنّي لاذَنبَ لي«27 »فَرَبّي أحمَدُ شَيءٍ عِندي وأحَقُّ بِحَمدي«28 »
المحبّة : إرادة ما تراه أو تظنّه خيرا ، إمّا للذّة كمحبّة الرجل المرأة ، ومحبّة للنفع كمحبّة شيء ينتفع به ، ومحبّة للفضل كمحبّة أهل العلم بعضهم بعضا. ۱
قيل : محبّة اللّه للعباد إنعامه عليهم وأن يوفّقهم لطاعته ويهديهم لدينه الذي ارتضاه ، وحبّ العباد للّه أن يطيعوه ولا يعصوه . وقيل : محبّة اللّه صفة من صفات فعله ، فهي إحسان مخصوص يليق بالعبد ، وأمّا محبّة العبد للّه تعالى فحالة يجدها في قلبه يحصل منها التعظيم له وإيثار رضاه. ۲
«تحبّب» من التفعّل ، هو إظهار المحبّة بالإنعام والإكرام وتواتر النعم الجسام والتفضّل بالنعماء والآلاء من غير استحقاق ، بل مع استحقاق قطع النعم أو العقاب ؛ لأنّ التفعّل فيه إشعار بالكلفة .
«وهو غنيّ عنّي» قال الراغب : «الغنيّ يقال على ضروب ، أحدها عدم الحاجات ، وليس ذلك إلّا للّه تعالى ، وهو المذكور في قوله : «وَ إِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِىُّ الْحَمِيدُ »۳ وهو تعالى غنيّ عن العالمين «وخلق الخلق غنيّا عن طاعتهم آمنا من معصيتهم» . ۴
«وَالحَمدُ للّه ِِ الَّذي يَحلُمُ عَنّي حَتّى كَأَنّي لاذَنبَ لي» الحلم : ضبط النفس والطبع عن هيجان الغضب ، وجمعه أحلام ، ۵ والحليم من أسمائه تعالى ؛ وهو الذي لا يستفزّه الغضب . ۶ وحلم عنه ، أي صفح وستر ، ووصف بحلمه سبحانه عنه بقوله عليه السلام ؛ «كأنّي لا ذنب لي» في إفاضته المنعم عليه وإكرامه .
هاتان الصفتان من الصفات الحسنة المحمودة في الإنسان أيضا ، فللمؤمن أن يحصّل هاتين الصفتين حتّى يكون متحبّبا إلى عباد اللّه مع غناه عنهم ، كما مرّ الحديث عن أمير المؤمنين عليه السلام ، وفي النبويّ صلى الله عليه و آله : «رأس العقل بعد الإيمان باللّه التحبّب إلى الناس» ، ۷ إلّا فيما خالف أمر اللّه ونهيه ، وأن يحلم عن الناس ، كما عن الرضا عليه السلام :
إذا كان دوني من بُليتُ بجهلأبيتُ لنفسي أن تقابل بالجهلِ
وإن كان مثلي في محلّي من النُّهىأخذتُ بحلمي كي أُجَلَّ عن المِثلِ
وإن كنت أدنى منه في الفضل والحِجَىعرفتُ له حقَّ التقدّمِ والفضلِ.۸
فللمؤمن أن يحلم عن الناس إلّا فيما رضى اللّه تعالى .
«فربّي أحمد شيء عندي وأحقّ بحمدي» تقدّم الكلام في معنى الربّ . أحمد شيء ، حَمِدَ حَمدا ؛ أثنى عليه ، والفرق بين الحمد والشكر ، أنّ الشكر لا يكون إلّا ثناء ليد ، والحمد قد يكون شكرا للصنيعة ويكون ابتداءً للثناء . والمعنى : فبعد هذه الصفات والإنعامات ، ربّي أولى بالثناء أو الشكر عندي ، وأحقّ بحمدي . الحقيق : الخليق والجدير ، يقال : هو حقيق به وحقيق أن يفعل ، أي جدير ، فهو أحقّ بحمدي أي أجدر وأخلق بحمدي ، ويمكن أحقّ بمعنى أوجب من حقّ عليك ويحقّ عليك وحقّ لك ، أي وجب عليك ، وقال الإمام العلّامة الزمخشري : «تقول : أنا حقيق على قول الحقّ ، أي واجب عليّ قول الحقّ » . ۹
1.اُنظر : مفردات ألفاظ القرآن : ص ۱۰۵ ، «حبب» .
2.اُنظر : مجمع البحرين : ج ۱ ص ۴۴۰ ، في «حبب» ، فإنّ فيه فوائد جسيمة ، بحار الأنوار : ج ۷۰ ص ۱۳ .
3.. الحجّ : ۶۴ ، مفردات ألفاظ القرآن : ص ۳۶۶ .
4.نهج البلاغة : خطبة ۱۹۳ .
5.مفردات ألفاظ القرآن : ص ۱۲۹ .
6.اُنظر : مجمع البحرين : ج ۱ ص ۵۶۵ ، ومفردات ألفاظ القرآن : وسوف يأتي الكلام حول هذه الصفة الحسنة إن شاء اللّه تعالى في النهاية والمجمع .
7.الخصال : ص ۱۵ ح ۵۵ ، روضة الواعظين : ص ۲ ، مشكاة الأنوار : ص ۴۳۷ ، واُنظر : مستدرك سفينة البحار : في «حلم» .
8.عيون أخبار الرضا عليه السلام : ج ۱ ص ۱۸۷ ، المناقب لابن شهر آشوب : ج ۳ ص ۴۸۰ ، واُنظر : بحار الأنوار : ج ۷۱ ص ۴۲۰ ، و ج ۷۸ : ص ۳۵۲ ، و ج ۴۹ : ص ۱۰۷ عن عيون أخبار الرضا عليه السلام ، واُنظر : مستدرك سفينة البحار : ج ۲ ص۳۸۱ ، وسوف يأتي الكلام فيه فانتظر .
9.الكشاف : ج ۲ ص ۱۰۱ ، مجمع البيان : ج ۴ ص ۳۲۲ في تفسير سورة الأعراف الآية ۱۰۵ .