217
الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج2

والثواب والعقاب . كيف ولو كان بعد حصول العلم بمصلحة محرّم مثلاً ، يجب أن يصدر ذلك المحرّم عن الفاعل ، فأيّ ذنب للفاعل في ذلك؟ إذ ليس له ذنب في حصول العلم أصلاً ، ضرورةً واتّفاقا ، سواء قيل : إنّ حصول العلم منه بالإيجاب ، أو لا . وبعد حصول العلم لا يمكن أن يمتنع صدور الفعل ، بل يصدر البتّة ، فلأيّ معنى يكون الفاعل مذنبا ومستحقّا للتوبيخ والتنديم ؟ وهل هذا إلّا مثل أن يكون لرجل ثلاثة عبيد ، سمّى أحدهما بالعلم ، والآخر بالإرادة ، والآخر بالفاعل ، وشدّ حبلاً على وسط العبيد وكان رأس الحبل بيده ، فجذبه بحيث سقطت العبيد ، وكان سقوط العلم مستلزما لسقوط الإرادة ، وسقوط الإرادة مستلزما لسقوط الفاعل ؟ فهل يجوز حينئذٍ أن يضرب السيّد الفاعل لأجل سقوطه باعتبار أنّ العلم والإرادة من جملة أسباب سقوطه ؟ وهل يجوّز عاقل مثل ذلك ؟
قلت : لو كان مجرّد العلم سببا موجبا للإرادة أو الفعل ، كان الأمر كما ذكرته ، لكنّه ليس كذلك ، بل العلم بالمصلحة مثلاً يصيرفي بعض الموادّ سببا موجبا للفعل ـ إن قلنا : إنّ الإرادة ليست إلّا الداعي ـ أو للإرادة إن قلنا : إنّها غيره ، وفي بعض الموادّ لا يصير سببا لأحدهما ، كما أنّ الصالح والطالح مشتركان في العلم بمنفعة الخمر مثلاً ، وذلك العلم يكون في الطالح سببا موجبا لشربه ، أو للإرادة الموجبة له ، ولا يكون في الصالح كذلك ، فهذا الأمر الذي يوجب كون الطالح مذنبا مستحقّا للذمّ والعقاب دون الصالح .
فإن قلت : حاصل ما ذكرته يرجع إلى أنّ حصول العلم بمصلحة الخمر في مادّة الطالح لمّا كان موجبا للشرب أو إرادته دون مادّة الصالح ، فلا جرم يكون لمادّته مدخل في حصول الشرب ، فيكون الذمّ والتوبيخ لأجله ، وهذا ليس بصحيح ؛ لأنّ ذات الطالح إذا كان موجبة لفعل المحرّم ، فأيّ ذنبٍ له في فعله ؟
قلت : أيّ فساد في أن يكون ذات الفاعل الطالح موجبة لفعل المحرّم بشرط حصول العلم له بنفعه ، وسببا لاستحقاق اللوم والعقاب ؟ وفي قول من قال بأنّ الذات لابدّ أن يكون لها مدخل في حصول الفعل حتّى تكون مستحقّة للثواب والعقاب ؟
والعجب أنّ جمهور أهل العرف إذا حاولوا المبالغة في ذمّ أحد أو مدحه ، يقولون : إنّ ذاته كذا وكذا ، ثمّ إذا وصلوا إلى هذا المقام ، يعدّونه مستنكرا و يستهزئون عنه .
ولو قيل : إنّا لا ننكر أن يكون للذات مدخل في حصول الشرّ والخير ، ويكون الفاعل مستحقّا للثواب والعقاب والمدح والذمّ ، ولكن ننكر أن تكون موجبة لهما بشرط العلم ، ومع ذلك كان الأمر كذلك .


الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج2
216

الطينة الطيّبة ، مقتضى الحكمة الكاملة ومصلحة النظام الكلّي ، ولا ينقلب أحد الدرديّين إلى الآخر ، ومَثَل ذلك أنّ المفهوم العامّ الشامل لجميع الأجسام الطيّبة يصحّ أن يُقال : إنّه طينة تلك الأجسام ؛ إذ الجميع أفراده ، المسكُ فما دونه .
والمفهومَ العامّ الشامل لجميع الأجسام الخبيثة طينتها ؛ إذ الجميع أفراده ، العذرة فما دونها ، وربّما يكتسب جسم طيّب بسبب المجاورة للعذرة نتنا ، ولا يصير بذلك عذرة ، وربّما يكتسب العذرة اليابسة بسبب المجاورة للمسك ريحا طيّبا ، ولا يصير بذلك مسكا ، ويُلحِق المميّز الناقد كلّاً بأصله .
والفرق بين الممثَّل والممثّل له ـ بأنّ أحدهما ذو الاختيار ، والآخَر عديمه ـ لا ينافي الاختلاف الذاتي السابق في العلم الأزلي . وقد سبق في كتاب التوحيد كلامٌ مستوفى في هذ الباب ، ولنذكر هاهنا ما أفاده المحقّق البارع اُستاذ الكلّ في الكلّ آقا حسين الخوانساري ـ قدّس اللّه روحه ـ في الحاشية التي على شرح المختصر ، وقد أدرجها ولده الفاضل الكامل في حواشيه على الشرح المذكور ؛ قال طاب ثراه :
قوله : ثمّ نقول : العقل لا يحكم بحسن فعل فيه بحث ؛ لأنّ الاضطراري الذي لا يحكم العقل بحسن فعل يصدر معه ، ليس هذا المعنى الذي لزم ممّا ذكره ؛ لأنّ اللازم ممّا ذكره ليس إلّا أنّه يجب صدور الفعل عن العبد بسبب وجود الاختيار والإرادة فيه ، ووجوده فيه ليس باختيار ، ولا نسلّم أنّ هذا هو الاضطراري المذكور على أحد وجهين ؛ إمّا بأن يصدر الفعل عن الفاعل بدون شعور وإرادة كما يصدر عن الطبائع ، وإمّا بأن يصدر عنه مع الشعور لكن بقسر قاسر وجبر جابر ، مثل أن يأخذ أحد بيد أحد ويضربَ به رجلاً .
أمّا إذا صدر فعل عن فاعل يكون عالما به وبمصلحته ، ويكون علمه بمصلحته باعثا له على فعله ، حتّى لو لم يكن له ذلك العلم ، بل كان له العلم بمصلحة تركه ، لما فعله ، بل تركه لأجل علمه بمصلحة تركه ، فليس هذا اضطراريّا أصلاً ، وإن كان صدور الفعل بعد حصول ذلك العلم بطريق الوجوب واللزوم ، سواء كان حصول العلم من نفسه ، أو لا .
فإن قلت : هذا مجرّد اصطلاح ؛ إذ اصطلحتم على أنّ مثل هذا الفعل يسمّى اختياريّا ، لا اضطراريّا ، والقسمين الأوّلين يسمّيان اضطراريّا ، وإلّا ففي الحقيقة لا فرق بين الأقسام فيما يتعلّق به غرضنا من عدم جواز تعلّق الحسن والقبح ، والمدح والذمّ ،

  • نام منبع :
    الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج2
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : الدرایتی، محمد حسین
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 90737
صفحه از 688
پرینت  ارسال به