69
ضياء الشّهاب في شرح شِهاب الأخبار

والصيغة التي ذكرها في الخبرين بمنزلة قولهم : «أبو يوسف أبو حنيفة» أي يتنزّل منزلته ويقوم مقامه ، فالعدة كالدَّين لكانت دونهما بدرجات .
وقيل : ورد هذا الخبر في حقّ الواعد ، والأوّل في حقّ الموعود فحسب .

۶.الحَرْبُ خُدْعَةٌ . ۱

معناه : أنّ المماكرة في الحرب أبلغ وأنفع من المكابرة والإقدام عن غير علمٍ .
وقيل : معناه إذا خُدِع المقاتل مرّةً واحدة لم يكن لها إقالة . وفَتْحُ الخاء أفصح ، وروي بضمّها ، والمعنى : أنّ بعض الحرب حيلة ليس كلّها بالقوّة ، أو أصل الحرب مكر ، وبضمّ الخاء ونصب الدال بمعنى : أنّها تخدع الرجال وتمنّيهم ، ثمّ لا تفي لهم ، ونحو قوله عليه السلام : الحرب سِجالٌ ۲ ، مرّةً لنا ومرّةً علينا ۳ .
وفائدة الخبر : أنّ المحارب إذا خَدع من يحاربه مرّة وانخدع له ظفر به وهزمه ، ومعناه على ۴ الخدعة ، أي يخدع فيها القِرن ، والخدعة نعت الحرب أي إنّها تخدع الرجال .
وفيه دليل على جواز المماكرة في الحرب ، وإنّما تؤنّث الحرب لأنّها اسم للمحاربة ، وفي الأصل مصدر حَرَبَه ، إذا سَلَبَه حرباً .
والخَدْعَةُ : المرّة من الخداع ، والخُدعة : ما يُخدَع به الصبيُّ وغيره ، كأنّها مخدوع

1.مسند الشهاب ، ج ۱ ، ص ۴۰ ، ح ۸ ـ ۱۲ ؛ مسند أحمد ، ج ۱ ، ص ۹۰ و ۱۲۶ ؛ و ج ۳ ، ص ۲۲۴ و ۳۰۸ ؛ صحيح البخاري ، ج ۴ ، ص ۲۴ و ۱۷۹ ؛ صحيح مسلم ، ج ۳ ، ص ۱۱۴ . وفي الكافي ، ج ۷ ، ص ۴۶۰ ، ح ۱ ؛ والفقيه ، ج ۴ ، ص ۳۷۸ ، ح ۵۷۹۴ ، والتهذيب ، ج ۶ ، ص ۱۶۲ ، ح ۲۹۸ عن أمير المؤمنين عليه السلام .

2.قال الخليل في العين (ج ۶ ، ص ۵۳ سجل) : «السَّجل : ملاك [مِل ء ـ ظ] الدلو ، وأعطيته سِجلاً وسجلين ، وأسجلته . والحرب سِجالٌ : أي مرّة سجل على هؤلاء ومرّة على هؤلاء ، والمساجلة : المغالبة ، أيّهما يغلب صاحبه» . و راجع أيضا : لسان العرب ، ج ۱۱ ، ص ۳۲۵ (سجل) .

3.راجع : الكافى ، ج ۵ ، ص ۴۱ ، ح ۴ ؛ وسائل الشيعة ، ج ۱۵ ، ص ۹۶ ، ح ۲۰۰۵۸ ؛ نهج السعادة ، ج ۸ ، ص ۳۴۴ ، ح ۴۷ ؛ السنن الكبرى ، ج ۵ ، ص ۱۹۰ ؛ المعجم الكبير ، ج ۱۰ ، ص ۳۰۲ ، ح ۱۰۷۳۱ .

4.كذا في المخطوطة .


ضياء الشّهاب في شرح شِهاب الأخبار
68

وقال عليه السلام : إذا وعد أخاه شيئاً فلم يفِ له به وفي نيّته الوفاء ، فلا إثم عليه ۱ .
و«العِدة» : الوعد كالزِّنة والوزن ، والصِّفة والوصف ، وأصلها : وَعدة ووزنة ووصفة . و : «وعدت فلاناً» إذا كان هكذا مطلقاً كان الموعود به خيراً ، وإذا كان مقيّداً فهو صالح للخير والشرّ ، تقول : وعدتُه خيراً ووعدته شرّاً ، فأمّا أوعد فهو من الوعيد ، لا تستعمل إلّا في الشرّ . و«العطية» : اسم للإعطاء ؛ لأنّ الفعل منه أعطى يُعطي .
فإن قيل : كيف يصحّ روايتكم : «الكريم إذا وعد وفى ، وإذا أوعد عفا»۲ ، فإذا كان اللّه لا يخلف الميعاد ، فهل يجوز أن يخلف الإيعاد ليكون في غاية الكرم كما قلتم ؟
قلنا : لا يجوز ذلك ؛ لأنّ الخلف كذب ، سواء كان للميعاد أو للإيعاد ، إلّا أنّا نقول : من عفا اللّه وغفر له فالوعيد لم يتناوله في سابق علم اللّه ، ولم يدخل في عموم قوله : « وَمَن يَعْصِ اللَّهَ »۳ .

۵.العِدَةُ دَينٌ . ۴

معناه : إذا وعدت أخاك شيئاً فأوفِ له بذلك ؛ فإنّ الوفاء بالوعد يجب كوجوب قضاء الدين في قضيّة العقل . والأظهر أنّ هذا الخبر حثّ لِلمواعِدِ على الإنجاز والوفاء فقط ، والخبر الأوّل له معنيان كما ذكرنا :
أحدهما : الحثّ على الوفاء بالمواعيد ، وأنّه يكره الخُلف فيها كما يكره الرجوع في العطاء .
والثاني : أنّه بشارةٌ للموعود إذا كان من كريم ، وقد ذكرنا سببه المؤكِّد لهذا الوجه .

1.راجع : ميزان الاعتدال للذهبي ، ج ۴ ، ص ۵۸۵ ، ذيل ح ۱۰۷۲۲ .

2.عيون الحكم ، ص ۲۷ ؛ غرر الحكم ، ص ۱۵۲۸ ؛ الفتوحات المكّيّة ، ج ۲ ، ص ۵۳۴ (مع اختلاف يسير في الجميع) .

3.النساء (۴) : ۱۴ .

4.مسند الشهاب ، ج ۱ ، ص ۴۰ ، ح ۷ ؛ المعجم الأوسط ، ج ۴ ، ص ۲۳ ؛ المعجم الصغير ، ج ۱ ، ص ۱۵۰ ؛ المغني لابن قدامة ، ج ۱۲ ، ص ۹۲ . و لم نعثر عليه و ولا على مضمونه في مصادر الشيعة .

  • نام منبع :
    ضياء الشّهاب في شرح شِهاب الأخبار
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق: سليماني الاشتياني،مهدي
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    سازمان چاپ و نشر دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1389
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 198379
صفحه از 627
پرینت  ارسال به