281
الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج2

«تشوّفت الدنيا لقومٍ حلالاً محضا ، فلم يُريدُوها فدَرَجوا ، ثمّ تشوّفت لقوم حلالاً وشبهةً ، فقالوا : لا حاجة بنا في الشبهة وتوسّعوا من الحلال ، ثمّ تشوّفت حراما وشبهةً ، فقالوا : لا حاجة لنا في الحرام وتوسّعوا في الشبهة ، ثمّ تشوّفت لقومٍ حراما محضا، فيطلبونه فلا يجدونه ، والمؤمن في الدنيا يأكل بمنزلة المضطرّ» . ۱
أقول : في القاموس : «الشوق نزاع النفس وحركة الهوى . وتشوّق : أظهره تكلّفا» . ۲
وهذا المعنى لا يستدعي مفعولاً ، ولا يبعد أن يكون تشوّق في الحديث مصحّف تشوّف بالفاء .
في النهاية : «تشوّف ، أي تزيّن». ۳ وعلى هذا فحلالاً بعده منصوب بنزع الخافض ، أي تزيّن بالحلال .
وفي قصّة بلوهر التي نقلها الصدوق ـ طاب ثراه ـ في أواخر كتاب إكمال الدين :
قال ابن الملك : أيّها الحكيم أخبرني ماذا تصيب من الطعام والشراب ؟ قال الحكيم : زعموا أنّ ملكا من الملوك كان عظيم المُلك ، كثير الجنود والأموال ، وأنّه بدا له أن يغزو ملكا آخر فيزداد مُلكا إلى ملكه ، ومالاً إلى ماله ، فسار إليه بالجنود والعدد والعُدّة والنساء والأولاد والأثقال ، فأقبلوا نحوه ، فظهروا عليه ، وانهزم عسكره ۴ ، فهرب فيمن هرب ۵ ، وساق امرأته وأولاده صغارا ، فألجأه الطلب عند المساء إلى أجمة على شاطئ بحر ۶ ، فدخلها مع أهله وولده ، وسيّب دوابّه مخافة أن تدلّ عليه ، فباتوا في الأجمة وهم يسمعون وقع حوافر الخيل من كلّ جانب ، فأصبح الرجل لا يطيق براحا ؛ أمّا النهر فلا يستطيع عبوره ، وأمّا الفضاء فلا يستطيع الخروج إليه ؛ لمكان العدوّ ، وهم في مكانٍ ضيّق قد آذاهم البرد ، وأحجرهم ۷ الخوف ، وطواهم الجوع، وليس لهم طعام ولا معهم زاد ، وأولاد صغار جياع يبكون من الضرّ الذي قد أصابهم ، فمكث بذلك يومين ، ثمّ إنّ أحد بنيه مات ، فألقوه في النهر ، ومكث بعد ذلك يوما آخر، فقال الرجل لامرأته : إنّا

1.الكافي ، ج ۵ ، ص ۱۲۵ ، ح ۶ . وعنه في وسائل الشيعة ، ج ۱۷ ، ص ۸۲ ، ح ۲۲۰۴۴ .

2.القاموس المحيط ، ج ۳ ، ص ۲۵۲ (شوق) .

3.النهاية ، ج ۲ ، ص ۵۰۹ (شوف) .

4.في المصدر : «واستباحوا عسكره» .

5.في المصدر : - «فيمن حرب» .

6.في المصدر : «النهر» .

7.في المصدر : «واهجرهم» .


الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج2
280

باب الورع

قوله : (وكان في ذلك المصر۱أورَعَ منه) . [ح ۱۰ / ۱۶۳۷]
يعني من يهوى أن يكون من خواصّنا ، فعليه أن يترقّى في مراتب الورع إلى أن يعتقد أنّه بلغ الغاية ، ولم يبق مرتبة حتّى يحتمل أن يكون غيره قد ترقّى إليها .
وهذا حثّ وترغيب على التسابق وعدم التواني في الاجتهاد طول العمر ، ونهي ضمني عن الترفّع والإعجاب وإن بذل غاية المجهود ؛ إذ غير المعصوم لا يمكنه ذلك الاعتقاد بحال من الأحوال ، بل على أيّ حال يجوز أن يكون في المصر أحد أورع منه، فيسعى أن يترقّى ممّا هو فيه ، ولا يرضى من نفسه الوقوف على حدّ تمام عجزه ؛ رزقنا اللّه تعالى مرافقة أمثاله بمحمّد وآله صلّى اللّه عليهم أجمعين .
هذا إذا كان المراد التحرّز عن المحرّمات والمشبّهات معا ؛ لأنّ للورع حينئذٍ عرضا عريضا لا يكاد يمكن أن يبلغ غايته حتّى يستتمّ للمتورّع اعتقاد أنّ أحدا ليس أورع منه في الواقع .
وأمّا إذا كان المراد اجتناب المحرّمات ـ كما هو ظاهر هذه الأخبار ـ فله غاية ظاهرة ، والعلم ببلوغ الغاية ممكن ، كيف لا وهو واجب التحصيل ، ولا يسع أحدا المقام على الجهل ، وكذا لا يسع أحدا الوقوف دون الغاية ، فإذا اجتنب جميع المحارم فلا يتصوّر أن يزيد عليه أحدٌ في الورع ، بل كلّ من عداه إمّا مثله أو دونه .
وفي الورع بالمعنى الأوّل إشكال ، وهو مبنيّ على مقدّمة هي أنّه لا يتيسّر لكلّ أحد أن يبلغ بالسعي كلّ مرتبة من مراتب الكمال ممكنةٍ لنوع الإنسان ، بل لكلّ من جهة الفطرة قوّة بلوغ مرتبة خاصّة ، وهذا لا يكاد يخفى على من عاشر بني نوعه قدرا من المعاشرة ، وقد نظمت هذا المعنى في المثنوي المسمّى ب «نان و پنير» بيت :

عقلها را كرده ايزد درنهادمختلف اقدار بر حسب مواد
شعلها هر يك به حدّى منتهى استمشعلى از شمع جستن ابلهى است
پس ز هر نفسى فروغى ممكن استچون بفعل آيد توانى گفت هست
سعى مى كن تا بفعل آيد تمامور نه خواهى بود ناقص والسلام
سعى تحصيل است و فكر و اعتبارترك شغلى كان تو را نبود به كار
بر حذر بودن ز طغيان هوازانكه افتد عقل از آن در ضغطها
عبرتى گير از چراغت اى غنىدر غبار ابر و در كم روغنى
هان تو بگشا چشم عبرت گير خويشساز عبرت رهنما و پير خويش
امتياز آدمى از گاو و خرهم به فكر و عبرت آمد اى پسر
چون شدى بى بهره از فكر اى دغلدان كه كالأنعام باشى بل اضلّ
فكر يك ساعت تو را در امر دينبهتر آمد از عبادات سنين
اى خوشا نفسى كه عبرت گير شددر علاج نفس با تدبير شد
تقوى قلب و صلاح واقعىهم به فكر و عبرتست اى المعى
إذا عرفت ذلك فنقول : إذا بذل أحد غاية وسعه في التورّع ، وكان في المصر من في درجةٍ ليس في قوّة الأوّل البلوغ إليها ، صدق أنّه في مصر كان فيه مَن هو أورع منه ، وحيث إنّه أخرج ما في قوّته إلى الفعل ، فليس مستحقّا للتوبيخ وحرمان لفظ «منّا» في الحديث ، مع أنّ مقتضى المقام وسياق الكلام ذلك .
وانحلال هذا الإشكال بأن يُقال : المراد أنّه إذا كان في المصر من هو مثله في الفطرة وأخرج أحدهما ممّا في قوّته ووسعه أكثر من الآخر ، لم يكن ذلك الآخر منّا ، وإن كان في ذلك المصر من هو أورع منهما ولكن أعلى فطرة .
وبالجملة : ليس بواجب أن يكون المشرّف بتشريف «منّا» منحصرا في فرد ، بل في كلّ طبقة من طبقات الفطرة من كان أكثر إخراجا لما في قوّته ، كان هو المخصوصَ بذلك التشريف ، وحُرِمَهُ الباقون .
ولنذكر عدّة روايات وردت في الشبهات ؛ لأنّها هي المضمار في أمر الورع :
روى المصنّف ـ طاب ثراه ـ في باب المكاسب الحرام ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال :

1.في الكافي المطبوع : + «أحد» .

  • نام منبع :
    الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج2
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : الدرایتی، محمد حسین
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 89270
صفحه از 688
پرینت  ارسال به