179
التّصحيف في متن الحديث

الكلام رصيناً، وإنّما يكون متيناً إذا كان أوّله مناسباً وملائماً لآخره؛ كما أنّ أحجار الجدار إذا لم تكن متناسقة وبحجم واحد لا يحصل بين أجزاء الجدار الترابط المطلوب، وبالتالي يكون الجدار ضعيفاً.
فما يقصد بيانه للمخاطب بعبارات عديدة له ركنان؛ أحدهما: معاني كلّ جملة من هذه الجملات وهي بمنزلة قوام نفس اللبنات. والثاني: وجود الترابط بين العبارات ، وذلك بأن تُصاغ بشكل منطقي ومقبول عند المخاطب. فإذا توفّر هذان الركنان كان الكلام رصيناً، والمعنى مقبولاً، وإذا انتفى أحدهما خرج الكلام عن حدّ الرصانة، ودخل في حيّز الكلام الهزيل وغير المترابط.
وبما أنّ نبيّنا الأعظم صلى‏ الله‏ عليه‏ و‏ آله وأهل بيته الطاهرين عليهم ‏السلام هم سفراء اللّه‏ في خلقه ومظاهره فيهم ، فلابدّ أن يكون كلامهم من أفضل الكلام معنىً، وأكثره انسجاماً وترابطاً، خصوصاً وأنّ النبي صلى‏ الله‏ عليه‏ و‏ آله قد بُعث في أُمّة فصيحة بليغة، فلابدّ ألّا يكون كلامه هزيلاً وغير مترابط الأجزاء، أو غير مستقيم المعنى.
فإذا كان لفظ الحديث غير مترابط، أو كان غير منسجم المعنى أو نحو ذلك ، احتُمل قوياً وجود التصحيف فيه، فلابدّ من مراجعته في المصادر الأُخرى. نظير النماذج التالية:

النموذج الأوّل:

۲۴۴.۱) في حلية الأولياء عن مجاهد: إِنَّ رَجُلاً جاءَ النَّبيَّ صلى‏ الله‏ عليه‏ و‏ آله فَقالَ: يا رَسولَ اللّه‏ِ، دُلَّني عَلى عَمَلٍ يُحِبُّني اللّه‏ُ تَعالى عَلَيهِ وَيُحِبُّني النّاسُ عَلَيهِ. فَقالَ: أَمّا ما يُحِبُّكَ اللّه‏ُ عَلَيهِ فالزُّهدُ في الدُّنيا، وَأَمّا ما يُحِبُّكَ النّاسُ عَلَيهِ فانبِذ إِلَيهِم هَذا القِثّاءَ . ۱

فإنّ العبارة الأخيرة غير منسجمة مع الحديث ، حيث إنّ السائل طلب من النبي صلى‏ الله‏ عليه‏ و‏ آله تعليمه عملاً يوجب حبّ الناس إيّاه، فأجابه أن ألقِ وانبذ إليهم القثّاء، والقثّاء

1.حلية الأولياء: ج ۸ ص ۴۲.


التّصحيف في متن الحديث
178

مع أنّ الحديث السالف لا دلالة فيه على عنوان الباب أصلاً؛ فليس فيه ذكر الكلام أو الصمت، وعنوان الباب يدور حول الصمت إلّا بخير، وهذا مثير للشكّ في صحّة هذه النسخة وقوّة احتمال وقوع التصحيف فيها، وبمراجعة الحديث في المصادر الأُخرى يتّضح الحال حيث نجده فيها كالتالي:

۲۴۳.۲) في مشكاة الأنوار: عَن أَبي عَبدِ اللّه‏ِ عليه ‏السلام : قالَ: أُوصيكَ بِحِفظِ ما بَينَ رِجلَيكَ وَما بَينَ لَحيَيكَ . ۱

واللحيان هما العظمان اللذان تنبت عليهما الأسنان، وتنبت على بشرتهما اللحية، كما يقول علماء اللغة، ولهذا كتب الخليل في بيان معناها ما يلي: «اللحيان: العظمان اللذان فيهما منابت الأسنان من كلّ ذي لحي، والجميع: ألح» . ۲
وكتب فخر الدين الطريحي في هذا المجال قائلاً:
اللحيان ـ بفتح اللّام ـ : العظمان اللذان تنبت اللحية على بشرتهما، ويقال لملتقاهما الذقن، وعليهما نبات الأسنان السفلى، وجمع اللحي لحي على فعول . ۳
وعليه فيكون معنى الحديث: أُوصيك بحفظ لسانك وفرجك، وهو المناسب لعنوان الباب، وإلّا فإنّ الحديث يكون خارجاً عن الباب الذي أُدرج فيه. ويؤكّد ذلك أنّ الحديث ورد بهذا الشكل الكامل في بعض نسخ كتاب الزهد أيضاً. ۴

2. الدلالات الداخلية

أ ـ فقدان الانسجام

الكلام القويم والرصين له مقوّمات عديدة، أحدها أن يكون مترابط الأجزاء، منسجم العبارات، فالعبارات التي هي بمنزلة لبنات الجدار إذا لم تكن منسجمة لم يكن

1.مشكاة الأنوار: ص ۶۰.

2.ترتيب كتاب العين: ص ۷۳۲ «لحي».

3.مجمع البحرين: ج ۳ ص ۱۶۲۶ «لحا».

4.انظر: الزهد بتحقيق مهدي غلام علي، طبع مؤسسّة دار الحديث.

  • نام منبع :
    التّصحيف في متن الحديث
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث، للطباعة و النشر
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1432 ق / 1390 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
    شمارگان :
    1000
    قیمت :
    45000 ریال
تعداد بازدید : 252032
صفحه از 277
پرینت  ارسال به