461
ضياء الشّهاب في شرح شِهاب الأخبار

وللحديث سببٌ ذكره جابر، قال : كنّا عند رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، إذ جاءه رجلٌ ببيضةٍ من ذهب ، فقال : أصبت هذا من معدن ، فخذها ؛ فهي صدقة ، ولا أملك غيرها . فأعرض النبيّ عنه وحذفه بها ، وقال : «يأتي أحدكم بما يملك ، فيقول هذه صدقة ، ويبعد فيتكفّف۱الناس» . ۲ وهذا لا يناقض قوله عليه السلام : «خير الصدقة جُهدٌ من مُقِلّ»۳ ؛ لأنّ الجُهد هو الطاقة ، فهو ينبئ أنّه يطيقه وإن جاهد نفسه بإخراجها ، ونفع العلم به وتعليمه ، وخيره ما يعود إلى عالِمهِ نفعهُ [و] فائدته عاجلاً وآجلاً ، والعمل الخالص للّه هو الذي ينفع ، ومن منافعه أن يكون حجّةً عند الخصام وعوناً عند الشدائد العظام .
وقوله : «خير الهدى ما اتُّبع» ، أراد به الطريقة المحمودة في القول والفعل البعيدة عن الإنكار على ألسن الناس جميعاً ، يتبع ويعوّل عليها .
ولا فعل من أفعال القلب مثل اليقين ؛ لأنّ بحصوله يصير البلاء نعمةً والرَّخاء مصيبةً. ومَن طلب منافع الناس فهو خيرهم ، والصاحبُ الخير من يحبّ خير الآخر.
وبيان الحديث فيما روي أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله قال : «ما اصطحب رجلان قطّ إلّا وإنّ اللّه سائل أحدهما عن صاحبه» . ۴
وخير المرافقين أربعة ؛ لأنّهم لو كانوا ثلاثة أمكن أن يجتمع اثنان على قتل الآخر ، ولا يكاد يجتمع الثلاثة على إيذاء واحدٍ ، وفيه نهيٌ عن التفرّد في السفر ، وأكثر من الأربعة زحام وتواكل . ۵ وإذا كان الطلائع وهي السرايا أربعمئة لا يتواكلون ولا يتخاذلون ، وإذا جاوز ذلك أدّى إلى التنازع . وكذلك في الجيش إذا زادوا على المقدار الذي اختاره ؛ فإنّه يُؤدّي إلى الشقاق وكثرة مؤونة ، ويخرّب كلّ موضع

1.في المخطوطة: «فكيف» أو «فيسكّف»، وما اُثبت من المصادر .

2.مسند أبي يعلى، ج ۴، ص ۱۵۵، ح ۲۲۲۰؛ جامع البيان لابن جرير الطبري، ج ۲، ص ۴۹۸، ح ۳۳۳۲؛ المستدرك للحاكم، ج ۱، ص ۴۱۳؛ سنن أبي داود، ج ۱، ص ۳۷۷؛ تفسير الثعلبي، ج ۲، ص ۱۵۳؛ الشرح الكبير، ج ۲، ص ۷۱۷ .

3.دعائم الإسلام، ج ۲، ص ۳۲۸؛ الخصال، ص ۵۲۴؛ معاني الأخبار، ص ۳۳۳ .

4.لم نعثر عليه في موضع .

5.تَواكَلَ القومُ مُواكلةً ووِكالاً: اتّكل بعضُهم على بعض. «لسان العرب، ج ۱۱، ص ۷۳۵، (وكل)» .


ضياء الشّهاب في شرح شِهاب الأخبار
460

حثَّ أوّلاً على أن يَدعو العبدُ ربّه ويَذكره سرّاً ؛ فإنّه أبعد من الرياء والسمعة ؛ قال تعالى في ذكر زكريّا : « إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَآءً خَفِيًّا »۱ ، و«الذِّكر» يكون نقيض النسيان ، والذي في الحديث هو باللسان وهو الثناء على اللّه ، لا الذي بالقلب فهو خافٍ لا يَعلمه غير اللّه .
وقال عليه السلام : «إنّ الذِّكر الذي لا يسمعه الحفَظَة يضاعَف على الذي تسمعه سبعين ضعفاً» . ۲
والرزق إذا كان كثيراً أو قليلاً يطغى العبد أو يشقى ، والكفاية نِعمَ الرزق .
وقيل : هو قوت يوم بيوم ولا تهتمّ لرزق غدٍ .
ثمّ دعا إلى الخفّة في أداء العبادة مع الكمال ؛ فإنّها تورث النشاط ، والعبادة مع النشاط أسرع إلى القبول .
ثمّ أمر باتّخاذ المجالس واسعة ؛ لأنّها إذا كانت ضيّقةً يتبرّم الإنسان بمجلس العلم ، و[مجلس] الدرس إذا كان ضيّقاً يمنع عن حسن التفهّم وتمكّن الاستماع ، وإذا كان المجلس في المأدبة والمائدة فإنّه يقطع الناس عن لذّة الطعام ضيقه ، فلهذا جعل خيرها في سعتها ؛ لئلّا يكون الناس في مشقّةٍ .
وروي أنّ أبا سعيد الخدري دخل مجلس قومٍ ، فقام بعضهم ليجلس هو في مجلسه ، فتنحّى وجلس في مكان واسعٍ ، وذكر الخبر . ۳
ثمّ قال : إنّ هذا الدِّين بأسره سهلٌ ليس فيه إصرٌ ولا ثقل كما كان على بني إسرائيل ، وخير النكاح أخفّهُ مؤونةً ، وأقلّه صداقاً ، وأحسنه معاشرة . وقيل : أيسر النكاح هو أن يسرع للخاطب الإجابة إذا خطب .
ثمّ قال : خيرُ صَدَقةٍ يتبرّع بها على غير عوض هو ما يكون عن كفاية عيلته ، لم يرد به الغنى في العرف ، ولا الغِنى الذي هو تلك النصاب ، و«الظهر» قد يُراد في مثل هذا إشباعاً للكلام .

1.مريم (۱۹) : ۳ .

2.مسند أبي يعلى ، ج ۸ ، ص ۱۸۲ ، ح ۴۷۳۸ ؛ الجامع الصغير ، ج ۱ ، ص ۶۶۸ ، ح ۴۳۵۲ ؛ كنزالعمّال ، ج ۱ ، ص ۴۱۴ ، ح ۱۷۵۰ ؛ تذكرة الموضوعات ، ص ۵۴ .

3.راجع: السنن الكبرى، ج ۳، ص ۱۹۴؛ صحيح إبن خزيمة، ج ۳، ص ۱۵۰ .

  • نام منبع :
    ضياء الشّهاب في شرح شِهاب الأخبار
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق: سليماني الاشتياني،مهدي
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    سازمان چاپ و نشر دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1389
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 197041
صفحه از 627
پرینت  ارسال به