219
التّصحيف في متن الحديث

مرّتين، فصارت «الأَمنِ من يَومِ الفَزَعِ الأَكبَرِ»، مع أنّ الصحيح كما اتّضح هو «الأَمن يَوم الفَزَعِ الأَكبَرِ»، وتقدّمت بعض نماذج هذا النوع من التصحيف.

النموذج الثاني:

۳۱۰.۱) في شرح نهج البلاغة: وَقالَ عليه ‏السلام لِرَجُلٍ سَأَلَهُ أَن يَعِظَهُ: لا تَكُن مِمَّن يَرجو الآخِرَةَ بِغَيرِ عَمَلٍ، وَيَرجو التَّوبَةَ بِطولِ الأَمَلِ، يَقولُ في الدُّنيا بِقَولِ الزّاهِدينَ، وَيَعمَلُ فيها بِعَمَلِ الرّاغِبينَ . ۱

فإنّ قوله: «يَرجو التَّوبَةَ بِطولِ الأَمَلِ» غير منسجم، إذ لا معنى لرجاء التوبة بطول الأمل، وإنّما الذي ينسجم مع طول الأمل هو إرجاء وتأخير التوبة بطول الأمل. وإذا ما راجعنا الحديث في كتب الحديث وجدناه كالتالي:

۳۱۱.۲) في نهج البلاغة: وَقالَ عليه ‏السلام لِرَجُلٍ سَأَلَهُ أَن يَعِظَهُ: لا تَكُن مِمَّن يَرجو الآخِرَةَ بِغَيرِ عَمَلٍ، وَيُرَجّي التَّوبَةَ بِطولِ الأَمَلِ، يَقولُ في الدُّنيا بِقَولِ الزّاهِدينَ، وَيَعمَلُ فيها بِعَمَلِ الرّاغِبينَ . ۲

۳۱۲.۳) وفي مستدرك الوسائل نقلاً عن تحف العقول: عَن أَميرِ المُؤمِنينَ عليه ‏السلام أَنَّهُ قالَ: لا تَكُن مِمَّن يَرجو الآخِرَةَ بِغَيرِ عَمَلٍ، وَيُرجي التَّوبَةَ بِطولِ الأَمَلِ . ۳

والعبارة فيهما منسجمة تماماً.

ج ـ ملاحظة العبارة نحوياً

لا ريب أنّ أهل البيت عليهم ‏السلام كانوا في زمانٍ يتفاخر الناس فيه بالفصاحة والبلاغة، فكان عوام الناس آنذاك يتكلّمون بالكلام الفصيح ولا يتكلّمون بالملحون ۴ ، فهل

1.شرح نهج البلاغة: ج ۱۸ ص ۳۵۶ الحكمة ۱۴۶.

2.نهج البلاغة: ص ۴۹۷ الحكمة ۱۵۰، بحار الأنوار: ج۶ ص ۳۷ ح ۶۰ نقلاً عن نهج البلاغة.

3.مستدرك الوسائل: ج ۱۱ ص ۳۱۲ ح ۱۳۱۳۱.

4.وممّا يشهد لذلك أنّ علماء اللغة والنحو يستندون إلى كلام أبناء البادية لإثبات صحّة دعواهم.


التّصحيف في متن الحديث
218

أَنتِ يا أُمَّ عَبدِ اللّه‏ِ؟ قالَت: بِخَيرٍ بِأَبي أَنتَ يا رَسولَ اللّه‏ِ وَأُمّي، فَكَيفَ أَنتَ؟ قالَ: بِخَيرٍ، قالَت: عَبدُ اللّه‏ِ رَجُلٌ قَد تَخَلّى مِنَ الدُّنيا، قالَ: وَكَيفَ؟ قالَت: حَرَّمَ النَّومَ، فَلا يَنامُ وَلا يُفطِرُ وَلا يَطعَم اللَّحمَ وَلا يُؤَدّي إِلى أَهلٍ حَقَّهُم، قالَ: فَأَينَ هوَ؟ قالَت: خَرَجَ وَيوشِكُ، قالَ: فَإِذا رَجَعَ فَاحبِسيه.
قالَت: فَخَرَجَ رَسولُ صلى‏ الله‏ عليه‏ و‏ آله وَجاءَ عَبدُ اللّه‏ِ، فَأَوشَكَ رَسولُ اللّه‏ِ صلى‏ الله‏ عليه‏ و‏ آله الرَّجعَةَ، وَقالَ: يا عَبدَ اللّه‏ِ بنَ عَمرِو! ما هَذا الَّذي بَلَغَني عَنكَ؟ قالَ: وَماذا يا رَسولَ اللّه‏ِ؟ قالَ: بَلَغَني أَنَّكَ لا تَنامَ وَلا تُفطِر، قالَ: أَرَدتُ بِذَلِكَ الأَمنَ مِن يَومِ الفَزَعِ الأَكبَرِ. وَبَلَغَني أَنَّكَ لا تُطعِمُ اللَّحمَ، قالَ: أَرَدتُ بِذَلِكَ طَعاماً خَيراً مِنهُ في الجَنَّةِ... . ۱

فإنّ التعبير التالي «الأَمنَ مِن يِومِ الفَزَعِ الأَكبَرِ» غير مستقيم من ناحية المعنى؛ إذ المراد من «يوم الفزع الأكبر» هو يوم القيامة، والخوف ليس من يوم القيامة، وإنّما الخوف في يوم القيامة. أو فقل: إنّ يوم القيامة ليس منشأ للخوف، وإنّما هو ظرف له، والمناسب لبيان هذا المعنى هو التعبير بالعبارة: «الأمن يوم الفزع الأكبر»، ولا نجد معنىً صحيحاً ل «الأَمن مِن يَومِ الفَزَعِ الأَكبَرِ»، ولهذا لم يرد استعمال «أمن من يوم الفزع الأكبر» في الحديث إلّا في هذا النموذج، وورد استعمال «أمن يوم الفزع الأكبر» في مواطن كثيرة ۲ ، أو «أمن من الفزع الأكبر» كما في مواطن كثيرة أُخرى ۳ ، وهما تعبيران مستقيمان من ناحية المعنى.
وسبب التصحيف في هذا الحديث هو قراءة الجزء الثاني من كلمة «الأمن»

1.مجمع الزوائد: ج ۷ ص ۴۸۲ ح ۱۲۰۴۷.

2.انظر على سبيل المثال: الكافي: ج ۳ ص ۲۲۹ ح ۹، كامل الزيارات: ص ۵۲۹ ح ۳، الأمالي للصدوق: ص ۶۶ ح ۷، فضائل الأشهر الثلاثة: ص ۱۸ ح ۳.

3.انظر على سبيل المثال: المحاسن: ج ۱ ص ۷۲ ح ۱۴۷، الكافي: ج ۴ ص ۲۵۸ ح ۲۶ و ج ۴ ص ۲۶۳ ح ۴۵، كامل الزيارات: ص ۵۲۹ ح ۴، كتاب من لا يحضره الفقيه: ج ۱ ص ۱۲۹ ح ۳۷۷ و ج ۲ ص ۲۲۹ ح ۲۲۶۹ و۲۲۷۲، تهذيب الأحكام: ج ۵ ص ۲۳ ح ۱۴.

  • نام منبع :
    التّصحيف في متن الحديث
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث، للطباعة و النشر
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1432 ق / 1390 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
    شمارگان :
    1000
    قیمت :
    45000 ریال
تعداد بازدید : 251795
صفحه از 277
پرینت  ارسال به