ويقول : إلى حالتك انتهى أماني الخلق يا من هو في العافية ، احمَد اللّه على العافية ، وسَلْهُ تمام العافية ؛ فإنّها أعظم النِّعم .
ثمّ قال : ياربّ ، اجعل توبتي في موضع القبول ؛ ومعنى «توبتي» أي : رجوعي عن الذنوب والخطايا ، «واغسل حوبتي» أي : أزل عنّي الدَّرَن من الآثام والعيوب كما يُزال وَسَخ الثوب بالماء . و«الحوبة» : الإثم .
وروي : «وارحم حوبتي» ، وفسّرت بالحاجة والمسكنة ؛ وإنّما سمّوا الحاجة حوبةً لكونها مذمومة غير مرضيّة ، وكلّ ما لا يرتضونه ۱ فهو عندهم خطيئة وسيّئة ، وإذا ارتضوا شيئاً سمّوه خيراً ورشداً وصواباً. وإنّما أقام إماطة وزرها وإسقاط إثمها مقام غسل الأدران ؛ لأنّ الإنسان بعدها يعود نقيّ الأثواب .
وهذا الدُّعاء منه عليه السلام على وجه التعبّد والخضوع ، لا أنّ له حوبةً فيستحطّ وزرها ويستغسل دَرَنها ، ويكون قوله ذلك على طريق التعليم لاُمّته ؛ كيف يتوب العاصي ، ويستأمن الخائف .
والسبب الذي لأجله قلنا إنّ الأنبياء لا يجوز أن يواقعوا المعاصي أنّ الحَكَم ۲ إذا أرسل رسولاً جَنَّبه كلّ ما ينفِّر عنه ، والمعاصي منفّرة في العادات ، وليس ههنا موضع بيانه .
وعنه عليه السلام : «اللّهُمَّ إليك أرفع حوبتي» . ۳
ثمّ سأل ربّه عيشاً سويّاً على السَّداد والرَّشاد بعيداً عن الزيغ والفساد ، و«عيشةً سويّةً» ؛ يعني ذات سواء ، و«ميتةً نقيّةً ۴ » ؛ أي طاهرةً من الشُّبهات والشهوات والآفات والعاهات .
و«مردّاً» أي مرجعاً إليك ، لا يُخزي صاحبه ، و«الخزي» : الهوان والمذلّة .
1.في المخطوطة : «ترتضونه» ، والظاهر أنّه تصحيف ؛ بقرينة «ارتضوا» .
2.كذا في المخطوطة ، ويبدو أن يكون الصحيح : «الحكيم» .
3.الفائق في غريب الحديث ، ج ۱ ، ص ۲۸۶ ؛ تفسير القرطبي ، ج ۵ ، ص ۱۰ ؛ النهاية لابن الأثير ، ج ۱ ، ص ۴۵۵ .
4.في المخطوطة : «تقيّة» ، وهو تصحيف من الكاتب ، لا يلائم مع معناه : «طاهرة» الذي ذكره الشارح .