245
الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج2

شاكلتهم ، لم يثنهم ريبٌ في بصيرتهم ، ولم يختلجهم شكٌّ في قفو آثارهم، والايتمام بهداية منارهم ، مكانفين وموازرين لهم ، يدينون بدينهم ، ويهتدون بهديهم ، يتّفقون عليهم ، ولا يتّهمونهم فيما أدّوا إليهم .
اللّهمَّ وصلِّ على التابعين من يومنا هذا إلى يوم الدِّين ، وعلى أزواجهم وعلى ذرّيّاتهم ، وعلى من أطاعك منهم ، صلاةً تعصمهم بها من معصيتك ، وتفسح لهم في رياض جنّتك ، وتمنعهم بها من كيد الشيطان ، وتعينهم بها على ما استعانوك عليه من برّ، وتقيهم بها طوارق الليل والنهار ، إلاّ طارقا يطرق بخير وتبعثهم بها على اعتقاد حسن الرجاء لك ، والطمع فيما عندك ، وترك التهمة فيما تحويه أيدي العباد لتردّهم إلى الرغبة إليك والرهبة منك ، وتزهّدهم في سعة العاجل ، وتحبّب إليهم العمل للآجل ، والاستعداد لما بعد الموت ، وتهوّن عليهم كلّ كربٍ يحلّ بهم يوم خروج الأنفس من أبدانها ، وتعافيهم ممّا تقع به الفتنة من محذوراتها ، وكبّة النار ، وطول الخلود فيها ، وتصيّرهم إلى أمنٍ من مقيل المتّقين . ۱
والحاصل أنّ التفاضل كما كان من جهة قوّة إيمان الأوّلين زائدة على قوّة إيمان من بعدهم وإن كان أكثر علما منهم ، والمراد بالإيمان هو تلقّي ما استيقنته النفس بالقبول واليقين بحسب قلّة المعارف وكثرتها على مراتب ، والقبول أيضا بحسب ذلك على مراتب ، أصل ذلك كلّه طهارة الطينة وقربها من طينة الأنبياء والأئمّة عليهم السلام .
وناهيك شاهدا على ذلك ما في قصّة بلوهر الحكيم المنقولة في كتاب إكمال الدين وإتمام النعمة من حكاية الطير المسمّى بالقدم وبيضه . ۲
وكثرة العمل لا يستلزم قوّة الإيمان ، كما دلّ عليه الأخبار المستفيضة ، فلذلك ليست مناط التفاضل .
ومن تلك الأخبار ما سبق في كتاب العقل في حديث هشام أنّ قليل العمل من العاقل مقبول مضاعف ، وكثير العمل من أهل الهوى والجهل مردود .
وفي الحديث : «نومٌ على يقين خيرٌ من عبادةٍ مع شكّ ۳ » . ۴

1.الصحيفة السجّاديّة ، ص ۴ ، الدعاء (۴).

2.كمال الدين ، ح ۲ ، ص ۵۷۷ .

3.في المصدر : «خير من صلاة في شكّ» .

4.نهج البلاغة ، ص ۴۸۵ ، ح ۹۷ .


الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج2
244

يتيسّر لمن هو مسبوق أن يسعى ويسبق على سابقه ، وكذا لا يستتبّ للمفضول أن يكتسب الكمال ، ويفضل على فاضله .
وفي كلام أمير المؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة : «ألا وأنّ اليوم المضمار وغدا السباق» . 1 قوله عليه السلام : (تفاضَلَ بذلك أوائل هذه الاُمّة و أواخرُها). [ح 1 / 1529]
أي بالسبق على درجات الإيمان لا بالعمل أو الزمان ، ومرجع ذلك إلى مراتب التصديق وتسخير جنود الجهل التي يعارض ويعلق النفس .
والغرض أنّ أوائل هذه الاُمّة وأواخرها ـ أعني المهاجرين والأنصار والتابعين ـ كانوا في قوّة الإيمان على الترتيب الأعلى فالأعلى ، ولذلك قدّم اللّه بعضهم على بعض في كتابه على ذلك الترتيب بقوله : «وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ» 2 .
واعتبر قوّة إيمانهم من كلام سيّد الساجدين عليه السلام في الصحيفة الكاملة حيث قال في دعاء الصلاة على أتباع الرسل :
اللّهمَّ وأصحاب محمّد خاصّة الذين أحسنوا الصحابة ، والذين اُبلوا البلاء الحسن في نصره ، وكانفوه ، وأسرعوا إلى وفادته ، وسابقوا إلى دعوته ، واستجابوا له حيث أسمعهم حجّة رسالاته ، وفارقوا الأزواج والأولاد في إظهار كلمته ، وقاتلوا الآباء والأبناء في تثبيت نبوّته ، وانتصروا به ، ومن كانوا منطوين على محبّته يرجون تجارةً لن تبور في مودّته ، والذين هجرتهم العشائر إذ تعلّقوا بعروته ، وانتفت منهم القرابات إذ سكنو في ظلّ قرابته ، فلا تنس لهم اللّهمَّ ما تركوا لك وفيك ، وأرضهم من رضوانك ، وبما حاشوا الخلق عليك ، وكانوا مع رسولك دُعاةً لك إليك ، واشكرهم على هجرهم فيك ديار قومهم ، وخروجهم من سعة المعاش إلى ضيقه ، ومن كثرت في إعزاز دينك من مظلومهم .
اللّهمَّ وأوصل إلى التابعين لهم بإحسان الذين يقولون ربّنا اغفرلناولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان خير جزائك الذين قصدوا سمتهم ، وتحرّوا وجهتهم، ومَضَوا على

1.نهج البلاغة ، ص ۷۱ ، الخطبة ۲۸ .

2.التوبة (۹) : ۱۰۰ .

  • نام منبع :
    الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج2
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : الدرایتی، محمد حسین
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 89893
صفحه از 688
پرینت  ارسال به