69
التّصحيف في متن الحديث

الوسطى، فتُكتب «الرحمَن» وتُقرأ: «الرحمان»، وتُكتب: «هشم» وتقرأ: «هاشم» أو «هشام»، وهكذا. وهذا ما عكس أثره على سند و متن الحديث أيضاً.
نعم ، نقاط الضعف هذه لم تكن تنحصر بالنصوص الدينية، وإنّما تعمّ جميع النصوص، لكن لأهمّية النصوص الدينية ـ باعتبارها المحور لسلوك المسلم ـ صارت الحاجة ملحّة لإبداع خطّ يرفع الوهم والالتباس الناجم عن النقطتين المشار إليهما، فأبدع الوزير ابن مقلة ۱ خطّ النسخ الرائج إلى عصرنا الحاضر، وذلك في

1.قال في الأمثال المولّدة في بيان المثل: «يا من ابن مقلة غلامه»، قال: «ابن مقلة: هو أبو علي محمّد بن علي بن الحسين بن مقلة، استوزره ثلاثة من الخلفاء هم: المقتدر والقاهر والراضي، قُطعت يده اليمنى ولسانه قبل وفاته في ۳۲۸ ه ، ويُضرب بجودة خطّه وحسنه المثل. ينظر في ترجمته ثمار القلوب: ص ۲۱۰، ومرآة الجنان: ج ۲ ص ۲۹۱ ـ ۲۹۴»: الأمثال المولّدة: ص ۱۷۶ الرقم ۶۴۵. وفي روض الأخيار المنتخب من ربيع الأبرار: «أوّل من خطّ بالقلم إدريس النبيّ عليه ‏السلام ، وأوّل من نقل الخطّ الكوفيّ إلى طريقة العربية ابن مقلة. قال أبو منصور الثعالبي في خطّه: خطّ ابن مقلة من أرعاه مقلته ودّت جوارحه لو حوّلت مقلا والدرّ من درّه ذو صفرة حسدا والنور من نوره ذو حمرة خجلا قيل: كتب ابن مقلة كتاب هدنة بين المسلمين والروم، فوضعوه في كنيسة قسطنطينية، كانوا يبرزونه في الأعياد، ويجعلونه في جملة تزايينهم في أخصّ بيت العبادات، ويعجبون به الناس من حسنه. ثمّ جاء ابن البوّاب وزاد في تغريب الخط، ثمّ جاء ياقوت المستعصمي الخطّاط، وختم فنّ الخطّ وأكمله، وأدرج في بيتٍ جميع قوانينه، فقال: أُصول، وتركيب، كراس، ونسبة صعود، وتشمير، نزول، وإرسال» انظر: روض الأخيار المنتخب من ربيع الأبرار: ص ۴۸. وفي صبح الأعشى في صناعة الإنشاء: «ثمّ انتهت جودة الخطّ وتحريره على رأس الثلاثمئة إلى الوزير أبي علي محمّد بن مقلة وأخيه أبي عبد اللّه‏. قال صاحب إعانة المنشئ: وولّدا طريقة اخترعاها، وكتب في زمانهما جماعة فلم يقاربوهما. وتفرّد أبو عبد اللّه‏ بالنسخ، والوزير أبو علي بالدرج، وكان الكمال في ذلك للوزير، وهو الذي هندس الحروف وأجاد تحريرها، وعنه انتشر الخطّ في مشارق الأرض ومغاربها، وللّه‏ قول القائل: سبق الدمع في المسير المطايا إذ روى من أحبّ عنه بقلّة وأجاد السطور في صفحة الخدّ ولِم لا يجيد وهو ابن مقلّة وقول الآخر: تسلسل دمعي فوق خدّي أسطرا ولا عجب من ذاك وهو ابن مقلة ثمّ أخذ عن ابن مقلة محمّد بن السمسماني ومحمّد بن أسد، وعنهما أخذ الأُستاذ أبو الحسن عليّ بن هلال المعروف بابن البوّاب، وهو الذي أكمل قواعد الخطّ وتمّمها، واخترع غالب الأقلام التي أسّسها ابن مقلة» صبح الأعشى في صناعة الإنشاء: ج ۳ ص ۱۸.


التّصحيف في متن الحديث
68

1. خلوّه عن النقاط ۱ : أحد معالم هذا الخطّ أنّ حروفه غير منقوطة، فكانت الحروف المتشابهة شكلاً تُرسم بشكل واحد، فالدال والذال، والصاد والضاد، والطاء والظاء، والراء والزاي، تُكتب بشكل واحد. وهذا ما يوجب اشتباه بعض الكلمات بالبعض الآخر. نعم ، يمكن تحديد بعض الكلمات من خلال السياق، ولكنّ البعض الآخر يبقى مشتبهاً.
2. خلوّه عن الألف الوسطى: المَعلَم الثاني للخطّ الكوفي أنّه خالٍ عن الألف

1.كتب حاجي خليفة قائلاً: «وذكر ابن خلكان في ترجمة الحجّاج أنّه حكى أبو أحمد العسكري في كتاب التصحيف أنّ الناس مكثوا يقرؤون في مصحف عثمان نيفاً وأربعين سنة إلى أيّام عبد الملك بن مروان، ثمّ كثر التصحيف وانتشر بالعراق، ففزع الحجّاج إلى كتّابه وسألهم أن يضعوا لهذه الحروف المشتبهة علامات، فيقال: إنّ نصر بن عاصم ـ وقيل: يحيى بن يعمر ـ قام بذلك، فوضع النقط، وكان مع ذلك ـ أيضاً ـ يقع التصحيف، فأحدثوا الإعجام. انتهى» كشف الظنون: ج ۱ ص ۷۱۲ و۷۱۳. وكتب في موضعٍ آخر تحت عنوان «ذكر النقط والإعجام في الإسلام»: «اعلم إنّ الصدر الأوّل أخذ القرآن والحديث من أفواه الرجال بالتلقين، ثمّ لمّا كثر أهل الإسلام اضطرّوا إلى وضع النقط والإعجام، فقيل: إنّ أوّل من وضع النقط مرار [مرامر]، والإعجام عامر، وقيل: الحجّاج، وقيل: أبو الأسود الدؤلي بتلقين عليّ رضيَ اللّه‏ تعالى عنه» كشف الظنون: ج ۱ ص ۷۱۲ ج ۷۱۳. كما كتب السيّد محسن الأمين العاملي في هذا المضمار: «قال السيوطي في الأوائل: أوّل من نقّط المصحف أبو الأسود الدؤلي بأمر عبد الملك، وقيل: أوّل من نقّطه الحسن البصري ويحيى بن يعمر، وقيل: نصر بن عاصم الليثي. انتهى. والأصحّ أنّه أبو الأسود في إمارة زياد، على ما ذكره ابن النديم في الفهرست، وأبو البركات عبد الرحمَن بن محمّد الأنباري في نزهة الألباء في طبقات الأُدباء؛ أي النحاة، وقد أشرنا إلى كلامهما عند ذكر المصاحف المنسوبة إلى خطوط الأئمّة عليهم ‏السلام . وتنقيطه له عبارة عن وضع نقط لعلامات الحركات، لا نقط الإعجام، كما مرّ هناك، ويحيى بن يعمر تلميذ أبي الأسود أيضاً من الشيعة. وفي فهرست ابن النديم: الكتب المؤلّفة في النقط والشكل للقرآن كتاب الخليل في النقط. ثمّ ذكر في ترجمته من مصنّفاته كتاب النقط والشكل» أعيان الشيعة: ج ۱ ص ۱۳۰. وكتب في موضعٍ آخر من كتابه: «كان الخطّ في صدر الإسلام خلواً من الشكل والإعجام، فوضع أبو الأسود الدؤلي المتوفّى سنة ۶۹ ه علامات للحركات الثلاث، فجعل علامة الفتحة نقطة فوق الحرف، والكسرة تحته، والضمّة بين يديه، وجعل التنوين نقطتين، كلّ ذلك بمدادٍ يخالف مداد الحرف، وهكذا وجدناه في المصحف المنسوب إلى خطّ مولانا أمير المؤمنين عليه ‏السلام في المكتبة الرضوية. فلمّا وضع نصر بن عاصم ويحيى بن يعمر بأمرٍ من الحجّاج نقط الإعجام، اضطرب الأمر واشتبه الإعجام بالشكل، فتصدّى الخليل لإزالة هذا اللبس، فوضع الشكل على الطريقة المعروفة اليوم، وبقي ذلك على مقاييس مضبوطة وعلل دقيقة... وألّف الخليل في هذا الموضوع كتاباً نفيساً، فلم يزد أحد على طريقته هذه شيئاً، ولا أصلح منها رأياً» أعيان الشيعة: ج ۶ ص ۳۳۹.

  • نام منبع :
    التّصحيف في متن الحديث
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث، للطباعة و النشر
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1432 ق / 1390 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
    شمارگان :
    1000
    قیمت :
    45000 ریال
تعداد بازدید : 276688
صفحه از 277
پرینت  ارسال به