137
التّصحيف في متن الحديث

لتطوّر الحياة وتغيّرها، ولهذا نجد استعمال بعض الكلمات في عصر دون آخر ۱ ، وهذا هو دأب جميع اللغات ولا يخصّ اللغة العربية.
فإذا وردت في الحديث الشريف كلمة كانت مستعملة آنذاك ثمّ اندرس استعمالها أو صار نادراً، فإنّها ستكون في معرض التصحيف، وإليك فيما يلي بعض النماذج:

النموذج الأوّل:

۱۷۴.۱) في مستدرك الوسائل: اللَّهُمَّ اسقِنا غَيثاً مَريعاً، مُمرِعاً عَديماً، واسِعاً غَزيراً، يُرَوّيهِ البُهمُ، وَيُجبَر بِهِ الهَمُّ، اسقِنا سَقياً تَسيلُ مِنهُ الرُّضابُ، وَيَملأُ مِنهُ الحِبابُ، وَتُفَجِّرُ مِنهُ الأَنهارَ، وَتُنبِتُ بِهِ الأَشجارَ، وَتُرَخِّصُ بِهِ الأَسعارَ في جَميعِ الأَمصارِ، وَتَنعَشُ بِهِ البَهائِمَ وَالخَلقَ، وَتُنبِتُ بِهِ الزَّرعَ، وَتُدِرُّ بِهِ الضَّرعَ، وَتَزِدنا بِهِ قوَّةً إِلى قوَّتِكَ . ۲

۱۷۵.۲) وفي بحار الأنوار: اللَّهُمَّ اسقِنا غَيثاً مَريعاً مُمرِعاً، عَريضاً واسِعاً غَزيراً، تَرُدُّ بِهِ النَّهيضَ، وَتَجبُرُ بِهِ المَهيضَ، اللَّهُمَّ اسقِنا سَقياً تُسيلُ مِنهُ الرِّحابَ، وَتَملأُ بِهِ الجِبابَ، وَتُفَجِّرُ بِهِ الأَنهارَ، وَتُنبِتُ بِهِ الأَشجارَ، وَتُرَخِّصُ بِهِ الأَسعارَ في جَميعِ الأَمصارِ، وَتَنعَشُ بِهِ البَهائِمَ وَالخَلقَ، وَتُنبِتُ بِهِ الزَّرعَ، وَتُدِرُّ بِهِ الضَّرعَ، وَتَزيدُنا بِهِ قوَّةً إِلى قوَّتِنا . ۳

فإنّ كلمة «الجباب» قليلة الاستعمال، قال ابن منظور في بيان معنى هذه الكلمة:
الجُبُّ: البِئرُ، مذكّر. وقيل: هي البِئر لم تُطوَ. وقيل: هي الجَيِّدةُ الموضع من الكَلإِ. وقيل: هي البِئر الكثيرة الماء البَعيدةُ القَعرِ. والجمع: أَجبابٌ وجِبابٌ وجِبَبةٌ . ابن شميل: الجِبابُ: الركايا تُحفَر يُنصَبُ فيها العنب؛ أي يُغرس فيها

1.نظير أدوات الحرب، من القوس والمغفر والريش و... فإنّها كانت مستعملة في العصور السابقة، ولا تستعمل هذا اليوم؛ بسبب تطوّر الحياة وتطوّر آلات الحرب.

2.مستدرك الوسائل: ج ۶ ص ۱۷۹ ح ۶۷۱۷ نقلاً عن الجعفريات، الجعفريات: ص ۴۹.

3.بحار الأنوار: ج ۸۸ ص ۳۱۵ نقلاً عن نوادر الراوندي، النوادر: ص ۲۹ باختلاف يسير.


التّصحيف في متن الحديث
136

آخُذُ مِنهُ عِلماً؟ وَمَرَّ، فَقُلتُ له: يا هَذا، هَل سَمِعتَ قَولَ النَّبيِّ صلى‏ الله‏ عليه‏ و‏ آله : أَنا مَدينَةُ العِلمِ وَعَليٌّ بابُها؟ فَقالَ: نَعَم، قُلتُ: وَأَينَ تَذهَبُ وَهَذا عَليُّ بنُ أَبي طالِبٍ. فانصَرَفَ الرَّجُلُ، وَجَثا بَينَ يَدَيهِ، فَقالَ لَهُ عليه ‏السلام : مِن أَيِّ بِلادِ اللّه‏ أَنتَ؟ قالَ: مِن أَصفَهانَ، قالَ لَهُ: اكتُب، أَملى عَليُّ بنُ أَبي طالِبٍ عليه ‏السلام أَنَّ أَهلَ أَصفَهانَ لا يَكونُ فيهِم خَمسُ خِصالٍ: السَّخاوَةُ وَالشَّجاعَةُ وَالأَمانَةُ وَالغَيرَةُ وَحُبُّنا أَهلَ البَيتِ. قالَ: زِدني يا أَميرَ المُؤمِنينَ، قالَ بِاللِّسانِ الأَصفَهاني: ارُوت اين وَس؛ يَعني: اليَومَ حَسبُكَ هَذَا . 1

في حين أنّنا لا نجد للعبارة «اروت اين وس» معنى باللغة الفارسية، ومن خلال معناها بالعربية والذي ذكر في ذيل الخبر يتّضح أنّ الصحيح هو «امروزت اين بسه»، فحصل الاشتباه في نقلها بسبب عدم معرفة الناقل باللغة الفارسية.

ب ـ قلّة استعمال اللفظ

إذا راجعنا الحديث الشريف وتأمّلنا في ألفاظه وجدناها عين الألفاظ المستعملة في المحاورات العرفية للمجتمع، لا أنّها من لغةً أُخرى، أو تخضع لقواعد أُخرى. ولهذا فإنّ الألفاظ المستعملة في أغلب الأحاديث واضحة لا غموض فيها. ۲
إنّما الكلام في نقطة أُخرى وهي أنّ اللغة ظاهرة اجتماعية، الهدف منها هو التفاهم بين أفراد المجتمع، إذ الإنسان بحاجة للآخرين في تلبية حوائجه ومتطلّباته، وبالتالي فهو بحاجة لأداةٍ يستطيع من خلالها إيجاد الارتباط بالآخرين ونقل ما يريده إليهم. وبما أنّ الحياة في حال تغيّر وتطوّر مستمّر ، فالحوائج والمتطلّبات هي الأُخرى في حال تغيّر أيضاً، ومن هنا تزداد بعض الكلمات وتندرس أُخرى؛ نتيجة

1.الخرائج والجرائح: ج ۲ ص ۵۴۵، بحار الأنوار: ج ۴۱ ص ۳۰۱ ح ۳۲.

2.قد تُستعمل في الحديث بعض الاصطلاحات كما تُستعمل في العلوم المختلفة، وهو أمر طبيعي جدّاً، وفهم الاصطلاح يخضع لقواعد وأساليب خاصّة ليس هنا محلّ بحثها، كما قد نجد فيها بعض الكلمات المبهمة، إلّا أنّ أسباب غرابتها وإبهامها عديدة، يرجع بعضها إلى تطوّر اللغة وتغيّر الاستعمال على مدى القرون التي تفصلنا عن صدور الحديث، وبعضها لأسباب أُخرى، وهي بحاجة إلى دراسة مستقلّة.

  • نام منبع :
    التّصحيف في متن الحديث
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث، للطباعة و النشر
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1432 ق / 1390 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
    شمارگان :
    1000
    قیمت :
    45000 ریال
تعداد بازدید : 253083
صفحه از 277
پرینت  ارسال به