283
الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج2

بلغه أنّه دُعي إلى وليمة هُيّئ له ألوان من الأطعمة اللذيذة : «فانظر إلى ما تَقْضَمُه من هذا المَقْضَم ، فما اشتبه عليك علمه فالفظه ، وما أيقنت بطيب وجوهه فَنَلْ منه ، ألا وإنّ لكلّ مأمومٍ إماما يقتدي به ويستضيء بنوره ، ألا وإنّ إمامكم قد اكتفى من دنياه بطِمْرَيْه، ومن طُعْمه بقرصيه ، ألا وإنّكم لا تقدرون على ذلك ، ولكن أعينوني بورعٍ واجتهاد» الحديث . ۱
فليتأمّل في قوله عليه السلام : «ولكن أعينوني بورعٍ واجتهاد».
وسيجيء في باب الحبّ في اللّه والبغض في اللّه عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «كتب أمير المؤمنين عليه السلام إلى بعض أصحابه يَعِظُه : اُوصيك ونفسي بتقوى من لا تَحِلُّ معصيته ، ولا يرجى غيره ، ولا الغناء إلّا به ، فإنّ من اتّقى اللّه عَزَّ وقوي وشبع ورَوِيَ ورُفِعَ عقلُه عن أهل الدنيا ، فبدنه مع أهل الدنيا وقلبه وعقله مُعايَنُ الآخرة ، فأطْفَأَ بضوء نوره ما أبصرَتْ عيناه من حبّ الدنيا ، فقدّر حرامَها ، وجانب شبهاتها ، وأضرّ واللّه بالحلال الصافي إلّا ما لا بُدَّ منه من كسرة يشدّ بها صلبه ، وثوب يواري به عورته من أغلظ ما يجد وأخشنه ، ولم يكن له فيما لابدّ [له] منه ثقة ولا رجاء ، فوقعت ثقته ورجاؤه على خالق الأشياء ، فجدّ واجتهد ، وأتعب بدنه حتّى بدت الأضلاع ، وغارت العينان ، فأبدل اللّه له من ذلك قوّةً في بدنه ، وشدّةً في عقله ، وما ذُخِرَ له في الآخرة أكثر ، فَارفُضِ الدنيا ؛ فإنّ حبّ الدنيا يُعمي ويُصمّ ويُبكم ، ويُذلّ الرقاب ، فتدارَكْ ما بقي من عمرك، ولا تقل : غدا [أو] بعد غدٍ ؛ فإنّما هلك من كان قبلك بإقامتهم على الأمانيّ والتسويف حتّى أتاهم أمر اللّه بغتةً وهم غافلون ، فَنُقِلوا على أعوادهم إلى قبورهم المظلمة الضيّقة، وقد أسلمهم الأولاد والأهلون ، فانقطع إلى اللّه بقلبٍ مُنيب من رفض الدنيا، وعزمٍ ليس فيه انكسارٌ ولا انخزال ؛ أعاننا اللّه وإيّاك على طاعته ، ووفّقنا اللّه وإيّاك لمرضاته» . ۲

1.نهج البلاغة ، ص ۴۱۶ ، الكتاب ۴۵ . وعنه في وسائل الشيعة ، ج ۲۷ ، ص ۱۵۹ ، ح ۳۳۴۸۰ .

2.الكافي ، ج ۲ ، ص ۱۳۶ ، باب ذمّ الدنيا والزهد فيها ، ح ۲۳ .


الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج2
282

مشرفون على الهلاك جميعا ، وإن بقي بعضنا وهلك بعضنا كان خيرا من أن نهلك جميعا ، وقد رأيت أن أُعجّل ذبح صبيّ من هؤلاء الصبيان فنجعله قوتا لنا ولأولادنا إلى أن يأتي اللّه ـ عزّوجلّ ـ بالفرج ، وإن أخّرنا ذلك هزل الصبيان حتّى لا يشبع لحومهم ، ونضعف حتّى لا نستطيع الحراك وإن وجدنا إلى الخروج ۱ سبيلاً ، فطاوعته امرأته ، فذبحوا بعض أولاده ، ووضعوه بينهم ينهشونه ، فما ظنّك ياابن الملك بذلك المضطرّ : أكْلَ الكلب المستكثر يأكل، أم أكلَ المضطرّ المستقلّ ؟
قال ابن الملك : بل أكلَ المضطرّ المستقلّ ، قال : الحكيم : كذلك أكلي وشربي في الدنيا ياابن الملك . انتهى . ۲
وفي نهج البلاغة في جملة خطبته عليه السلام : «حلالٌ بيّن ، وحرامٌ بيّن ، وشبهات بين ذلك ؛ فمن ترك ما اشتبه عليه من الإثم فهو لما استبان له أترك، والمعاصي حِمَى اللّه عزّوجلّ ، فمن يرتع حولها أوشك أن يدخلها» . ۳
وفيه أيضا: «إنّ من صَرَّحَتْ له العِبَر عمّا بين يديه من المَثُلات حَجَزَتْه التقوى عن تقحّم الشبهات» . ۴
وفيه أيضا من باب في وصف غصّة الموت : «وأنّه لبين أهله ينظر ببصره ، ويسمع باُذنه على صحّةٍ من عقله ، وبقاءٍ من لُبّه ، يفكِّر فيمَ أفنى عمره ، وفيمَ أذهب دهره ، ويتذكّر أموالاً جمعها أغمَضَ في مطالبها ، وأخذها من مصرّفاتها ومشبّهاتها ، ۵ قد لزمته تَبِعاتُ جَمْعها ، وأشرف على فراقها ، تبقى لمن وراءه يتنعّمون ۶ فيها ، ويتمتّعون بها ، فيكون المهنا لغيره ، والعب ء على ظهره» . ۷
وفيه أيضا فيما كتب إلى عثمان بن حنيف الأنصاري ، وكان عامله على البصرة ، وقد

1.في المصدر : «إلى ذلك» .

2.كمال الدين ، ج ۲ ، ص ۵۹۷ .

3.الفقيه ، ج ۴ ، ص ۷۵ ، ح ۵۱۴۹ . وعنه في وسائل الشيعة ، ج ۲۷ ، ص ۱۶۱ ، ح ۳۳۴۹۰ ؛ و ص ۱۷۵ ، ح ۳۳۵۳۱ . ولم نعثر عليه في نهج البلاغة .

4.نهج البلاغة ، ص ۵۷ ، الخطبة ۱۶ . وعنه في وسائل الشيعة ، ج ۲۷ ، ص ۱۶۱ ، ح ۳۳۴۸۸ . أعلام الدين ، ص ۱۴۷ .

5.في المصدر : «في مصرّحاتها و متشتبهاتها» .

6.في المصدر : «ويتمتّعون» .

7.نهج البلاغة ، ص ۱۵۹ ، الخطبة ۱۰۹ .

  • نام منبع :
    الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج2
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : الدرایتی، محمد حسین
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 89187
صفحه از 688
پرینت  ارسال به