يريد إفراط التقصير في حقّ الحقّ ، ونبْذنا الوجوب من وراء الظهور ، وحذّرنا من هذه الغفلة ؛ أي : قد تركنا الحقّ حتّى كأنّه غير واجب ، ونسينا الموت وأهواله وشدائده ؛ فكأنّه على غيرنا مكتوب .
ومعنى «كُتِبَ» حُكِمَ وقُضي واُوجب ؛ كما قال : « كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ »۱ ؛ أي : أوجب . وكأنّ الموتى الذين سقناهم إلى قبورهم قوم مسافرون عن قليل يرجعون إلينا ، لا نستشعر خوفاً لهم ولا لأنفسنا ، ونطيّب قلوبنا بمفارقتهم كأنّا نطمع في رجوعهم . ومفهومه : ما هذه الرَّقْدَة التي لا ينتبهون عنها بنوع من الحوادث والنوائب؟ فكأنّهم يتحقّقون أنّ هذا لم يكن ، ولا يكون منزل موتانا قبورهم ، ونأكل ۲ بمِلْ ء الفم ميراثهم كأنّا مبقون بعد موتانا ، و«المبوّأ» : المنزل الملزوم ، و«الأجداث» : القبور ، و«سَفْر» : جمع سافر ، كصَحْب وصاحب .
لا نتذكّر كلمةً نتّعظ بها ، ولا نخافُ آفةً سماويّة ؛ فنحن ناسون لكلّ وعظٍ ، وآمنون من كلّ بلاء . و«الواعظة» : الكلمة الزاجرة ، و«الجائحة» : الآفة المهلكة ، يُقال : جاحهم ؛ أي : أصابهم المكاره والآفات . ويتّصل بهذا الحديث ما بعده إلى قوله : ولم يعدها إلى بدعة .
۴۰۰.طُوبى لِمَنْ شَغَلَهُ عَيْبُهُ عَنْ عُيُوبِ النَّاسِ ، وَأَنْفَقَ مِنْ مَالٍ اكْتَسَبَهُ مِنْ غَيْرِ مَعْصِيَةٍ ، وَخَالَطَ أَهْلَ الْفِقْهِ وَالْحِكْمَةِ ، وَجَانَبَ أَهْلَ الذُّلِّ وَالْمَعْصِيَةِ ، طُوبى لِمَنْ ذَلَّ فِي نَفْسِهِ وَحَسُنَتْ خَلِيقَتُهُ ، وَأَنْفَقَ الْفَضْلَ مِنْ مَالِهِ ، وَأَمْسَكَ الْفَضْلَ مِنْ قَوْلِهِ ، وَوَسِعَتْهُ السُّنَّةُ ، وَلَمْ يَعْدُهَا إِلى بِدْعَةٍ . ۳