515
ضياء الشّهاب في شرح شِهاب الأخبار

أحدٌ من بني آدم إلّا كذلك ؛ ألا ترى أنّه قد كان للّه عباد خفروا ۱ ، ولو جعلت الجبال ذهباً لم يلتفتوا إليها .
ثمّ حثَّ على حسن التوكّل على اللّه وتفويض الأمر إليه والثقة بجميع صنعه وحسن تدبيره ؛ فإنّ هذه الطيور لمّا كان اعتمادها على اللّه ولم يكن لها مالٌ ولا كسبٌ غدت جياعاً وراحت شباعاً . و«البِطان» : الممتلية من الأكل والشرب ، و«الخِماص» : على ضدّ ذلك جمع خميصٍ وهو ضامر البطن من الجوع .
ثمّ نبّه على أنّ العُجب أعظم من ذنوب كثيرة ، فلو لم يُذنِب ابنُ آدم وعجب من نفسه ، ودَخل عليه عُجب بسبب صلاته وصومه وزكاته ونحو ذلك ، لكان هذا أعظم عند اللّه من كثيرٍ من الذنوب .
ثمّ ذكر سعة رحمة اللّه وفضله فقال : لو لم تكونوا أيُّها الحاضرون مُذنبين ، واستعفيتم ۲ فرضاً وتقديراً ، لكان في عباد اللّه من يرتكب الحرام ويقترمَنَّ ۳ العظائم ، ويغفر اللّه له ويعفو ۴ عنه تفضّلاً وكرماً بعد أن كان مؤمناً ، ويُدخله الجنّة بفضله .

1.في المخطوطة تقرأ: «حفروا»، والمناسب ما اُثبت، ويراد به: أنّهم في ذمّة اللّه وجواده. انظر: لسان العرب، ج ۴، ص ۲۵۳ (خفر).

2.كذا في المخطوطة ، ويبدو أن الصحيح : «استعففتم» .

3.أي اشتهى العظائم وارتكبها. انظر: القاموس المحيط، ج ۲، ص ۱۵۱۱ (قرم).

4.في المخطوطة: «يغفر»، والمناسب ما اُثبت .


ضياء الشّهاب في شرح شِهاب الأخبار
514

وقيل : المراد به الذهاب ؛ لأنّ الإنسان يسير إليه .
وبيان الخبر الخامس في تمامه : «ليكثر ثوابه» ؛ أي : إنّ المؤمن لا يخلو من نَصَبٍ أو تَعَبٍ في الدُّنيا ؛ لأنّها لا تخلو من الفتن والمحن .
ومعنى: «لقيّض اللّه له من يُؤذيه» على المَجاز ؛ أي لسبّب اللّه له عدوّاً تناله مَضرّته ومشقّته .
وقال عليه السلام : «ما من مؤمن إلّا قيّض اللّه له جاراً يؤذيه ، فإن صَبَر على أذاه آجره اللّه » . ۱
وقوله : «ولو كانت الدُّنيا تَزِنُ عند اللّه جناح بعوضة» ، معناه : ليست نِعَم الدُّنيا كلّها إلّا تفضّلاً من اللّه تعالى على عباده ، فلو كانت على سبيل الاستحقاق وكان قيمتها مثل جناح بعوضة لما سقى اللّه مَن كفر به شربة ماءٍ منها .
وقيل : بيان الخبر في قوله تعالى : « وَ لَوْلَا أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَ حِدَةً لَّجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَـنِ » إلى قوله : « لِلْمُتَّقِينَ »۲ .
ثمّ قال : إنّ أكثر بني آدم غلبَ عليهم الأطماع ، بحيث لو كان له وادٍ مملوٍّ من ذهبٍ جيّدٍ لا غشّ [فيه ]لطلب وادياً آخر مثل ذلك منضمّاً إلى الأوّل ، وإذا كان الأمر على [هذا المنوال] فابن آدم إنّما ينقطع طمعه من حطام الدُّنيا إذا سُلِّم إلى التراب واللحد . ويَقبل اللّه توبة من رجع إليه وندم ممّا كان عليه .
و«تاب اللّه على العبد» له معنيان :
أحدهما ؛ أي : قَبِلَ اللّه توبته .
والثاني ؛ أي : ألقى اللّه التوبة عليه ؛ يعني : وفّقه اللّه للتوبة .
و«يتوب اللّه على من تاب» يجوز أن يكون دعاء ، ويجوز أن يكون خبراً يحثّ به على الزهد في ۳ مال الدُّنيا ، وليس الخبر على الشياع والعموم بحيث لا يكون

1.راجع : تذكرة الموضوعات ، ص ۲۰۳ .

2.الزخرف (۴۳) : ۳۳ ـ ۳۵ .

3.في المخطوطة : «و» بدل «في» ، والظاهر أنّه تصحيف ، فصحّحناه .

  • نام منبع :
    ضياء الشّهاب في شرح شِهاب الأخبار
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق: سليماني الاشتياني،مهدي
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    سازمان چاپ و نشر دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1389
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 195143
صفحه از 627
پرینت  ارسال به