ب ـ فهم المحدّثين والفقهاء لها
يبذل علماؤنا الأجلّاء ـ رضوان اللّه تعالى عليهم أجمعين ـ الجهد الكبير في فهم الأحاديث، واختيار العناوين المناسبة للأبواب ، ويدرجون الأحاديث تحت عناوينها المناسبة بدقّة فائقة، ولهذا فإنّ عناوين الأبواب تحكي فهمهم للأحاديث التي أوردوها تحتها، وهذا ما يعيننا على تعيين النسخة الصحيحة من بين النسخ الواصلة إلينا؛ إذ قد يكون الحديث في النسخة الأصلية التي كتبها المؤلّف صحيحاً ، وعرض له التصحيف فيما بعد؛ نظير النموذج التالي:
النموذج:
۳۴۱.۱) في الكافي: عَنهُ، عَنِ الوَشّاءِ عَن عَبدِ اللّهِ بنِ سِنانٍ قالَ: سَمِعتُ أَبا عَبدِ اللّهِ عليه السلام يَقولُ: لا تُحرِقوا القَراطيسَ، وَلَكِنِ امحوها وَحَرِّقوها . ۱
۳۴۲.۲) ورواه عنه في وسائل الشيعة كالتالي: لا تُحرِقوا القَراطيسَ وَلَكِنِ امحوها وَخَرِّقوها ۲ . ۳
فإنّ كلتا النسختين محتملة، ولكلّ منهما معنى صحيح، إلّا أنّ مقتضى عنوان الباب الذي أورد الشيخ الكليني فيه هذا الحديث وهو «باب النهي عن إحراق القراطيس المكتوبة» ، هو صحّة النسخة التي ورد فيها «وَلَكِنِ امحوها وَحَرِّقوها»، لا النسخة التي ورد فيها «خَرِّقوها»؛ إذ عبّر ب «النهي عن إحراق القراطيس المكتوبة»، وبما أنّ القرطاس الذي مُحي منه القرآن لا يُعّد مكتوباً، فيجوز إحراقه.
وبعبارة أُخرى: هذه الفقرة من الحديث لبيان السبيل لإحراق القرطاس المكتوب فيه القرآن. ولو كانت الرواية في نسخة الشيخ الكليني بلفظ «خَرِّقوها»، لعكسه في عنوان الباب بأن يقول: «باب النهي عن إحراق القراطيس المكتوبة وجواز