293
ضياء الشّهاب في شرح شِهاب الأخبار

يقول: العيش الطيّب والحال المستطابة والخير والكرامة لمن كان ذا عيب واشتغل بإصلاح نفسه منه ، وطهّرها ۱ من ذلك العيب ، وأعرض عن تفحّص عيوب الناس .
ومفهومه : أنّه ينبغي أن يُنصِف من نفسه ، ويبغض نفسه على اليقين من عيبها وقبيح فعلها ، ولا يبغض الناس على الظنّ والتُّهَمة . فإذا كان له مال ، وكَسَبَه لأجل نفسه من وجه من وجوه الحلال أنفقه في طاعة اللّه وعلى نفسه وعياله ، وجالس الفقهاء والحُكماء ؛ ليزداد له علم وخشية وكلام حكمة يردّه عن الردى ، وفارق الذين يَرضون لأنفسهم المعصية وهوان العصيان ، وروي : «وجالس أهل الفقه والحكمة ، وخالط أهل الذلّة والمسكنة» . ۲
و«الذلّ» : ضدّ العزّ ، والذلّة : ضدّ الصعوبة ، وهي الانقياد والاستسلام ؛ يريد مخالطة من كان ليّن الجانب سهل الانقياد ، والمسكنة : فقر النفس وإن كان موسراً وهو الذي أسكنه الفقر ، وقتل حركته ، وأراد به هاهنا رجلاً مجيئا ۳ متواضعاً غير جبّار ولا متكبّر .
ثمّ قال : الفرح والغبطة وقرّة العين لمن كان ليّن الجانب ذليلاً عند نفسه وإن كان عزيزاً عند الناس ، ذلولاً ليّناً غير فظّ ولا غليظ ، حسن الخليقة والطبيعة من غير تكلّف وتخلّق ، وطوبى لمن أنفق زيادة نفقة نفسه ونفقة من يعوله على المؤمنين ، ولا يتكلّم بما لا يعنيه ، ولم يتضيّق عليه فرضه ولا سنّته ، بل وسعه ما أتى به محمّد عليه السلام من الشريعة ، ولم يأت ببدعة في الشرع ، بل أمسك زيادة ما يعنيه من

1.في المخطوطة : «تطهّرها» .

2.راجع : نزهة الناظر وتنبيه الخاطر ، ص ۳۶ ؛ كنزالعمّال ، ج ۱۵ ، ص ۹۱۷ ، ح ۴۳۵۸۲ .

3.كذا يقرأ في المخطوطة .


ضياء الشّهاب في شرح شِهاب الأخبار
292

يريد إفراط التقصير في حقّ الحقّ ، ونبْذنا الوجوب من وراء الظهور ، وحذّرنا من هذه الغفلة ؛ أي : قد تركنا الحقّ حتّى كأنّه غير واجب ، ونسينا الموت وأهواله وشدائده ؛ فكأنّه على غيرنا مكتوب .
ومعنى «كُتِبَ» حُكِمَ وقُضي واُوجب ؛ كما قال : « كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ »۱ ؛ أي : أوجب . وكأنّ الموتى الذين سقناهم إلى قبورهم قوم مسافرون عن قليل يرجعون إلينا ، لا نستشعر خوفاً لهم ولا لأنفسنا ، ونطيّب قلوبنا بمفارقتهم كأنّا نطمع في رجوعهم . ومفهومه : ما هذه الرَّقْدَة التي لا ينتبهون عنها بنوع من الحوادث والنوائب؟ فكأنّهم يتحقّقون أنّ هذا لم يكن ، ولا يكون منزل موتانا قبورهم ، ونأكل ۲ بمِلْ ء الفم ميراثهم كأنّا مبقون بعد موتانا ، و«المبوّأ» : المنزل الملزوم ، و«الأجداث» : القبور ، و«سَفْر» : جمع سافر ، كصَحْب وصاحب .
لا نتذكّر كلمةً نتّعظ بها ، ولا نخافُ آفةً سماويّة ؛ فنحن ناسون لكلّ وعظٍ ، وآمنون من كلّ بلاء . و«الواعظة» : الكلمة الزاجرة ، و«الجائحة» : الآفة المهلكة ، يُقال : جاحهم ؛ أي : أصابهم المكاره والآفات . ويتّصل بهذا الحديث ما بعده إلى قوله : ولم يعدها إلى بدعة .

۴۰۰.طُوبى لِمَنْ شَغَلَهُ عَيْبُهُ عَنْ عُيُوبِ النَّاسِ ، وَأَنْفَقَ مِنْ مَالٍ اكْتَسَبَهُ مِنْ غَيْرِ مَعْصِيَةٍ ، وَخَالَطَ أَهْلَ الْفِقْهِ وَالْحِكْمَةِ ، وَجَانَبَ أَهْلَ الذُّلِّ وَالْمَعْصِيَةِ ، طُوبى لِمَنْ ذَلَّ فِي نَفْسِهِ وَحَسُنَتْ خَلِيقَتُهُ ، وَأَنْفَقَ الْفَضْلَ مِنْ مَالِهِ ، وَأَمْسَكَ الْفَضْلَ مِنْ قَوْلِهِ ، وَوَسِعَتْهُ السُّنَّةُ ، وَلَمْ يَعْدُهَا إِلى بِدْعَةٍ . ۳

1.الأنعام (۶) : ۵۴ .

2.في المخطوطة : «يأكل» ، والظاهر أنّه تصحيف .

3.مسند الشهاب ، ج ۱ ، ص ۳۵۸ ، ح ۶۱۳ ؛ حلية الأولياء ، ج ۳ ، ص ۲۰۲ ؛ مجمع الزوائد ، ج ۱۰ ، ص ۲۲۹ ؛ نزهة الناظر وتنبيه الخاطر ، ص ۳۶ ، ح ۱۰۱ ؛ الكامل ، ج ۱، ص ۳۸۴ ؛ و ج ۷ ، ص ۸۲ ؛ تاريخ مدينة دمشق ، ج ۵۴ ، ص ۲۴۰ ؛ الجامع الصغير ، ج ۲ ، ص ۱۳۷ ، ح ۵۳۰۶ ؛ كنزالعمّال ، ج ۱۶ ، ص ۱۲۵ ، ح ۴۴۱۵۰؛ كشف الخفاء ، ج ۲ ، ص ۴۶ ، ح ۱۶۷۳ . تفسير القمّي ، ج ۲ ، ص ۷۰ ؛ كنزالفوائد ، ص ۱۷۸ (مع الاختلاف في الثلاثة الأخيرة) ؛ بحارالأنوار ، ج ۱ ، ص ۲۰۵ ، ح ۳۱ ؛ و ج ۷۸ ، ح ۲۶۸ ، ذيل ح ۲۷ ؛ مستدرك الوسائل ، ج ۲ ، ص ۳۷۸ ، ح ۲۲۳۷ (وفي الثلاثة الأخيرة عن كنزالفوائد) .

  • نام منبع :
    ضياء الشّهاب في شرح شِهاب الأخبار
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق: سليماني الاشتياني،مهدي
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    سازمان چاپ و نشر دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1389
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 199602
صفحه از 627
پرینت  ارسال به