121
التّصحيف في متن الحديث

الحروف، وهيئة الكلمة الناتجة عن صياغة الحروف ضمن قالب معيّن، ولهذا فإنّ لكلّ هيئة معنى معيّن؛ فهيئة الفاعل تدلّ على صدور الفعل من الشخص، وهيئة المفعول تدلّ على وقوع الفعل عليه، وهكذا. وهذا واضح لمن له أدنى اطّلاع على اللغة العربية.
من جانب آخر فإنّ مخارج الحروف محدودة ومعدودة، ولهذا فإنّ الحروف العديدة قد تكون من مخرج واحد، وتختلف فيما بينها بالرقّة والغلظة، نظير: «التاء والطاء» و«الهمزة والعين» و«الذال والضاد والظاء» و«السين والصاد»، أو قد تتقارب مخارجها نظير: «القاف والكاف».
والذي ينتج عن النقطتين المذكورتين (اتّحاد أو تقارب مخارج الحروف)، و(اعتماد اللغة على مبدأ الاشتقاق لبيان المعاني وبالتالي وجود هيئات ثابتة) أنّ بعض الكلمات تتقارب أصواتها بسبب اتّحاد هيئتها وتقارب مخارج حروفها، وهذا ما يعكس أثره في وقوع الاشتباه بينها أحياناً، وهذا هو مرادنا من أنّ التشابه الصوتي سبب للتصحيف. وإليك بعض نماذج ذلك:

النموذج الأوّل:

۱۴۱.۱) في بحار الأنوار نقلاً عن تفسير العيّاشي: عَن الحَسَنِ بنِ مُحَمَّدِ الجَمّالِ، عَن بَعضِ أَصحابِنا قالَ: بَعَثَ عَبدُ المَلِكِ بنُ مَروانَ إِلى عامِلِ المَدينَةِ: أَن وَجِّه إِلَيَّ مُحَمَّدَ بنَ عَليِّ بنِ الحُسَينِ، وَلا تُهَيِّجهُ وَلا تُرَوِّعهُ، وَاقضِ لَهُ حَوائِجَهُ؛ وَقَد كانَ وَرَدَ عَلى عَبدِ المَلِكِ رَجُلٌ مِنَ القَدَريَّةِ، فَحَضَرَ جَميعُ مَن كانَ بِالشّامِ، فَأَعياهُم جَميعاً، فَقالَ: ما لِهَذا إِلّا مُحَمَّدُ بنُ عَليٍّ، فَكَتَبَ إِلى صاحِبِ المَدينَةِ أَن يَحمِلَ مُحَمَّدَ بنَ عَليٍّ إِلَيهِ.
فَأَتاهُ صاحِبُ المَدينَةِ بِكِتابِهِ، فَقالَ أَبو جَعفَرٍ عليه ‏السلام :
إِنّي شَيخٌ كَبيرٌ لا أَقوى عَلى الخُروجِ، وَهَذا جَعفَرٌ ابني يَقومُ مَقامي. فَوَجَّهَهُ إِلَيهِ.


التّصحيف في متن الحديث
120

أَبانِ بنِ عُثمانَ، عَن عَبدِ الرَّحمَنِ بنِ أَبي عَبدِ اللّه‏ِ، عَن أَبي عَبدِ اللّه‏ِ عليه ‏السلام قالَ: مَن شَرِبَ مُسكِراً انحَبَسَت صَلاتُهُ أَربَعينَ يَوماً، وَإِن ماتَ في الأَربَعينَ ماتَ ميتَةً جاهِلِيَّةً، فَإِن تابَ تابَ اللّه‏ُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيهِ . 1

والظاهر صحّة نسخة الكافي؛ إذ الوارد في الأحاديث الأُخرى أنّ شارب المسكر لا تُقبل صلاته أربعين يوماً ۲ ، وهو موافق لنسخة «انحبست»، لا نسخة «بخست» كما لا يخفى.
زبدة المخاض في هذا السبب: إذا اشتمل الحديث على كلمة في آخرها حرف (وغالباً هو الألف) بحيث إذا اجتمع مع حرف لاحق له صارا كلمة مستقلّة، فهذه الكلمات مظنّة للتصحيف. وهذا ما قد يعكس أثره في بعض المجالات ـ كالفقه ـ أكثر؛ حيث يتأثّر الحكم الشرعي بحرف واحد أيضاً كما في العطف بالواو أو ب «أو».
علماً أنّني لم أستقصِ مظانّ الاشتباه ولم أحصرها بالحروف المذكورة، بل ذكرت ضابطة لما يمكن وقوع التصحيف فيه بهذا السبب، فما كان داخلاً فيها فهو مظنّة التصحيف، وينبغي الدقّة فيه ومقارنته بالنصوص الأُخرى.

3. ما يرجع إلى النطق

أ ـ التشابه الصوتي بين الكلمات

اللغة العربية لغة واسعة جدّاً، وفي نفس الوقت حروفها ليست بالكثيرة ، فهي لا تتمتّع إلّا بثمان وعشرين حرفاً، وهي قليلة بالنسبة لسعتها ودقّتها في بيان المعاني ، لكنّها تسدّ الفراغ الموجود من ناحية الحروف باعتمادها في بيان المعاني على مبدأ الاشتقاق؛ فتجعل المعنى الأصلي للجذر، وتبيّن الخصوصيات من خلال بُنية الكلمة. وبعبارة أُخرى: هي تستعين في بيان المعاني بأمرين: مادّة الكلمة وهي

1.الكافي: ج ۶ ص ۴۰۰ ح ۱.

2.انظر: الكافي: ج ۶ ص ۴۰۰ ح ۲ و۳ و۶ و۱۰ و۱۲ وغيرها.

  • نام منبع :
    التّصحيف في متن الحديث
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث، للطباعة و النشر
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1432 ق / 1390 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
    شمارگان :
    1000
    قیمت :
    45000 ریال
تعداد بازدید : 253009
صفحه از 277
پرینت  ارسال به