25
التّصحيف في متن الحديث

تذييل: قد بان لك بالتأمّل كون التصحيف في المقام أعمّ من التحريف. وفرّق بعضهم بينهما ، فخصّ اسم المصحّف بما غيّر فيه النقط، وما غيّر فيه الشكل مع بقاء الحروف سمّاه بالمحرّف، وهو أوفق. ۱
إلى غير ذلك من العبارات. وبما ذكرناه يتّضح لك الاختلاف الواضح في المائز بين التصحيف والتحريف.
والذي أراه أنّ جوهر الفرق بينهما هو أنّ التحريف تغيير المعنى عمداً، والتصحيف تغيير الكلمة خطأً، وهذا ما يمكن استشمامه من المعنى اللغوي للكلمتين ، حيث تقدّم في معناهما: «التصحيف: الخطأ في الصحيفة» ، و«تحريف الكلم عن مواضعه: تغييره. والتحريف في القرآن والكلمة: تغيير الحرف عن معناه والكلمة عن معناها». حيث إنّ التغيير في الأوّل ناشئ عن خطأ، وفي الثاني عن قصد، ولهذا ذمّ القرآن اليهود على فعلهم؛ ولو كان تغييرهم للكلم خطأ لما ذمّهم الباري هذا الذمّ ۲ كما هو واضح.
نعم تحريف المعنى قد يقترن بتغيير اللفظ أيضاً ، كما فعله بعض المبغضين والمعادين لأهل البيت عليهم ‏السلام ، وقد يكون بحمل اللفظ على غير معناه من دون تغييره ، كما فعله اليهود وذمّهم القرآن.
ويؤكّد هذا المعنى ما ورد في كتاب دراية الحديث، حيث كتب بعد نقله عبارة «الرعاية» وأنّ التصحيف يكون في اللفظ وفي المعنى:
وتقسيمه قدس‏سره التصحيف إلى اللفظي والمعنوي لا محصّل له؛ فإنّ كلّاً من التصحيف والتحريف يشتركان في معنى التغيير، ويختلفان في أنّ التصحيف ما يحتمله اللفظ ورسم الخطّ في التغيير سهواً، والتحريف ما لا

1.دراسات في علم الدراية: ص ۴۳.

2.قال تعالى: « لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَآ إِن نَّسِينَآ أَوْ أَخْطَأْنَا » البقرة: ۲۸۶ .


التّصحيف في متن الحديث
24

بعض كلماته ، وقد يكون بحمله على غير المراد منه. فالتحريف أعم من التصحيف. فمثال الزيادة: ما جاء في حديث: «تجيء يوم القيامة أعزّ ما كانت» رواه الثوري: «أغزر ما كانت». ومثال النقص: ما روي أنّه: «مسح وجهه زمن الفتح» حرّفه بعضهم فقال: «من القبح». ومثال تبديل بعض الكلمات: ما حكاه أبو عمرو بن العلاء عن نفسه قال: أنشدت الفرزدق ـ ويده في يدي ـ لابن أحمر:


فإمّا زال سرح عند معدوأجدر بالحوادث أن تكونا
فلا تصلّي بمطروقٍ إِذا ماسرى بالقوم أصبح مستكينا
فقال لي: أرشدك أو أدعك؟ قلت: ترشدني. قال: إِذا كان ممّن يسري بالقوم فليس بمطروق، وإنّما هو: إِذا ما سرى في القوم. فعلمت أنّي أغفلت ذاك وأنّ الأمر كما قال. قال أبو أحمد العسكري معلّقاً على هذا التغيير: «وهذا من التحريف لا من التصحيف»... وخصّ الأُدباء التصحيف بتبديل الكلمة بكلمة أُخرى تشابهها في الخطّ وتخالفها في النقط ـ ذلك كتبديل العذل بالعدل، والغدر بالعذر، والعيب بالعتب ـ والتحريف بتبديل الكلمة بكلمة أُخرى تشابهها في الخطّ والنقط، وتخالفها في الحركات، كتبديل الخَلق بالخُلُق، والفَلَك بالفُلك، والقَدَم بالقِدم. قلت: وهذا التفريق بين التصحيف والتحريف هو الذي مشى عليه الحافظ ابن حجر في النخبة وشرحها، وتابعه عليه كثيرون. وقد رأيت قبل أنّ الإمام العسكري خصّ التحريف بما وقع في تغيير حرف بكامله مع حرف آخر: «سرى بالقوم» عن «سرى في القوم»... . ۱
كما كتب علي أكبر الغفاري بعد بيانه المراد من التصحيف بما نقلناه عنه قائلاً:

1.تصحيفات المحدّثين: ج ۱ ص ۳۹.

  • نام منبع :
    التّصحيف في متن الحديث
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث، للطباعة و النشر
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1432 ق / 1390 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
    شمارگان :
    1000
    قیمت :
    45000 ریال
تعداد بازدید : 253069
صفحه از 277
پرینت  ارسال به