247
الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج2

الحقّ ما نقل عن الفرّاء والكسائي ـ وإمّا إخبار منه عليه السلام بأنّ الترتيب معتبر عند اللّه هاهنا .
وكيف كان ، دلَّ الحديث على أنّ اللّه تعالى قدّم بعضا على بعض في الذِّكر ، ودلّ سبحانه بذلك على فضل المقدَّم وزيادة ثوابه وتقدّمه في الواقع ؛ للسبق في درجة الإيمان، لا لما قارنه من السبق بحسب الزمان ، وأخّر بعضا عن بعض لما سبق في علمه من كون ذلك البعض مبطئا في الاستباق ، ومقصّرا في تقوية الإيمان بتسخير جنود الجهل ودفع المعارضات الوهميّة ، وإن كان زائدا في العمل على البعض المقدَّم .
وقد سبق في كتاب العقل في رواية هشام : «أنّ قليل العمل من العاقل مقبول مضاعف ، وكثير العمل من أهل الهوى والجهل مردود» . ۱
وفي حديث : «نومٌ على يقين خيرٌ من عبادةٍ مع جهل» . ۲
وأيضا : «نوم العاقل خيرٌ من عبادة الجاهل» . ۳
وربّما يسبق إلى بعض الأوهام أنّ المراد تفضيل السابق على المسبوق بحسب الزمان من حيث إنّه سابق بحسب الزمان .
وأنت تعلم أنّ ذكر الإبطاء والتقصير يأبيانه .
قوله :«فَضْلُ اللَّهِ»إلى قوله:«أَجْرًا عَظِيمًا»۴. [ح ۱ / ۱۵۲۹]
قال المفسِّرون : «أجرا» مفعول ثان ل «فضّل» باعتبار تضمّنه معنى الإعطاء ، وكلّ واحد من «درجات» و«مغفرة» و«رحمة» بدل من «أجرا». ويجوز أن يكون منصوبا على المصدر ، ويجوز أن ينتصب «درجات» بنزع الخافض ، و«مغفرة» و«رحمة» على المصدر بإضمار فعلهما .

1.الكافي ، ج ۱ ، ص ۱۷ ، ح ۱۲ .

2.لم نعثر على الحديث بهذا النصّ في موضع ، لكن ورد في المنابع الحديثيّة كثيرا ما هكذا : «نوم على يقين خير من صلاة في شكّ» . راجع : نهج البلاغة ، ص ۴۸۵ ، الكلمة ۹۷ ؛ خصائص الأئمة عليهم السلام ، ص ۹۵ ؛ عيون الحكم ، ص ۴۹۷ ؛ كنزالعمّال ، ج ۳ ، ص ۸۰۰ ، ح ۸۸۰۱ ، (في كلّها عن أميرالمؤمنين عليّ عليه السلام ) .

3.اُنظر : بحارالأنوار ، ج ۱ ، ص ۲۰۸ .

4.النساء (۴) : ۹۵ .


الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج2
246

وقوله عليه السلام : إذن لَلَحِقَ ؛ في الأجر والثواب «آخر هذه الاُمّة» أي الذي هو أضعف إيمانا ، وقارنه التأخّر الزماني «أوّلها» أي الأقوى إيمانا ، وإن قارنه التقدّم الزماني .
«ولَتَقَدَّمُوهم» أي في الرئاسات الحقّة ، أو في الترتيب الذكري .
«ولكنّ اللّه قدّم السابقين» أي إلى الإيمان على حسب الدرجة ، وقوّة اليقين على المبطئين المقصّرين .
وفي ذكر الإبطاء والتقصير إشعار لاُولي النُّهى بأنّ مناط الفضل والتقدّم ليس السبق الزمانيَّ الذي لا اختيار فيه ، بل الخلوص عن شوائب الأغراض الدنيّة ، اللازم لقوّة اليقين ، الحاصلة بتسخير جنود الجهل ، وتضعيف المعارضات الوهميّة .
قوله عليه السلام : «لأنّا نَجِدُ» دليل لقوله : «لكن بدرجات الإيمان» بناءً على أنّ التقديم الذكري الواقع في الآية للتفاضل الواقعي ، كما سيتبيّن في أواخر الحديث ، ونبيّن كلام أهل اللغة في ذلك .
فالمعنى أنّ التفاضل إنّما هو بحسب درجات الإيمان ، لا بحسب العمل ؛ لأنّا نجد من المؤمنين الآخرين ـ الثابت كونهم مفضّلاً عليهم من جهة وقوعهم في الترتيب الذكري مؤخّرين ـ مَن هو أكثر عملاً إلى آخره .
قوله : (فبدأ بالمهاجرين الأوّلين على درجة سَبْقهم ، ثمّ بالأنصار) . [ح 1 / 1529]
قال المحقّق الرضيّ في شرح قول ابن الحاجب : «الواو لمطلق الجمع»:
معنى المطلق أنّه يحتمل أن يكون المجيء حصل من كليهما ـ أي زيد وعمرو في زمانٍ واحد ـ وأن يكون حصل من زيد أوّلاً ، وأن يكون حصل من عمرو أوّلاً ؛ فهذه ثلاث احتمالات عقليّة ، ولا دليل للواو على شيء منها ؛ هذا مذهب جميع البصريّين والكوفيّين . ونقل بعضهم عن الفرّاء والكسائي وتغلب والربعي وابن درستويه . وقال بعض الفقهاء : إنّها للترتيب . 1
أقول : قوله عليه السلام : «فبدأ بالمهاجرين» إمّا استدلال على اعتبار الترتيب ـ بناءً على أنّ

1.شرح الرضي على الكافية ، ج ۴ ، ص ۳۸۱، مع اختلاف يسير.

  • نام منبع :
    الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج2
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : الدرایتی، محمد حسین
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 89807
صفحه از 688
پرینت  ارسال به