153
التّصحيف في متن الحديث

قالَ: يُقَدَّرُ في لَيلَةِ القَدرِ كُلُّ شَيءٍ يَكونُ في تِلكَ السَّنَةِ إِلى مِثلِها مِن قابِلٍ، خَيرٍ وَشَرٍّ، وَطاعَةٍ وَمَعصيَةٍ، وَمَولودٍ وَأَجَلٍ أَو رِزقٍ، فَما قُدِّرَ في تِلكَ السَّنَةِ وَقُضيَ فَهوَ المَحتومُ، وَللّه‏ِ عَزَّ وَجَلَّ فيهِ المَشيئَةُ. قالَ: قُلتُ: « لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ »۱ ، أَيَّ شَيءٍ عُنيَ بِذَلِكَ؟ فَقالَ: العَمَلُ الصّالِحُ فيها مِنَ الصَّلاةِ والزَّكاةِ وَأَنوَاعِ الخَيرِ، خَيرٌ مِنَ العَمَلِ في أَلفِ شَهرٍ لَيسَ فيها لَيلَةُ القَدرِ، وَلَولا ما يُضاعِفُ اللّه‏ُ تَبارَكَ وَتَعالى لِلمُؤمِنينَ ما بَلَغُوا، وَلَكِنَّ اللّه‏َ يُضاعِفُ لَهُمُ الحَسَناتِ بِحُبِّنا . ۲

فإنّ الحديث في مقام بيان المراد من الليلة المباركة، وأنّها ليلة القدر، وأنّه يفرق فيها كلّ أمر حكيم كما ورد في الآية المباركة، ثمّ ذكرت الرواية هذه العبارة: «فَما قُدِّرَ في تِلكَ السَّنَةِ وَقُضيَ فَهوَ المَحتومُ»، في حين أنّ الكلام عن الليلة المباركة في الآية والتي يراد بها ليلة القدر وتقدّر فيها الأُمور، كما أنّ مفاد الآية الكريمة: « فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ » ، هو أنّ قضاء الأُمور في خصوص ليلة القدر لا في تمام السنة كما يبدو من هذه العبارة ۳ . فهذه العبارة تتنافى مع ظاهر الآية الكريمة.
لكنّنا إذا ما راجعنا النصّ في المصادر الحديثية الأُخرى وجدناه كالتالي:

۱۹۸.۲) في كتاب من لا يحضره الفقيه: وَسَأَلَ حُمرانُ أَبَا جَعفَرٍ عليه ‏السلام عَن قَولِ اللّه‏ِ عَزَّ وَجَلَّ:« إِنَّـآ أَنزَلْنَـهُ فِى لَيْلَةٍ مُّبَـرَكَةٍ »، قالَ: هيَ لَيلَةُ القَدرِ، وَهيَ في

1.القدر: ۲.

2.الكافي: ج ۴ ص ۱۵۷ ح ۶.

3.ليعلم أنّ المراحل المذكورة في قوله: «فَما قُدِّرَ في تِلكَ السَّنَةِ وَقُضيَ فَهوَ المَحتومُ»، وهي: «التقدير، القضاء، الحتمية أو الإحكام» مترتّبة على بعضها البعض، فالتقدير يكون أوّلاً، ثمّ يكون القضاء، ثمّ يكون الإحكام والحتمية، ولا يكون قضاء إلّا لما قدّر، كما لا تكون حتمية إلّا لما قضي. والقضاء لا يعني عدم قابلية المقضي للتغيير كما قد يتصوّر البعض، ولهذا ورد في الروايات الكثيرة الإشارة إلى أنّه يمكن تغيير القضاء ببعض الأعمال، كما يمكن رفع الحتمية ببعض الأعمال أيضاً؛ فصلة الرحم تزيد في العمر، وعمر الإنسان من المقدّرات، «والدعاء يردّ القضاء وقد أُبرم إبراماً» كما في الروايات الشريفة، وهو رفع للحتمية. وبما أنّ القضاء له زمان معيّن وهو ليلة القدر كما دلّت الآية الكريمة، فهو يقتضي أن يكون التقدير فيها أيضاً؛ لأنّه سابق على القضاء، بل هو معنى «القدر». وعلى أىّ حال، فالتقدير والقضاء كلاهما في ليلة القدر لا في غيرها.


التّصحيف في متن الحديث
152

و بما أنّ هذه الأُمور ليست مترتّبة على بعضها البعض، بل كلّ منها في عرض الآخر، فقد جعلتها ضمن مجموعتين رئيسيتين هما:
1. ما يرجع إلى عدم انسجام الحديث مع بعض الأُمور الخارجية ـ من الاستعمال القرآني، أو الحديثي، أو اللغوي، أو الثوابت الفقهية، أو التاريخ، أو غيرها ـ وجعلتها تحت عنوان «الدلالات الخارجية».
2. ما يرجع إلى فقدان نصّ الحديث لبعض الخصوصيات، وأطلقنا عليه عنوان «الدلالات الداخلية».

1. الدلالات الخارجية

أ ـ الاستعمال القرآني

بما أنّ النبي صلى‏ الله‏ عليه‏ و‏ آله هو المبعوث بالقرآن والمبلّغ لمبادئه وأحكامه، فلا يعقل أن يتكلّم بما يخالفه، وكذلك أهل بيته عليهم ‏السلام الذين هم خلفاؤه وأوصياؤه، فكلام المعصوم عليه ‏السلام لا يمكن أن يخالف القرآن الكريم، فإذا رأينا في الحديث ما يخالف القرآن فهو ممّا ينبئ إمّا عن الدسّ والوضع، أو وجود خلل في النقل من وقوع التصحيف أو غيره، فمن ذلك:

النموذج الأوّل:

۱۹۷.۱) في الكافي: عَليُّ بنُ إِبراهيمَ، عَن أَبيهِ، عَنِ ابنِ أَبي عُمَيرٍ، عَن عُمَرَ بنِ أُذَينَةَ، عَنِ الفُضَيلِ وَزُرارَةَ وَمُحَمَّدِ بنِ مُسلِمٍ، عَن حُمرانَ أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا جَعفَرٍ عليه ‏السلام عَن قَولِ اللّه‏ِ عَزَّ وَجَلَّ:« إِنَّـآ أَنزَلْنَاهُ فِى لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ »۱، قالَ: نَعَم، لَيلَةُ القَدرِ، وَهيَ في كُلِّ سَنَةٍ في شَهرِ رَمَضانَ، في العَشرِ الأَواخِرِ، فَلَم يُنزَلِ القُرآنُ إِلّا في لَيلَةِ القَدرِ، قالَ اللّه‏ُ عَزَّ وَجَلَّ: « فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ »۲ ،

1.الدخّان: ۳.

2.الدخان: ۴.

  • نام منبع :
    التّصحيف في متن الحديث
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث، للطباعة و النشر
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1432 ق / 1390 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
    شمارگان :
    1000
    قیمت :
    45000 ریال
تعداد بازدید : 251777
صفحه از 277
پرینت  ارسال به