قال :
فبينا نسوس الناس والأمر أمرناإذا نحن فيهم سوقة ننتصف
ولا يجيء بعد «إذ» المفاجاة إلّا الفعل الماضي ، وبعد «إذا» المفاجاة إلّا الجملة الاسميّة ، وكان الأصمعي لايستفصح إلاّ تركهما في جواب «بينا» و«بينما» لكثرة مجيء جوابهما بدونهما ، والكثرة لاتدلّ على أنّ المكثور وغير فصيح ، بل تدلّ على أنّ الأكثر فصيح ۱ ؛ ألا ترى إلى قول أمير المؤمنين عليه السلام وهو من الفصاحة بحيث هو : «بينا هو يستقيلها في حياته؛ إذ عقدها لآخر بعد وفاته» . ۲
أقول : هذا الكلام من جملة الخطبة الشقشقيّة ۳ ، والمكنّي ب «هو» أبو بكر ، والمكنّي ب «ها» في «يستقيلها» الخلافة ، و«آخَرَ» عبارة عن عمر ، وعقْدها له وصيّة أبي بكر الخلافة لعمر ؛ إنّ في ذلك لعبرة لمن كان له قلب، أو ألقى السمع وهو شهيد . ۴ ولنرجع إلى ما نحن فيه .
قال الرضيّ :
ولمّا قصد إلى إضافة بين ـ اللازم إضافته إلى المفرد ـ إلى جملة ، والإضافة إلى الجملة كلًا إضافة على ما تقدّم ، زادوا عليه «ما» الكافّةَ ؛ لأنّها التي تكفّ المقتضي عن الإقتضاء ، أو أشبعوا الفتحة فتولّدت ألف ؛ ليكون الألف دليل عدم اقتضائه للمضاف إليه ؛ لأنّه كان وقف عليه ، والألف قد يؤتى بها للوقف كما في «أنا» و«الظنونا» . وأصل «بين» أن يكون مصدرا بمعنى الفراق ، وهو مستعمل للزمان والمكان ، وأمّا إذا كفّ ب «ما» أو الألف واُضيف إلى الجمل ، فلا يكون إلّا للزمان ؛ لما تقدّم أنّه لا يُضاف من المكان إلى الجمل إلّا «حيث» .
و«بين» في الحقيقة مضاف إلى زمان مضاف إلى الجملة ، فحذف الزمان المضاف ، والتقدير : بين أوقات زيد ، فحذف الوقت ؛ لقيام القرينة عليه ، وهي غلبة إضافة الأزمنة إلى الجمل دون الأمكنة وغيرها ، فيتبادر الفهم في كلّ مضاف إليها إلى الزمان ، فصار «بين» المضافُ إلى الزمان زمانا . ۵
1.في المصدر : «أفصح» .
2.شرح الرضي على الكافية ، ج ۳ ، ص ۱۹۵.
3.نهج البلاغة ، ص ۴۸ ، الخطبة ۳ .
4.اقتباس من الآية ۳۷ من سورة ق .
5.شرح الرضي على الكافية ، ج ۳ ، ص ۱۹۶ .