215
الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج2

الجنّة مجازا ؛ لأنّ الجميع من أفراده ، فكأنّه سنخهم ومادّتهم في خلق التقدير وإن كان بعضهم صفوا ، وبعضهم درديَّ ذلك الصفو .
والمفهوم العامّ الشامل لجميع ذوي درجات القسم الثاني يمكن أن يعبّر بطينة السجّين ، والكلام في هذا القسم كالكلام في القسم الأوّل على التناظر .
وأمّا الطينة المخلوطة من الطينتين ، فهو المفهوم الجامع لأفرادٍ من الإنسان لا يستطيعون حيلةً ولا يهتدون سبيلاً .
أمّا من جهة البلادة والغباوة الفطريّة والمزاجيّة ؛ فإنّهم لم يؤتَوا جودةَ ذهن وصفاءَ قريحة يقتدر بها على التمييز بين الآراء المتقابلة ، وإنّما ارتفعوا عن اُفق الحيوانيّة بدرجةٍ ؛ حيث اُعطوا عقلاً جزئيا ينتفعون به في اُمور معاشهم ، ويقلّدون من يدعوهم إلى ما يرمون به معادهم ، فهم أتباع كلّ ناعق ، يميلون مع كلّ ريح ، ولقد أحسن من قال ، (شعر) :

عقل جُزْوى ، عقلِ استخراج نيستجز پذيراى فن و محتاج نيست۱
وأمّا من جهة أنّ في قوّتهم التمييزَ والاستخراجَ ، ولكن لم يتيسّر لهم صحبة من يُخرج ما في قوّتهم إلى الفعل ، ولو اتّفقت صحبتهُم شغلهم ضيق المعاش ، وكثرة من لزمهم نفقته ، مثل الأب والاُمّ الفانيَيْن ، والبنين والبنات الصغار ، أو الشواغل البدنيّة والنفسيّة ، مثل الأسقام والمخوّفات والمشوّشات ، وكلا الصنفين عقولهما وإن كانت ضعيفة ، إلّا أنّها مع ذلك الضعف مجبولة على الحكم بحُسن الأخلاق والأفعال ، وبقبح بعضٍ آخَرَ ، وقد ركّبت في كلا الصنفين قوى شهوانيّة وغضبيّة تدعو كلٌّ إلى ما يلائمه، سواء كان جاريا على سنن العقل ، أم لا ، فيصدر منهم الصالحات والسيّئات كلاهما ، ولمّا كان الاُولى آثار الطينة الطيّبة، والثانية آثار الطينة الخبيثة ، فبهذا الوجه يصحّ أن يُقال : طينتهم ركّبت من الطينتين .
وبالحقيقة كلّ واحدٍ منهم درديّ إحداهما ، ويلتحق بأصله ، وصدور كلّ من الصالحات التي صدرت من درديّ الطينة الخبيثة ، والسيّئات التي صدرت من درديّ

1.مثنوي معنوي ، دفتر چهارم ، ص ۶۳۶ ، ش ۱۲۹۵ .


الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج2
214

والأوصياء والمؤمنون ـ فلكون طينتهم خالصا عن السواد والنتن الذاتيّين ، فميلهم واختبارهم إلى الإيمان من جهة ذواتهم ، ولا يتحوّلون عن الإيمان لذلك ، ومَن خلق من حمأ مسنون بعكس هذا ، والمستضعفون لمّا لم يخلقوا من طينٍ لازب ، ولا من حمأٍ مسنون بل من تراب ، فأمرهم منوط بمشيئة اللّه تعالى .
وليعلم أنّ الألفاظ يتطرّق إليها الاستعارات والكنايات ، خصوصا في مقام ذكر الحقائق المتعالية عن أن يحيط بها أفهام العوامّ ، ولكنّ الغرض المسوق له الكلام ممّا لا يكاد يخفى على من له أدنى تميّز ، والمعصومون عليهم السلام ذكروها على وجه يأخذ صاحبُ كلّ مرتبة قسطه منها ؛ فبعض ينتفعون بفهم الغرض ، وبعض يتفطّنون بالكيفيّة والّلم على حسب ما انفتح لهم عين القلب .
ولعلّك سمعت في كتاب التوحيد عدّة اُصول يمكنك أن تجعلها سُلّما للارتقاء إلى المقصود .
والذي أقول هاهنا هو أنّ النظام الأعلى ـ الذي هو عبارة عن جميع الممكنات التي عيّن لها في العلم تشريف الوجود من خزانة الفيض والجود - واجب الوجود بالنظر إلى الحكمة الكاملة على النسق والترتيب الواقع ، وينقسم أجزاؤه إلى ذوي الإرادة وغير ذوي الإرادة ، وذوو الإرادة إلى ذوي العقل الذين يعبّر عنهم بالمختار ، وغير ذوي العقل ، وكلّ واحد واحد منها بخصوصه معلومٌ للّه تعالى علما متعاليا عن أن يُحاط بكنهه .
والمختار قسمان : قسمٌ معلوم للّه تعالى في الأزل أنّه حين ما يصادف من أجزاء النظام ما اُتيح له يختار أخلاقا واقعا لا تجعله قابلاً لأن يدخل الجنّة تفضّلاً .
وقسمٌ معلوم له تعالى أنّه حين ما يصادف من أجزاء النظام ما اُتيح له يختار أخلاقا واقعا لا تجعله قابلاً لأن يدخل النار عدلاً .
وكما كان للجنّة والنار طبقات ، فكذلك كان لكلّ من القسمين ذوو درجات على حسب تلك الطبقات .
والمفهوم العامّ الشامل لجميع ذوي درجات القسم الأوّل يمكن أن يُعبّر بطينة

  • نام منبع :
    الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج2
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : الدرایتی، محمد حسین
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 91220
صفحه از 688
پرینت  ارسال به