27
التّصحيف في متن الحديث

ثمّ اعلم أنّ من ليس عالماً بالألفاظ ومعانيها ومساقها والمراد منها، لا يجوز له الرواية بالمعنى إجماعاً من المسلمين، بل يتعيّن عليه رواية اللفظ الذي سمعه. وقيل: لا يجوز النقل بالمعنى وإن كان عالماً بذلك، وجوّزه بعضهم في غير حديث النبي صلى‏ الله‏ عليه‏ و‏ آله . والحقّ جوازه للعالم الخبير، وقد تضافر النقل به عن المعصومين عليهم ‏السلام ، وتفصيل القول فيه يُطلَب من كتب أُصول الفقه. ۱
من هنا فنحن أمام ظاهرتين حديثيتين هما: النقل بالمعنى والتصحيف، فما هو الفرق بينهما؟
للإجابة على هذا السؤال لابدّ من بيان المراد من «النقل بالمعنى»، ليتسنّى لنا بيان الفرق بينه وبين التصحيف، فنقول: النقل بالمعنى هو أن يُنقل مضمون الحديث دون التحفظ على ألفاظه الصادرة عن المعصوم عليه ‏السلام ، على أن يتمّ الحفاظ على المعنى. وأمّا التصحيف فهو كما مرّ بيانه: الخطأ في الصحيفة، وهذا يعني أنّ التصحيف خطأ في رواية الحديث، بخلاف نقله بالمعنى، وبهذا يمكن بيان الفرق بين التصحيف والنقل بالمعنى بما يلي:
التصحيف خطأالراوي أو الناسخ في رواية الحديث، بخلاف النقل بالمعنى، فإنّ الراوي ليس في مقام نقل الحديث بحدوده اللفظية كي يخطأ في نقلها، وإنّما هو في مقام نقل معناه ؛ سواء كان بألفاظه التي سمعها من الإمام، أم بغيرها، فهو ملتفت لما يقوله وليس خاطئاً كالمصحّف.
إن قلت: هذا الفرق لا يغنينا شيئاً؛ إذ المهمّ هو تمييز أحدهما عن الآخر، فلابدّ من بيان ما يمكن من خلاله تمييز كلّ منهما عن الآخر في الأحاديث التي بأيدينا.
قلت: النقل بالمعنى إنّما يكون قبل كتابة الحديث عادة؛ وذلك أنّ لفظ الحديث لم يضبط بعد، فيكون الحفاظ على حدوده اللفظية عسيراً ۲ ، وأمّا بعد تدوين الحديث

1.نهاية الدراية: ص ۴۸۸.

2.من هنا تبرز أهمّية ضبط الراوي ودقّته في النقل، ولهذا نجد علماء الرجال يميّزون بين الرواة، فيصفون أحدهم بالضبط وشدّة التحفّظ، ويصفون الآخر بالوثاقة فقط.


التّصحيف في متن الحديث
26

يحتمله اللفظ، بل يكون عمداً، وكذلك يكون التحريف لفظياً ومعنوياً، دون التصحيف فلا يكون إلّا لفظياً. ۱
إن قيل: لا يمكن معرفة ضمير الأفراد كي نعرف التصحيف من التحريف.
قلنا: الغالب في الأفراد هو عدم وجود أغراض داعية لهم لتغيير اللفظ، ولهذا فإنّ الغالب هو وقوع التصحيف والخطأ، ما لم نعلم من خلال القرائن وجود الغرض. وأمّا موارد الشكّ فيبقى مردّداً بين التصحيف والتحريف، وهذا غير ضارّ بما نبغيه من البحث؛ إذ المهمّ عندنا معرفة النصّ الصحيح للحديث، سواء كان التغيير عن غرض أم عن غيره.
وعلى أيّ حال، فالتصحيف والتحريف اصطلاحان، ووقع الاختلاف في المراد منهما، ولا تشاحّ في الاصطلاح.
كما أنّ الخطأ في الصحيفة له صور عديدة، فكلّها داخلة في حدود التصحيف؛ فكما قد ينتهي التصحيف إلى تغيير كلمة إلى غيرها، قد ينتهي لتغيير مجموع كلمتين أو أكثر إلى كلمتين أُخريين. وكما يقع بتغيير الكلمة إلى غيرها، قد يكون بحذفها أو غير ذلك ممّا يقع في كتابة النصوص ونقلها عادة.

3. الفرق بين التصحيف والنقل بالمعنى

من الواضح لأهل الفنّ والخبرة بالحديث أنّ الحديث كما نُقل باللفظ نقل البعض منه بالمعنى، وهذا ممّا جرت عليه سيرة المسلمين، بل جرت على نظيره سيرة العقلاء في حياتهم الاجتماعية ۲ . نعم، قيّد بعضهم جواز نقل الحديث بالمعنى ببعض القيود؛ قال السيّد حسن الصدر تحت عنوان «حكم رواية الحديث بالمعنى»:

1.دراية الحديث: ص ۷۸.

2.جرت سيرة العقلاء في حياتهم الاجتماعية على النقل بالمعنى، فإذا تكلّم عالم حول موضوع معيّن، فإنّ الذين يسمعون كلامه ينقلون ما سمعوه مع رعاية حدود المعنى، وأمّا حدود الألفاظ فقد لا تُراعى، ولا يرى العقلاء في ذلك عيباً.

  • نام منبع :
    التّصحيف في متن الحديث
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث، للطباعة و النشر
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1432 ق / 1390 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
    شمارگان :
    1000
    قیمت :
    45000 ریال
تعداد بازدید : 253012
صفحه از 277
پرینت  ارسال به