287
ضياء الشّهاب في شرح شِهاب الأخبار

تغيير له من خلقه ، ولا تبديل [له من] الأحكام المتعلِّقة به منهم على ما حكم به قهراً وإجباراً ؛ إذ هو القهّار جلَّ جلاله ، وهذه الأربعة من أفعال اللّه ، وهو تعالى « يَمْحُواْ اللَّهُ مَا يَشَآءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِندَهُ أُمُّ الْكِتَـبِ »۱ .
فإن قيل : أ ليس أحدنا ۲ يقتل غيره ، فإن لم يكن هذا من قضاء اللّه وقدره ، لم ۳ يمكنه قتله إلى الأجل الذي عيّنه له وكتبه ؟
قلنا : الذي يُقتل ظلماً فالصحيح أنّه لو لم يُقتل لجاز أن يبقى إلى وقتٍ آخر ، ولجاز أن يقول : إنّه يموت في تلك الحالة .
وكلّ ما قضى اللّه به فلا مردّ له ؛ يعني : لا يُعجِز اللّهَ أحدٌ من خلقه ولا يمكنه ردّه إذا أراد ذلك إجباراً .
فأمّا إذا أمكن اللّهُ عباده من قتل الغير ونهاهم عنه ليصحّ التكليف ، فلا يدلّ على أنّهم ردّوا ۴ قضاء اللّه .
فأمّا الخبر الذي أوّله : «فرغ اللّه إلى كلّ عبدٍ من عمله» ، فلا ۵
يخفى الفرق بين «فرغ منه» و«فرغ إليه» على كلّ من له ضرسٌ قاطع في العربية .
والمعنى : أنّ اللّه أنهى إلى كلّ عبدٍ ما يجب عليه من عمله في مدّة عمره إلى وقت موته وأجله وكلّ ما يبقى بعده من أثره ، وهو يعلم جميع ذلك ، ويعلم أين يكون قبره وكم يكون رزقه .
وبيان هذه الأخبار في حديثٍ رواه أبو هريرة: أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله قال : «سبق علم اللّه في خلقه فهُم صائرون إلى ما علم منهم»۶ ، والعلم لا تأثير [له] في المعلوم ، على معنى أنّ ذلك المعلوم لم يكن على ما هو عليه ، ولأجل أنّ عالماً علمه كذلك ، وإنّما يعلمه

1.الرعد (۱۳) : ۳۹ .

2.في المخطوطة: + «أن».

3.في المخطوطة: «ولم».

4.في المخطوطة : «ردّ» .

5.في المخطوطة : «ولا» ، والظاهر أنّه تصحيف .

6.راجع : مقولة اليهود «إنّ اللّه قد فرغ من الأمر ...» لمركز المصطفى (نقله عن شرح اصول اعتقاد أهل السنّة والجماعة للأكاني ، ج ۳ ، ص ۴۰۴) .


ضياء الشّهاب في شرح شِهاب الأخبار
286

هذه الأخبار الأربعة اتّخذها الحشويّة مرقاة إلى عقيدتهم الخبيثة ومقالتهم الفاحشة ؛ بأنّ اللّه تعالى حَكَمَ في الأزل أن يَخلق في أبي جهل وأبي لهب ونحوهما الكفر ، وأن يَخلق الإيمان في محمّد ، وأجرى القضاء والقدر بهذا وأمثاله ، وجفَّ القلم في اللوح المحفوظ بأن جَعَلَ اللّه هذا سعيداً وذاك شقيّاً .
ودلائل العقل لا تُأوَّل ولا يَدخل فيها التأويل، والكلام يكون فيه المحكم والمتشابه كما يُتلى من القرآن، والكتاب والسنّة كلاهما دليل، ودليل العقل دليل، ولا يجوز أن يتنافيا؛ ولابدّ أن يُحمَل على دليل العقل كلُّ ما له ظاهر بخلافه على وجهٍ حسنٍ.
ونحن نعلم أنّ اللّه لا يُثيب ولا يُعاقب بفعله ، وما خَلَقَ النار والجنّة عبثاً ، وإنّما الكُفّار معاقَبون بسوء اختيارهم للكفر ، وأنّ اللّه لم يَخلق الكفر فيهم ، بل جعل مع أبي جهل من أسباب التكليف كلّ ما فعل بمحمّد ؛ وثوابه على سبيل الاستحقاق بفعله لا بفعل اللّه فيه ، ولا بعناية أزليّة كما يهدون . ۱
وإذا ثبت هذا فاعلم أنّ قضاء اللّه وقدره كليهما صحيح في أفعال اللّه نحوالآجال والأرزاق ، ولا يجوز التكليف أن يلبّس على نفسه ، ويجعل حكم فعله تعالى وحكم فعل نفسه واحداً ، والسعيد قد يكون من له سعادة الآخرة ويكون مَن له كثير من عرض الدُّنيا وزخارفها ، والشقيّ من يجد المشاقاة والمعاناة في الدُّنيا والآخرة ، فلا يستبعد أن يكون المعنى : أنّ القلم قد جرى في اللوح المحفوظ بأنّ زيداً يكون في الدُّنيا غنيّاً سعيداً وأنّ عَمراً يكون فقيراً شقيّاً .
والفراغ في اللغة على ضربين ؛ أحدهما : القصد للشيء ، والآخر : الفراغ من الشغل . وهذا لا يجوز على اللّه ، فاللّه لا يشغله ۲ شأن عن شأن ؛ فإنّ اللّه تعالى يقول : « سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلَانِ »۳ ؛ أي : سنقصد لعقوبتكم ، ونحكم بجزائكم .
والمعنى في الخبر : بلّغ اللّه هذه الأربعة إلى آخرها بحيث لا مردّ له من أحد ، ولا

1.كذا في المخطوطة .

2.في المخطوطة : «يشغل» .

3.الرحمن (۵۵) : ۳۱ .

  • نام منبع :
    ضياء الشّهاب في شرح شِهاب الأخبار
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق: سليماني الاشتياني،مهدي
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    سازمان چاپ و نشر دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1389
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 199775
صفحه از 627
پرینت  ارسال به