219
الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج2

وما يهمّه طلب الطريق المتفصّى عنه والحيلة في الخلاص منه ، كيف ولو كان كذلك لما كان هذا الشخصَ المفروض ، بل كان الشخصَ الذي ليس ذاته موجبةً لفعل القبيح بعد حصول العلم له بمنفعته وهو ظاهر .
فإن قلت : إذا جعل اللّه ذاته كذلك ، فكيف يجوز بعد ذلك اللومُ والعقاب منه تعالى للشخص المذكور على فعل القبيح ؟
قلت : ما جعل اللّه ذاته كذلك ، بل جعلها موجودة ؛ لأنّ كون ذاته كذلك ليس بجعل جاعل ، بل من لوازم ماهيّته .
فإن قلت : لِمَ أوجد اللّه تعالى مثل هذه الذات ؟
قلت : إيجاد مثل هذه الذات إذا كان فيه مصلحة ليس قبيحا ، إنّما القبيح جعل الذات كذلك ، وقد عرفت أن لا مدخل فيه للجعل .
وأمّا أنّه أيّ مصلحة فيه ، فهو من أسرار القضاء والقدر التي نهي عن الخوض فيها ، ولم يرخّص في الكشف عنها .
إلى هنا عبارة الاُستاذ المحقّق بعينها ، وما يختلج ببال أصحاب الجدال من القيل والقال ، أو يدعو إلى استفصال ما يترآءى من الإجمال يندفع وينحلّ ويتّضح بما قد أتمّ به الاُستاذ المحقّق الحاشية الشريفة ، ولعلّك إن أحطت بما أصّلناه في تضاعيف ما ذكرنا في شرح أحاديث كتاب التوحيد تتمكّن من دفع كلّ ما ينزعج به من خطرات الأوهام ؛ واللّه الهادي إلى سواء السبيل .
قوله : (تهوي إلينا) . [ح ۴ / ۱۴۵۲]
بكسر الواو ؛ في التنزيل : «فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنْ النَّاسِ تَهْوِى إِلَيْهِمْ»۱ .
قوله :«علّيّون». [ح ۴ / ۱۴۵۲]
في النهاية في (ع ل ي) :
إنّ أهل الجنّة ليتراؤون أهل علّيّين كما ترون الكوكب الدرّيّ في اُفق السماء ، علّيّون اسم السماء السابعة . وقيل : هو اسم لديوان الملائكة الحفظة ترفع إليه أعمال الصالحين من العباد . ۲

1.إبراهيم (۱۴) : ۳۷ .

2.النهاية ، ج ۳ ، ص ۲۹۴ (علي) .


الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج2
218

قيل : إذا تأمّلت يظهر لك أنّ الوجوب واللزوم أيضا لا ينافي ذلك ، بل يؤكّده ويحقّقه ، ولنفرض لك مثالاً للتوضيح والتبيين ، فنقول : هل لا تعرف أنت وجميع أهل العقل بأنّه إذا كان أحدٌ بحيث يقدم على القبيح بأدنى سبب ، فهو أسوء حالاً ممّن لا يقدم عليه بسببٍ أقوى منه ، وهكذا ، مثلاً إذا كان أحد بحيث لا يقدم على قتل نفس ظلما بمجرّد إعطاء دينار له ، بل يقدم عليه بإعطاء ألف دينار ، فهو خيرٌ ممّن يقدم عليه بمجرّد إعطاء دينار ، ومَن لا يقدم عليه بإعطاء ألف دينار ، بل بإعطاء آلاف آلاف دينار فهو خيرٌ ممّن يقدم عليه بإعطاء ألف دينار وهكذا . فإن كان أحدٌ بحيث لو اُعطي له جميع خزائن الأرض لا يقدم على الفعل ، فلا شكّ أنّه أجدر بالمدح والثناء ممّن لم يكن كذلك ، ولا شكَّ أيضا أنّه إذا كان الشخص المذكور بحيث يجوز أن يصدر عنه الفعل بسبب إعطاء خزائن الأرض أنّه ليس في مرتبة ما إذا كان يمتنع عنه الإقدام المذكور بسبب ذلك الإعطاء ؛ ألا ترى أنّ كافّة ذوي العقول يقولون في مقام المدح : إنّ فلانا بحيث إذا اُعطي له خزائن الأرض يمتنع أن يقدم على القبيح .
فظهر أنّ الذات كلّما كانت أقرب من أن يمتنع عنه صدور القبيح ، كانت أكمل وأولى ، وإذا بلغت حدّ الامتناع فباطريق الأولى .
وبعد التأمّل فيما ذكرنا يستبان أنّ كون الذات موجبة لفعل الحسن والقبيح بعد حصول العلم بمنفعتها لا يقدح في استحقاق المدح والذمّ ، والثواب والعقاب ، بل يؤكّده ويحقّقه كما أشرنا إليه .
فإن قلت : إذا قال الشخص ـ الذي فرض أنّ ذاته موجبة لفعل القبيح بعد حصول العلم له بنفعه في مقام الاعتذار عن فعل القبيح وطلب التفصّي عنه ـ : إنّي كيف أصنع؟ وما الحيلة لي في الخلاص عنه؟ فإنّي إن أردت أن لا أفعل القبيح لما أمكن لي ، ويصدر عن ذاتي القبيح ألبتّة ، فحينئذٍ فما الجواب عنه ؟
قلت : لو فرض هذا القول منه ، فهو قولٌ منه باللسان وحده ، وليس في قلبه منه عينٌ ولا أثر ، إذ لو كان أحدٌ بحيث يريد أن لا يفعل القبيح لا يفعله البتّة ، إلّا إذا كان مجبورا بالمعنى الذي ذكرنا سابقا ، وهو خارج عمّا نحن فيه ، وكذا لو قال في طلب التفصّي عن فعل القبيح والحيلة في تركه لما كان يفعله إذا كان مخلّى بطبعه ، فالشخص المفروض ـ الذي يفعل القبيح وإن كان مخلّى وطبعه ـ ليس يميل طبعه مثلاً جازما إلى ترك القبيح ألبتّة ،

  • نام منبع :
    الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج2
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : الدرایتی، محمد حسین
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 90583
صفحه از 688
پرینت  ارسال به