357
ضياء الشّهاب في شرح شِهاب الأخبار

وقال ابن المبارك : «ليس ما يذهبون إليه من فتنة الشهوة فقط ، ولكنّه بما يدخل على الأزواج من القطيعات في القرابات ، وما يُبتلى به الرجل من أجل النساء من الثياب الفاخرة وغيرها» . ۱
ثمّ قال : ما كان مصرّاً على الذنب ـ أي مقيماً عليه ـ من اعتاد الاستغفار ، وهو سؤال المغفرة من اللّه ولو تكرّر منه ذنبُه في يوم واحدٍ سبعين مرّةً ، وهذا أصلٌ قويٌّ في باب الرجاء .
ثمّ قال لطيب نفس الذي يؤدّي زكاة ماله ولا يخاف الفقر على أولاده من بعده : إنّ العبد إذا تصدّق ما عليه فاللّه خليفته على عياله ؛ وقد ضمن اللّه ذلك بقوله : « وَ مَآ أَنفَقْتُم مِّن شَىْ ءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ »۲ .
ومعنى الخبر الأخير أنّ مِن حقّ مَن يَهرب من النار ويَطلب الجنّة أن لا ينام ، والواجب أن يُقال : «الهارب منها» ، فحذف [مِن] كقوله : « وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ »۳ . وله وجه آخر وهو أنّه جعل الهارب كاسم الرجل ثمّ أضافه إلى النار بأدنى ملابسة بينه وبين النار ؛ من حيث إنّه يهربُ منها كما قالوا : كوكب الخرقا لما كانت تقوم عند طلوعه ؛ فلم يراع الفعل وصلته ، وجعله كاسم الشخص .
وأمّا الضمير في «هاربها» فلا يرجع إلى النار ؛ لأنّه لا تعلّق ولا اتّصال بينه وبينها ؛ لأنّه ليس بخبرٍ للمبتدأ ولا صفةٍ ولا حالٍ ؛ لأنّ النار معرفةٌ والجملة نكرة فلا يصحّ أن يكون صفة لها .
ولا يجوز أن يكون حالاً ؛ لأنّ من حقّ العامل في الحال وذي الحال أن يكون واحداً ؛ كقوله : زيدٌ راكباً .
والعامل في «النار» مثل الذي اُضيف إليه فانجرّ النار به ، ولا يصحّ فيه أن يكون ناصباً ؛ لأنّه ليس بفعل ولا مشتقّ من الفعل ، فإذا بطلت هذه الوجوه وَجَبَ أن يقدَّر محذوف يكون موصوفاً لمثلٍ ؛ فإنّ مثلاً لا يكون إلّا صفةً ، وذلك كأنّه قال : ما رأيت

1.لم نعثر على قوله في موضع .

2.سبأ (۳۴) : ۳۹ .

3.الأعراف (۷) : ۱۵۵ .


ضياء الشّهاب في شرح شِهاب الأخبار
356

۵۲۷.مَا أَحْسَنَ عَبْدٌ الصَّدَقَةَ إِلَا أَحْسَنَ اللّهُ الْخِلَافَةَ عَلى تَرَكَتِهِ . ۱

۵۲۸.مَا رَأَيْتُ مِثْلَ النَّارِ نَامَ هَارِبُهَا ، وَلَا مِثْلَ الْجَنَّةِ نَامَ طَالِبُهَا . ۲

حثَّ على الاحتراز من شرار النساء ، فقال موصياً لمن بعده : ليس فتنة أضرّ على دين الرجُل من مكر المرأة ؛ قال [اللّه سبحانه] : « أَنَّمَآ أَمْوَ لُكُمْ وَأَوْلَـدُكُمْ فِتْنَةٌ »۳ ؛ أي : محنةٌ وابتلاءٌ وشدّةٌ للتكليف عليكم وشغل ۴ عن أمر الآخرة ؛ فإنّ الإنسان بسبب المال والولد يقع في الجرائم .
وعن ابن مسعود : «لا يقولنّ أحدكم : [اللّهم اعصمني] مِنَ الفتنةِ ؛ فإنّه ليس أحدٌ منكم يرجع إلى مالٍ وأهلٍ وولدٍ إلّا وهو مشتمل على فتنةٍ ، ولكن ليقل : أعوذُ باللّه من مضلّات الفتن» . ۵
وقال تعالى : « يَـأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ إِنَّ مِنْ أَزْوَ جِكُمْ وَ أَوْلَـدِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ »۶ يعني : إنّ بعضهم بهذه الصفة ، ولذلك أتى بلفظة «مِن» وهي للتبعيض .

1.مسند الشهاب ، ج ۲ ، ص ۱۴ ، ح ۷۸۹ و ۷۹۰ ؛ مسند إبن المبارك ، ص ۱۹۵ ، ح ۳۴۲ ؛ التمهيد ، ص ۲۳ ، ح ۱۷۴ ؛ نزهة الناظر وتنبيه الخاطر ، ص ۲۲ ، ح ۵۶ ؛ الجامع الصغير ، ج ۲ ، ص ۴۸۱ ، ح ۷۷۹۳ . الكافي ، ج ۴ ، ص ۱۰ ، ح ۵ ؛ عدّة الداعي ، ص ۶۱ ؛ وسائل الشيعة ، ج ۹ ، ص ۳۶۷ ، ح ۱۲۲۵۴ ؛ بحارالأنوار ، ج ۹۳ ، ص ۱۳۵ (وفي الأربعة الأخيرة عن الإمام الصادق عليه السلام مع اختلاف يسير) .

2.مسند الشهاب ، ج ۲ ، ص ۱۴ و ۱۵ ، ح ۷۹۱ و ۷۹۲ ؛ سنن الترمذي ، ج ۴ ، ص ۱۱۵ ، ح ۲۷۲۸ ؛ مجمع الزوائد ، ج ۱۰ ، ص ۲۳۰ ؛ الزهد لابن المبارك ، ص ۲۷ ؛ الحلية ، ج ۸ ، ص ۱۷۸ ؛ المصنّف ، ج ۸ ، ص ۱۰۳ ، ح ۷۵ ، و ص ۲۸۴ ، ح ۳۳ ؛ المعجم الأوسط ، ج ۲ ، ص ۱۷۷ . الإرشاد ، ج ۱ ، ص ۲۲۶ ؛ بحارالأنوار ، ج ۷۴ ، ص ۴۱۷ (مع اختلاف يسير في الأخيرين) .

3.الأنفال (۸) : ۲۸ .

4.في المخطوطة : + «و عن» ، والظاهر أنَّ الواو زائدة.

5.تفسير مجمع البيان ، ج ۱۰ ، ص ۳۴ ؛ تفسير نور الثقلين ، ج ۵ ، ص ۳۴۲ ؛ تفسير البغوي ، ج ۴ ، ص ۳۵۴ ؛ الدر المنثور ، ج ۹ ، ص ۲۲۸ ؛ تفسير القرطبي ، ج ۱۸ ، ص ۱۴۳ . في مصادر الشيعة روي عن أميرالمؤمنين عليه السلام نحوه .

6.التغابن (۶۴) : ۱۴ .

  • نام منبع :
    ضياء الشّهاب في شرح شِهاب الأخبار
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق: سليماني الاشتياني،مهدي
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    سازمان چاپ و نشر دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1389
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 196308
صفحه از 627
پرینت  ارسال به