«تشوّفت الدنيا لقومٍ حلالاً محضا ، فلم يُريدُوها فدَرَجوا ، ثمّ تشوّفت لقوم حلالاً وشبهةً ، فقالوا : لا حاجة بنا في الشبهة وتوسّعوا من الحلال ، ثمّ تشوّفت حراما وشبهةً ، فقالوا : لا حاجة لنا في الحرام وتوسّعوا في الشبهة ، ثمّ تشوّفت لقومٍ حراما محضا، فيطلبونه فلا يجدونه ، والمؤمن في الدنيا يأكل بمنزلة المضطرّ» . ۱
أقول : في القاموس : «الشوق نزاع النفس وحركة الهوى . وتشوّق : أظهره تكلّفا» . ۲
وهذا المعنى لا يستدعي مفعولاً ، ولا يبعد أن يكون تشوّق في الحديث مصحّف تشوّف بالفاء .
في النهاية : «تشوّف ، أي تزيّن». ۳ وعلى هذا فحلالاً بعده منصوب بنزع الخافض ، أي تزيّن بالحلال .
وفي قصّة بلوهر التي نقلها الصدوق ـ طاب ثراه ـ في أواخر كتاب إكمال الدين :
قال ابن الملك : أيّها الحكيم أخبرني ماذا تصيب من الطعام والشراب ؟ قال الحكيم : زعموا أنّ ملكا من الملوك كان عظيم المُلك ، كثير الجنود والأموال ، وأنّه بدا له أن يغزو ملكا آخر فيزداد مُلكا إلى ملكه ، ومالاً إلى ماله ، فسار إليه بالجنود والعدد والعُدّة والنساء والأولاد والأثقال ، فأقبلوا نحوه ، فظهروا عليه ، وانهزم عسكره ۴ ، فهرب فيمن هرب ۵ ، وساق امرأته وأولاده صغارا ، فألجأه الطلب عند المساء إلى أجمة على شاطئ بحر ۶ ، فدخلها مع أهله وولده ، وسيّب دوابّه مخافة أن تدلّ عليه ، فباتوا في الأجمة وهم يسمعون وقع حوافر الخيل من كلّ جانب ، فأصبح الرجل لا يطيق براحا ؛ أمّا النهر فلا يستطيع عبوره ، وأمّا الفضاء فلا يستطيع الخروج إليه ؛ لمكان العدوّ ، وهم في مكانٍ ضيّق قد آذاهم البرد ، وأحجرهم ۷ الخوف ، وطواهم الجوع، وليس لهم طعام ولا معهم زاد ، وأولاد صغار جياع يبكون من الضرّ الذي قد أصابهم ، فمكث بذلك يومين ، ثمّ إنّ أحد بنيه مات ، فألقوه في النهر ، ومكث بعد ذلك يوما آخر، فقال الرجل لامرأته : إنّا
1.الكافي ، ج ۵ ، ص ۱۲۵ ، ح ۶ . وعنه في وسائل الشيعة ، ج ۱۷ ، ص ۸۲ ، ح ۲۲۰۴۴ .
2.القاموس المحيط ، ج ۳ ، ص ۲۵۲ (شوق) .
3.النهاية ، ج ۲ ، ص ۵۰۹ (شوف) .
4.في المصدر : «واستباحوا عسكره» .
5.في المصدر : - «فيمن حرب» .
6.في المصدر : «النهر» .
7.في المصدر : «واهجرهم» .