والثواب والعقاب . كيف ولو كان بعد حصول العلم بمصلحة محرّم مثلاً ، يجب أن يصدر ذلك المحرّم عن الفاعل ، فأيّ ذنب للفاعل في ذلك؟ إذ ليس له ذنب في حصول العلم أصلاً ، ضرورةً واتّفاقا ، سواء قيل : إنّ حصول العلم منه بالإيجاب ، أو لا . وبعد حصول العلم لا يمكن أن يمتنع صدور الفعل ، بل يصدر البتّة ، فلأيّ معنى يكون الفاعل مذنبا ومستحقّا للتوبيخ والتنديم ؟ وهل هذا إلّا مثل أن يكون لرجل ثلاثة عبيد ، سمّى أحدهما بالعلم ، والآخر بالإرادة ، والآخر بالفاعل ، وشدّ حبلاً على وسط العبيد وكان رأس الحبل بيده ، فجذبه بحيث سقطت العبيد ، وكان سقوط العلم مستلزما لسقوط الإرادة ، وسقوط الإرادة مستلزما لسقوط الفاعل ؟ فهل يجوز حينئذٍ أن يضرب السيّد الفاعل لأجل سقوطه باعتبار أنّ العلم والإرادة من جملة أسباب سقوطه ؟ وهل يجوّز عاقل مثل ذلك ؟
قلت : لو كان مجرّد العلم سببا موجبا للإرادة أو الفعل ، كان الأمر كما ذكرته ، لكنّه ليس كذلك ، بل العلم بالمصلحة مثلاً يصيرفي بعض الموادّ سببا موجبا للفعل ـ إن قلنا : إنّ الإرادة ليست إلّا الداعي ـ أو للإرادة إن قلنا : إنّها غيره ، وفي بعض الموادّ لا يصير سببا لأحدهما ، كما أنّ الصالح والطالح مشتركان في العلم بمنفعة الخمر مثلاً ، وذلك العلم يكون في الطالح سببا موجبا لشربه ، أو للإرادة الموجبة له ، ولا يكون في الصالح كذلك ، فهذا الأمر الذي يوجب كون الطالح مذنبا مستحقّا للذمّ والعقاب دون الصالح .
فإن قلت : حاصل ما ذكرته يرجع إلى أنّ حصول العلم بمصلحة الخمر في مادّة الطالح لمّا كان موجبا للشرب أو إرادته دون مادّة الصالح ، فلا جرم يكون لمادّته مدخل في حصول الشرب ، فيكون الذمّ والتوبيخ لأجله ، وهذا ليس بصحيح ؛ لأنّ ذات الطالح إذا كان موجبة لفعل المحرّم ، فأيّ ذنبٍ له في فعله ؟
قلت : أيّ فساد في أن يكون ذات الفاعل الطالح موجبة لفعل المحرّم بشرط حصول العلم له بنفعه ، وسببا لاستحقاق اللوم والعقاب ؟ وفي قول من قال بأنّ الذات لابدّ أن يكون لها مدخل في حصول الفعل حتّى تكون مستحقّة للثواب والعقاب ؟
والعجب أنّ جمهور أهل العرف إذا حاولوا المبالغة في ذمّ أحد أو مدحه ، يقولون : إنّ ذاته كذا وكذا ، ثمّ إذا وصلوا إلى هذا المقام ، يعدّونه مستنكرا و يستهزئون عنه .
ولو قيل : إنّا لا ننكر أن يكون للذات مدخل في حصول الشرّ والخير ، ويكون الفاعل مستحقّا للثواب والعقاب والمدح والذمّ ، ولكن ننكر أن تكون موجبة لهما بشرط العلم ، ومع ذلك كان الأمر كذلك .