الجنّة مجازا ؛ لأنّ الجميع من أفراده ، فكأنّه سنخهم ومادّتهم في خلق التقدير وإن كان بعضهم صفوا ، وبعضهم درديَّ ذلك الصفو .
والمفهوم العامّ الشامل لجميع ذوي درجات القسم الثاني يمكن أن يعبّر بطينة السجّين ، والكلام في هذا القسم كالكلام في القسم الأوّل على التناظر .
وأمّا الطينة المخلوطة من الطينتين ، فهو المفهوم الجامع لأفرادٍ من الإنسان لا يستطيعون حيلةً ولا يهتدون سبيلاً .
أمّا من جهة البلادة والغباوة الفطريّة والمزاجيّة ؛ فإنّهم لم يؤتَوا جودةَ ذهن وصفاءَ قريحة يقتدر بها على التمييز بين الآراء المتقابلة ، وإنّما ارتفعوا عن اُفق الحيوانيّة بدرجةٍ ؛ حيث اُعطوا عقلاً جزئيا ينتفعون به في اُمور معاشهم ، ويقلّدون من يدعوهم إلى ما يرمون به معادهم ، فهم أتباع كلّ ناعق ، يميلون مع كلّ ريح ، ولقد أحسن من قال ، (شعر) :
عقل جُزْوى ، عقلِ استخراج نيستجز پذيراى فن و محتاج نيست۱
وأمّا من جهة أنّ في قوّتهم التمييزَ والاستخراجَ ، ولكن لم يتيسّر لهم صحبة من يُخرج ما في قوّتهم إلى الفعل ، ولو اتّفقت صحبتهُم شغلهم ضيق المعاش ، وكثرة من لزمهم نفقته ، مثل الأب والاُمّ الفانيَيْن ، والبنين والبنات الصغار ، أو الشواغل البدنيّة والنفسيّة ، مثل الأسقام والمخوّفات والمشوّشات ، وكلا الصنفين عقولهما وإن كانت ضعيفة ، إلّا أنّها مع ذلك الضعف مجبولة على الحكم بحُسن الأخلاق والأفعال ، وبقبح بعضٍ آخَرَ ، وقد ركّبت في كلا الصنفين قوى شهوانيّة وغضبيّة تدعو كلٌّ إلى ما يلائمه، سواء كان جاريا على سنن العقل ، أم لا ، فيصدر منهم الصالحات والسيّئات كلاهما ، ولمّا كان الاُولى آثار الطينة الطيّبة، والثانية آثار الطينة الخبيثة ، فبهذا الوجه يصحّ أن يُقال : طينتهم ركّبت من الطينتين .
وبالحقيقة كلّ واحدٍ منهم درديّ إحداهما ، ويلتحق بأصله ، وصدور كلّ من الصالحات التي صدرت من درديّ الطينة الخبيثة ، والسيّئات التي صدرت من درديّ