197
الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج2

قال ابن الأثير بعد نقل هذا : «ومنه الحديث في كنايات الطلاق : حبلك على غاربك ، أي أنتِ مرسلة مطلقة» . ۱
وفي الصحاح : «الغارب : ما بين السنام والعنق . ومنه قولهم : حبلكِ على غاربك ، أي اذهبي حيث شئت». ۲
وكانت الحيلة ما أوحاه الشياطين إلى أوليائهم أن أنكروا كون الإيتاء على وجه التمليك دون الإقطاع والارتزاق ، فطلبوا الشاهد على ذلك ، ولمّا شهد أمير المؤمنين والحسنان عليهم السلام وأُمّ أيمن ـ رضي اللّه عنها ـ ردّوا الشهادة معلّلين بمظنّة التهمة ، ثمّ لمّا رأوا توجيه سهام التشنيع من كلّ جانب تترّسوا بحديث اختلقوه أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال: «نحن معاشر الأنبياء لا نورّث ، ما تركناه صدقة» وعارضوا استبعاد كذب شهادة عليّ عليه السلام باستبعاد كذب رواية رواها خليفة رسول اللّه ، ثمّ استدلّوا بتلك الرواية المختلقة على أنّ ما أفاء اللّه على رسوله لم يكن على وجه التملّك حتّى يجري عليه أحكام الملك ، من البيع والشراء والإرث وهبة العين وغيرها ، بل على وجه التسليط على التصرّفات غير التصرّفات الملكيّة ، فما أعطاه أحدا كان على وجه الإقطاع والارتزاق ، وله ولمن يقوم مقامه أن ينتزع ذلك ، ويضعه حيث يرى المصلحة ، فأسّسوا هذا الأساس ، وبنى فَعَلَتهم عليه مسائلهم ، ودوّنوه في كتبهم . لمؤلّفه ـ عفى عنه ـ :

أساس ظلم از آن روز گشت ثابت ومحكمكه شد رئيس بتدليس يك بليس مجسّم
وأنا أذكر فروع المخالفين ـ هداهم اللّه ـ في أمر الفيء والغنيمة ليتّضح حقيقة الحال .
اعلم أنّ عندي شرحا مبسوطا في فقه المخالفين ضاعت ورقتان من الأوّل ، ولأجل هذه لم يعلم مؤلّف المتن والشرح ، وفيه هذه العبارة بعينها بلا تصرّف فيها :

المتن :

«كتاب الفيء والغنيمة . قال اللّه تعالى : «مَا أَفَاءَ اللّهُ عَلى رَسُولِهِ»۳ الآية . الفيء : المال الحاصل من الكفّار بلا إيجاف خيل ولا ركاب كالجزية وعشور تجاراتهم المشروطة

1.النهاية ، ج ۳ ، ص ۳۵۰ .

2.الصحاح ، ج ۱ ، ص ۱۹۳ (غرب) .

3.الحشر(۵۹) : ۷ .


الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج2
196

يناسب المقام ، مثل «معتمد» أونحوه .
بقي الكلام هاهنا في مقصود عمر من قوله لفاطمة عليهاالسلام : «هذا لم يوجف عليها أبوك بخيل ولا ركاب» على نسخة الكافي ، و«هذا لأنّ أباك لم يوجف عليها» على نسخة التهذيب .
قال صاحب الوافي قدس سره:
يعني بذلك أنّ أباك لم يتعب في تحصيلها حتّى يكون له ، وكأنّه لم يدر معنى «أفاء اللّه » ولا معنى «ولكنّ اللّه يسلّط رسله» أو تجاهل .
وأمّا قوله : «فضعي الحبال في رقابنا» فلعلّه أراد أنّك أردت بذلك تسخيرنا ، ولن تستطيعي ذلك ، فإنّا قاهرون . ۱ انتهى .
أقول : إنّ عدوّ اللّه أدرج في طيّ كلامه ذلك خيانةً من رسول اللّه صلى الله عليه و آله وتهديدا على الصدّيقة الطاهرة ، ومنّه عليها بعدم إفشاء ما يعلمون من أبيها ؛ فإنّ حجّتها عليهم كانت بأنّ فدكا ممّا أفاء اللّه على رسوله ، فالأمر فيه مفوّض إليه يضعه حيث يشاء ، وليس كالغنائم ، فهو بحكم آية «وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ»۲ آتانيه إيتاءَ التمليك ، لا إيتاء الارتزاق والإقطاع ، وها هو في قصر في حياة أبي إلى زمانكم ، وعليه وكلائي ، فحاول عمر أن يغالط ، ويدفع الوقت حتّى يلقى أبا بكر ، ويعلمه وجه الحيلة في المنع حتّى يشتبه الأمر على العوامّ ، ولا يروا ذلك ظلما صريحا ، فقال : هذا لم يوجف أبوك بخيل ولا ركاب؛ يعني إن لم نوجف نحن عليه بخيل فصرنا بذلك غير مستحقّين للتملّك فقد شاركنا أبوكِ في عدم الإيجاف ، فكان مقتضى القياس والاشتراك في علّة الحكم أن لا يتصرّف فيه تصرّفَ الملّاك ، ولا يعطيكِ كلّه كما تدّعينه ، فخلّينا نذهب ولا نفشي ما فعل أبوك من مخالفة الحقّ ، بناءً على أنّ قوله : «فضعي الحبال على رقابنا» من باب قول عائشة ليزيد بن الأصمّ : رُمي برسنك على غاربك ، أي خلّى سبيلك ، فليس لك أحد يمنعك عمّا تريد ، تشبيها بالبعير يوضع زمامه على ظهره ويطلق يسرح أين أراد في المرعى .

1.الإسراء (۱۷) : ۲۶ .

2.الوافي ، ج ۱۰ ، ص ۳۰۷ .

  • نام منبع :
    الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج2
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : الدرایتی، محمد حسین
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 96364
صفحه از 688
پرینت  ارسال به