39
التّصحيف في متن الحديث

وهذا التمسّك بنصوص الأحاديث ممّا لا ريب في حسنه، إلّا أنّه يجب الاطمئنان من صحّة نسخة الحديث المنقول وعدم طروء الخلل عليه أثناء النقل، حيث إنّ بعض الأحاديث لم يُنقل بدقّة كما تقدّم، وهذا ما عكس أثره على الفتوى في بعض المجالات. أو فقل: إنّ الفقيه بذل جهده وأفتى على ضوء الأحاديث الواصلة إليه، إلّا أنّ بعضها لم ينقل بدقّة ؛ لتصحيفٍ أو غيره ، فترك أثره على الفتوى، ومن نماذج ذلك ما يلي:

النموذج الأوّل:

۸.۱) أورد الشيخ الصدوق في كتاب الفقيه الذي هو كتاب فتواه الحديث التالي: قالَ أَميرُ المُؤمِنينَ عليه ‏السلام : مَن جَدَّدَ قَبراً أَو مَثَّلَ مِثالاً، فَقَد خَرَجَ مِنَ الإِسلامِ. ۱

وكتب بعد نقله للحديث قائلاً:
اختلف مشايخنا في معنى هذا الخبر، فقال محمّد بن الحسن الصفّار رحمه‏الله: هو «جَدَّد» بالجيم لا غير، وكان شيخنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضى‏الله‏عنهيحكى عنه أنّه قال: «لا يجوز تجديد القبر ولا تطيين جميعه بعد مرور الأيّام عليه، وبعدما طُيّن في الأوّل، ولكن إِذا مات ميّتٌ وطُيِّن قبره، فجائزٌ أن يُرمَّ سائر القبور من غير أن يُجَدّد». وذكر عن سعد بن عبد اللّه‏ِ رحمه‏اللهأنّه كانَ يَقولُ: «إنّما هو من حدّد قبراً، بالحاء غير المعجّمة، يعني به مَن سنّم قبراً»، وذكر عن أحمد بن أبي عَبد اللّه‏ البرقي أنّه قال: «إنّما هو: من جَدّث قبراً»، وتفسير الجَدَث: القبر، فلا ندري ما عنى به. والذي أذهب إليه أنّه «جدَّد» بالجيم؛ ومعناه نبش قبراً؛ لأنّ مَن نبش قبراً فقد جدّده وأحوج إلى تجديده، وقد جعله جَدَثاً محفوراً... . ۲

1.كتاب من لا يحضره الفقيه: ج ۱ ص ۱۸۹ ح ۵۷۹ .

2.كتاب من لا يحضره الفقيه: ج ۱ ص ۱۸۹ .


التّصحيف في متن الحديث
38

معيّن فليقرأ الحوقلة. وإن كان الحديث بلفظ «حزبه» فهو بمعنى الشدة؛ قال ابن منظور في بيان معناها:
حَزَبَه الأَمرُ يَحزُبه حَزباً: نابَه، واشتدّ عليه، وقيل: ضَغَطَه، والاسم: الحُزابةُ. ۱
وعليه سيكون معنى الحديث أنّه إذا اشتدّ عليك أمر فاقرأ الحوقلة، وبين «الشدّة» و«الحزن» عموم وخصوص من وجه.
وعلى أيّ حال، فإن كان لفظ الحديث هو الأوّل وكان الثاني تصحيفاً، فإنّ الذي يقرأ الحديث الثاني سيفهمه فهماً خاطئاً بلا ريب. وإن كان لفظ الحديث هو الثاني كان فهمنا للحديث الأوّل خاطئاً أيضاً.

ب ـ تأثيره على الفتوى

يبذل فقهاؤنا الأجلّاء ـ رحم اللّه‏ الماضين وأعزّ الباقين بظهور إمام زماننا ـ جهداً بالغاً في استنباط الأحكام الشرعية المختلفة من الكتاب الكريم والأحاديث الشريفة، ويحاولون عدم تعدّي مضامينهما قدر الإمكان، بل إنّ القدماء منهم كانوا لا يتجاوزون عبارات الأحاديث فضلاً عن مضامينها ؛ لشدّة تمسّكهم بالنصوص ، ولهذا كانت الكتب الفقهية الشيعية في القرن الثالث والرابع بل والخامس ذات طابع يختلف عن كتب الفقه المعاصرة، فالفقه في الكتب المعاصرة هو فقه تفريعي، والفقه في الكتب المذكورة هو ما يطلق عليه ب «الفقه المأثور» ۲ ، وغالب عبارات هذه الكتب هو عبارات الأحاديث الواردة في ذلك الباب، ولهذا يتعامل البعض مع نصوصها معاملة نصوص الأحاديث ، وما هذا إلّا من شدّة حرص هؤلاء العظماء ورعايتهم للأحكام الشرعية، ومن دقّتهم الفائقة في حفظ الشريعة المحمّدية ، فجزاهم اللّه‏ خير جزاء المحسنين.

1.لسان العرب: ج ۱ ص ۳۰۸، «حزب» .

2.المراد بها هو الكتب التي تحاول التقيّد بالفروع المذكورة في نصوص الروايات، فضلاً عن التقيد بعبارة النصوص الحديثية، ومن هذه الكتب فقه الرضا والمقنع للشيخ الصدوق رحمه‏الله والنهاية للشيخ الطوسي رحمه‏الله .

  • نام منبع :
    التّصحيف في متن الحديث
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث، للطباعة و النشر
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1432 ق / 1390 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
    شمارگان :
    1000
    قیمت :
    45000 ریال
تعداد بازدید : 253039
صفحه از 277
پرینت  ارسال به