بلغه أنّه دُعي إلى وليمة هُيّئ له ألوان من الأطعمة اللذيذة : «فانظر إلى ما تَقْضَمُه من هذا المَقْضَم ، فما اشتبه عليك علمه فالفظه ، وما أيقنت بطيب وجوهه فَنَلْ منه ، ألا وإنّ لكلّ مأمومٍ إماما يقتدي به ويستضيء بنوره ، ألا وإنّ إمامكم قد اكتفى من دنياه بطِمْرَيْه، ومن طُعْمه بقرصيه ، ألا وإنّكم لا تقدرون على ذلك ، ولكن أعينوني بورعٍ واجتهاد» الحديث . ۱
فليتأمّل في قوله عليه السلام : «ولكن أعينوني بورعٍ واجتهاد».
وسيجيء في باب الحبّ في اللّه والبغض في اللّه عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «كتب أمير المؤمنين عليه السلام إلى بعض أصحابه يَعِظُه : اُوصيك ونفسي بتقوى من لا تَحِلُّ معصيته ، ولا يرجى غيره ، ولا الغناء إلّا به ، فإنّ من اتّقى اللّه عَزَّ وقوي وشبع ورَوِيَ ورُفِعَ عقلُه عن أهل الدنيا ، فبدنه مع أهل الدنيا وقلبه وعقله مُعايَنُ الآخرة ، فأطْفَأَ بضوء نوره ما أبصرَتْ عيناه من حبّ الدنيا ، فقدّر حرامَها ، وجانب شبهاتها ، وأضرّ واللّه بالحلال الصافي إلّا ما لا بُدَّ منه من كسرة يشدّ بها صلبه ، وثوب يواري به عورته من أغلظ ما يجد وأخشنه ، ولم يكن له فيما لابدّ [له] منه ثقة ولا رجاء ، فوقعت ثقته ورجاؤه على خالق الأشياء ، فجدّ واجتهد ، وأتعب بدنه حتّى بدت الأضلاع ، وغارت العينان ، فأبدل اللّه له من ذلك قوّةً في بدنه ، وشدّةً في عقله ، وما ذُخِرَ له في الآخرة أكثر ، فَارفُضِ الدنيا ؛ فإنّ حبّ الدنيا يُعمي ويُصمّ ويُبكم ، ويُذلّ الرقاب ، فتدارَكْ ما بقي من عمرك، ولا تقل : غدا [أو] بعد غدٍ ؛ فإنّما هلك من كان قبلك بإقامتهم على الأمانيّ والتسويف حتّى أتاهم أمر اللّه بغتةً وهم غافلون ، فَنُقِلوا على أعوادهم إلى قبورهم المظلمة الضيّقة، وقد أسلمهم الأولاد والأهلون ، فانقطع إلى اللّه بقلبٍ مُنيب من رفض الدنيا، وعزمٍ ليس فيه انكسارٌ ولا انخزال ؛ أعاننا اللّه وإيّاك على طاعته ، ووفّقنا اللّه وإيّاك لمرضاته» . ۲