97
التّصحيف في متن الحديث

مِن شَرِّ هَذِهِ القَريَةِ وَشَرِّ أَهلِها وَشَرِّ ما فيها... . ۱

فإنّ كلمة «أظللن» من الظلّ، وأمّا «أضللن» فمن الضلال، وبينهما بون شاسع من ناحية المعنى، والصحيح منهما هو «أضللن» كما لا يخفى. وسبب هذا التصحيف هو عدم دقّة الناسخ في إملاء الكلمة.

ج ـ الانسباق والمرتكزات الذهنية

الذهن بطبيعة الحال يحمل جملة من المعلومات والمرتكزات، فإذا سمع أو شاهد شيئاً فإنّ الذهن سرعان ما يطبّق معلوماته ومرتكزاته على المسموع والمرئي، وبذلك يستخلص النتيجة. وهذه العملية الذهنية تتمّ بسرعة فائقة جدّاً ولا يشعر الإنسان بها.
وعندما يريد الشخص نقل المعلومات ـ بما فيها الحديث الشريف ـ إلى الآخرين ، فإنّ هذه المرتكزات قد تترك أثراً على ما ينقله دون إحساس منه، فمثلاً إذا استعمل المتكلّم تعبيراً معيّناً عدّة مرّات وفي عبارات متشابهة ثمّ أورد تلك العبارة ، فقد ينسبق الذهن ويتخيّل وجود التعبير المذكور أيضاً، مع أنّ المتكلّم لم يستعمله ۲ ، فهذا الانسباق ليس عفوياً ، وإنّما سببه تكرّر التعبير المذكور في العبارات المشابهة السابقة عليها. وقد يكون للانسباق الذهني مناشئ أُخرى أيضاً.
ومن نماذج هذا النوع من التصحيف ما يلي:

النموذج الأوّل:

۹۶.۱) في كتاب من لا يحضره الفقيه: وَخَطَبَ أَميرُ المُؤمِنينَ عليه ‏السلام يَومَ الفِطرِ فَقالَ: الحَمدُ للّه‏ِ الَّذي خَلَقَ السَّماواتِ وَالأَرضَ... الى أَن قال: إِنَّ الدُّنيا قَد

1.بحار الأنوار: ج ۲۱ ص ۱۴ ح ۱۱ نقلاً عن الإرشاد، كشف الغمّة: ج ۱ ص ۲۱۳.

2.كما لو ذكر أثناء كلامه «بِسمِ اللّه‏ِ الرَّحمَنِ الرَّحيم» عدّة مرّات ، ثمّ قال: «بِسمِ اللّه‏ِ الرحمَن»، فإنّ الذهن قد ينسبق فيتخيّلها «بِسمِ اللّه‏ِ الرَّحمَنِ الرَّحيم» أيضاً. وهذا ما نلاحظه في المجتمع.


التّصحيف في متن الحديث
96

وجدناه كالتالي: «لأَنَّهُ عَليٌّ عَلا كُلَّ شَيءٍ» ومتنه متناسق لا خلل فيه، لكن لعدم التنقيط في الخطّ الكوفي قُرئت بهذا الشكل: «لأنّه على علا كلّ شيء» كما في معاني الأخبار وهي عبارة خاطئة من الناحية اللغوية، ولهذا نجدها في الكافي كالتالي: «عَلا عَلى كُلِّ شَيءٍ».
وينبغي الالتفات إلى هذا النوع من التصحيف في مقام تحقيق المصادر الحديثية، إذ قد يسارع البعض إلى تغيير اللفظ وفق ما تقتضيه قواعد الإملاء؛ لتصوّره أنّ المتن خاطئ إملاءً، ممّا يزيدنا بعداً عن الصواب، ولعلّ نسخة الحديث في الكافي من هذا القبيل، إذا فرضنا أنّ نسخة كتاب التوحيد هي الصحيحة ، إذ أنّ أصل العبارة هكذا: «عَليٌّ عَلا كُلِّ شَيءٍ»، لكن لعدم التنقيط قُرئت هكذا «عَلى عَلا كُلِّ شَيءٍ»، فتصوّر المحقّق خطأ اللفظين إملاءً فصحّحه إلى «عَلا عَلى كُلِّ شَيءٍ».

النموذج الثاني:

۹۴.۱) في الإرشاد: رَوى مُحَمَّدُ بنُ يَحيى الأَزدي عَن مَسعَدَةَ بنِ اليَسَعِ وَعُبيدِ اللّه‏ِ بنِ عَبدِ الرَّحيمِ، عَن عَبدِ المَلِكِ بنِ هِشامٍ وَمُحَمَّدِ بنِ إسحاقَ وَغَيرِهِم مِن أَصحابِ الآثارِ، قالوا: لَمّا دَنا رَسولُ اللّه‏ِ صلى‏ الله‏ عليه‏ و‏ آله مِن خَيبَرَ قالَ لِلنّاسِ: قِفوا، فَوَقَفَ النّاسُ، فَرَفَعَ يَدَيهِ إِلى السّماءِ وَقالَ: اللَّهُمَّ رَبَّ السَّماواتِ السَّبعِ وَما أَظلَلنَ، وَرَبَّ الأَرَضِينَ السَّبعِ وَما أَقلَلنَ، وَرَبَّ الشَّياطينَ وَما أَظلَلنَ، أَسأَلُكَ خيَرَ هَذِهِ القَريَةِ وَخيرَ ما فيها، وَأَعوذُ بِكَ مِن شَرِّها وَشَرِّ ما فيها . ۱

۹۵.۲) وفي بحار الأنوار: ذَكَرَ ابنُ إِسحاقَ بِإِسنادِهِ، عَن أَبي مَروانَ الأَسلَميِّ، عَن أَبيهِ، عَن جَدِّهِ قالَ: خَرَجنا مَعَ رَسولِ اللّه‏ِ صلى‏ الله‏ عليه‏ و‏ آله إِلى خَيبَرَ، حَتّى إِذا كُنّا قَريباً مِنها وَأَشرَفنا عَلَيها، قالَ رَسولُ اللّه‏ِ صلى‏ الله‏ عليه‏ و‏ آله : قِفوا، فَوَقَفَ النّاسُ، فَقالَ: اللَّهُمَّ رَبَّ السَّماواتِ السَّبعِ وَما أَظلَلنَ، وَرَبَّ الأَرَضِينَ السَّبعِ وَما أَقلَلنَ، وَرَبَّ الشَّياطينَ وَما أَضلَلنَ، إِنّا نَسأَلُكَ خيَرَ هَذِهِ القَريَةِ وَخيرَ ما فيها، وَنَعوذُ بِكَ

1.الإرشاد: ج ۱ ص ۱۲۴.

  • نام منبع :
    التّصحيف في متن الحديث
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث، للطباعة و النشر
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1432 ق / 1390 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
    شمارگان :
    1000
    قیمت :
    45000 ریال
تعداد بازدید : 253031
صفحه از 277
پرینت  ارسال به