209
ضياء الشّهاب في شرح شِهاب الأخبار

۲۳۲.الوُضُوءُ قَبْلَ الطَّعَامِ يَنْفِي الفَقْرَ ، وَبَعْدَهُ يَنْفِي اللَّمَمَ وَيُصِحُّ الْبَصَرَ . ۱

ومعنى الخبر الأوّل أمرٌ ، أي : اقتدوا بالنبيّين ؛ فإنّ اللّه قد جعلهم قادةً للخلائق ، واهتدوا بهُداهم ، وتخلّقوا بأخلاقهم ، وجالِسوا الفقهاء ؛ فإنّهم سادة الخلق يجب تعظيمهم والانتهاء إلى أقوالهم ، فعليكم بمجالستهم لكي تزيدوا في الشريعة والحقيقة والعلم في الحلال والحرام والفرائض والسنن والإخلاص الذي يُبصِرُ من العمى ويدعو إلى الرُّشد والهدى .
ومعنى الخبر الثاني : أنّ المتزيّن بأكثر ما عنده يتكثّر بذلك ويتزيّن بالباطل كلابس ثوبي زورٍ ؛ فإنّه يلبس ثياب أهل الزُّهد في الدُّنيا ، ويُرائي بذلك للناس ، ويُظهر لهم من التمشّع ۲ والتقشّف ۳ أكثر ممّا في قلبه ، فهذا إثبات الزور والرياء . و«الشِّبَع» : نقيض الجوع ، يُقال : شَبِعْتُ من خبزٍ ولحم ، و«التشبّع» : إظهار ذلك مع إرادته وإن لم يكن هذا حقيقته في وضع اللغة . ومَن جَعلَ نفسه شَبعى من خبز غيره بأن يَعتمد على ذلك ولا يُحصّلهُ لديه ، فهو كمن استعار الرداء والإزار من الغير ، فإذا احتاج إلى الطعام لا يكون له ، كالمستعير إذا ما استُردّت العارية منه يبقى عرياناً .
وأدّب عليه السلام بالخبر الأخير الأعراب الذين لم يكونوا يغسلون أيديهم بعد الفراغ من الطعام ويقولون : «فقره أشدّ علينا من ريحه !» ، وأمرهم بغسل اليدين والفم من الأكل من كلّ ما مسّته النار وغيره ممّا له زُهومة ۴ ورائحة كريهة يضرّه ويتأذّى به جليسه . وهذا وإن كان خاصّاً في حقّ هؤلاء ، فعموم لفظه يتناول جميع المكلّفين ، وسمّى غسل اليد وضوءاً وهو النظافة في موضوع العربيّة .

1.مسند الشهاب ، ج ۱ ، ص ۲۰۵ ، ح ۳۱۰ ؛ ميزان الاعتدال ، ج ۴ ، ص ۲۰۲ ، ح ۳۷۱ ؛ غريب الحديث لابن قتيبة ، ج ۱ ، ص ۹ ؛ فيض القدير ، ج ۶ ، ص ۴۸۸ ، ح ۹۶۸۳ ؛ كشف الخفاء ، ج ۲ ، ص ۳۳۶ ، ح ۲۹۰۰ . الأمالي للسيّد المرتضى ، ج ۲ ، ص ۵۸ ؛ الدعوات ، ص ۱۴۲ ، ح ۳۶۴ ؛ مكارم الأخلاق ، ص ۱۳۹ .

2.التمشُّع : الاستنجاء . وفي الحديث أنّه نهى أن يتمشّع بروث أو عظم . التمشُّع [أيضا] المسح في الاستنجاء ؛ قال الأزهري : وهو حرف صحيح . «لسان العرب ، ج ۸ ، ص ۳۳۶ (مشع)» .

3.قشف الرجُل قشفا ـ من باب تعب ـ : لم يتعاهد النظافة ، وتَقَشَّفَ مثله . «مجمع البحرين ، ج ۵ ، ص ۱۰۸ (قشف)» .

4.الزُّهومة : ريح لحم سمين منتن . «لسان العرب ، ج ۱۲ ، ص ۲۷۷ (زهم)» .


ضياء الشّهاب في شرح شِهاب الأخبار
208

فإن قيل : لِمَ أجزاء النبوّة ستّة وعشرين جزءاً؟ قلنا : روى ابن بابويه في كتاب النبوّة ۱ أنّ محمّداً لمّا أتاه جبرئيل عليهماالسلام وأمره أن يقول للناس أنّه رسول اللّه إليهم ويعلّمهم معالِم الدِّين ، كان له أربعون سنة ، فعاش بعد ذلك ثلاثة وعشرين سنة بمكّة والمدينة ، وكان عليه السلام يوحي إليه في خاصّة نفسه قبل ذلك بثلاث سنين ، ومن قبل هذا منذ حال تكليفه كان محدَّثاً بأحكام شرعيّة يحتاج إليها بنَكْتٍ في القلب ونَقْرٍ في السمع وإلهام ، فيكون جملة مدّة نبوّته ستّاً وعشرين سنة ، فأشار بهذا الحديث إلى عظم شأن هذه الخصال الثلاث التي فاتحتها التُّؤَدَة ، وخاتمتها الصمت ، وواسطتها الاقتصاد .
وقيل : إنّ مجموع هذه الثلاثة أو الأربعة التي رويناها أوّلاً جزءٌ من ستّة وعشرين جزءاً من النبوّة ، فمراده ـ واللّه أعلم ـ : أنّ اللّه سبحانه علّمني هذه الثلاثة الخصال في سنة تامّة ، ولم يُنزِل عليَّ ولم يوحِ إليَّ في تلك السنة إلّا الوصيّة بهذه الأشياء ، فكأنّها جزءٌ من أجزاء نبوّتي .
و«التَّؤُدَةُ» : الرفق ؛ يُقال : اتَّئِدْ يا فلان، أي ارفق ، والمقتصد ۲ في القرآن هو من كان بين السابق والظالم .

۲۳۰.الأَنْبِيَاءُ قَادَةٌ ، وَالفُقَهَاءُ سَادَةٌ ، وَمُجَالَسَتَهُمْ زِيَادَةٌ . ۳

۲۳۱.المُتَشَبِّعُ بِمَا لَا يَمْلِكُ كَلَابِسِ ثَوْبَيْ زُورٍ . ۴

1.كتاب النبوة لمحمّد بن علي بن بابويه الصدوق، ذكره النجاشي، ينقل عنه جمال الدين يوسف بن حاتم الفقيه الشامى تلميذ المحقق الحلي، وينقل عنه ايضا ابن طاووس في الدر النظيم و الإقبال. راجع: رجال النجاشي، ص ۳۸۹، الرقم ۱۰۴۹؛ الذريعة، ج ۲۴، ص ۴۰، الرقم ۲۰۰.

2.في المخطوطة : «والمقصد».

3.مسند الشهاب ، ج ۱ ، ص ۲۰۳ ، ح ۳۰۷ ؛ الجامع الصغير ، ج ۱ ، ص ۴۷۷ ، ح ۳۰۹۰ ؛ كنزالعمّال ، ج ۱۵ ، ص ۹۳۴ ، ح ۴۳۶۰۳ ؛ كشف الخفاء ، ج ۱ ، ص ۲۰۵ ، ح ۶۲۰ . الأمالي للطوسي ، ص ۴۷۳ ، ح ۱ ؛ عوالي اللئالي ، ج ۴ ، ص ۷۳ ، ح ۵۱ ؛ بحارالأنوار ، ج ۱ ، ص ۲۰۱ ، ح ۱۰ (وفيه عن الأمالي للطوسي) .

4.مسند الشهاب ، ج ۱ ، ص ۲۰۴ ، ۳۰۸ و ۳۰۹ ؛ مسند أحمد ، ج ۶ ، ص ۹۰ و ۱۶۷ و ۳۴۵ ؛ صحيح البخاري ، ج ۶ ، ص ۱۵۶ ؛ صحيح مسلم ، ج ۶ ، ص ۱۶۹ ؛ سنن أبي داود ، ج ۲ ، ص ۴۷۶ ، ح ۴۹۹۷ ؛ السنن الكبرى ، ج ۶ ، ص ۱۸۲ ، منية المريد ، ص ۱۷۹ و ۲۱۷ ؛ بحارالأنوار ، ج ۲ ، ص ۱۲۳ ، ح ۴۶ (عن منية المريد) .

  • نام منبع :
    ضياء الشّهاب في شرح شِهاب الأخبار
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق: سليماني الاشتياني،مهدي
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    سازمان چاپ و نشر دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1389
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 199795
صفحه از 627
پرینت  ارسال به