كانت كلمة في المتن على وزن كلمة أُخرى متقاربة الحروف نطقاً مع الاختلاف شكلاً في الكتاب. ثمّ إنّ جمعاً منهم قسّموا التصحيف تقسيماً آخر، فقالوا: إنّه قد يكون في اللفظ ، نحو ما مرّ، وقد يكون في المعنى ، كما حُكي عن أَبي موسى محمّد بن المثنّى العنزي الملقّب بالزمن، أنّه قال: «نحن قوم لنا شرف، نحن من عنزة، صلّى إلينا رسول اللّه صلى الله عليه و آله » ؛ يريد بذلك ما روي من «أنّه صلى الله عليه و آله صلّى إلى عَنَزَة»؛ وهي الحربة تُنصب بين يديه سترة، فتوهّم أنّه صلى الله عليه و آله صلّى إلى قبيلتهم بني عنزة، أو إلى قريتهم المسمّاة بعنزة الموجودة الآن، وهو تصحيف معنوي عجيب. وأعجب منه ما حكاه الحاكم من علماء العامّة عن أعرابي أنّه زعم أنّه صلى الله عليه و آله صلّى إلى «شاة»، صحّفها عن «عنزة»، ثمّ رواه بالمعنى على وهمه، فأخطأ من وجهين. ۱
2. الفرق بين التصحيف والتحريف
لبيان الفرق بين التصحيف والتحريف لابدّ من بيان معناهما أوّلاً ؛ ليتّضح الفرق بينهما بجلاء. وبما أنّنا أوضحنا معنى التصحيف لغةً واصطلاحاً ، فلا نعيد الكلام فيه، بل نكتفي ببيان معنى التحريف ، فنقول: كتب ابن منظور في بيانه لمعاني مشتقّات الجذر «حرف» قائلاً:
الحَرفُ في الأَصل: الطَّرَفُ والجانِبُ، وبه سُمّي الحَرفُ من حروف الهِجاء. وفلان على حَرف من أمره أي ناحيةٍ منه ، كأنّه ينتظر ويتوقّع، فإن رأى من ناحية ما يُحبّ وإلّا مال إلى غيرها. وفي التنزيل العزيز: « وَ مِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ » ؛ أَي إِذا لم يرَ ما يحبّ انقلب على وجهه، قيل: هو أن