وللحديث سببٌ ذكره جابر، قال : كنّا عند رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، إذ جاءه رجلٌ ببيضةٍ من ذهب ، فقال : أصبت هذا من معدن ، فخذها ؛ فهي صدقة ، ولا أملك غيرها . فأعرض النبيّ عنه وحذفه بها ، وقال : «يأتي أحدكم بما يملك ، فيقول هذه صدقة ، ويبعد فيتكفّف۱الناس» . ۲ وهذا لا يناقض قوله عليه السلام : «خير الصدقة جُهدٌ من مُقِلّ»۳ ؛ لأنّ الجُهد هو الطاقة ، فهو ينبئ أنّه يطيقه وإن جاهد نفسه بإخراجها ، ونفع العلم به وتعليمه ، وخيره ما يعود إلى عالِمهِ نفعهُ [و] فائدته عاجلاً وآجلاً ، والعمل الخالص للّه هو الذي ينفع ، ومن منافعه أن يكون حجّةً عند الخصام وعوناً عند الشدائد العظام .
وقوله : «خير الهدى ما اتُّبع» ، أراد به الطريقة المحمودة في القول والفعل البعيدة عن الإنكار على ألسن الناس جميعاً ، يتبع ويعوّل عليها .
ولا فعل من أفعال القلب مثل اليقين ؛ لأنّ بحصوله يصير البلاء نعمةً والرَّخاء مصيبةً. ومَن طلب منافع الناس فهو خيرهم ، والصاحبُ الخير من يحبّ خير الآخر.
وبيان الحديث فيما روي أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله قال : «ما اصطحب رجلان قطّ إلّا وإنّ اللّه سائل أحدهما عن صاحبه» . ۴
وخير المرافقين أربعة ؛ لأنّهم لو كانوا ثلاثة أمكن أن يجتمع اثنان على قتل الآخر ، ولا يكاد يجتمع الثلاثة على إيذاء واحدٍ ، وفيه نهيٌ عن التفرّد في السفر ، وأكثر من الأربعة زحام وتواكل . ۵ وإذا كان الطلائع وهي السرايا أربعمئة لا يتواكلون ولا يتخاذلون ، وإذا جاوز ذلك أدّى إلى التنازع . وكذلك في الجيش إذا زادوا على المقدار الذي اختاره ؛ فإنّه يُؤدّي إلى الشقاق وكثرة مؤونة ، ويخرّب كلّ موضع
1.في المخطوطة: «فكيف» أو «فيسكّف»، وما اُثبت من المصادر .
2.مسند أبي يعلى، ج ۴، ص ۱۵۵، ح ۲۲۲۰؛ جامع البيان لابن جرير الطبري، ج ۲، ص ۴۹۸، ح ۳۳۳۲؛ المستدرك للحاكم، ج ۱، ص ۴۱۳؛ سنن أبي داود، ج ۱، ص ۳۷۷؛ تفسير الثعلبي، ج ۲، ص ۱۵۳؛ الشرح الكبير، ج ۲، ص ۷۱۷ .
3.دعائم الإسلام، ج ۲، ص ۳۲۸؛ الخصال، ص ۵۲۴؛ معاني الأخبار، ص ۳۳۳ .
4.لم نعثر عليه في موضع .
5.تَواكَلَ القومُ مُواكلةً ووِكالاً: اتّكل بعضُهم على بعض. «لسان العرب، ج ۱۱، ص ۷۳۵، (وكل)» .