فبان بهذا البيان أنّ الرجوع في كلام البيضاوي وهو الرجوع رجوع اللّه ، فمعنى استعتابهم سؤالهم من اللّه أن يرجع عن الإساءة التي كانوا يستحقّونها إلى الفضل والإحسان الذي يحبّونه ويسرّون به ، ومعنى اعتابه تعالى إيّاهم إجابة هذا السؤال والرجوع إلى إعطاء ما يحبّون ويرضون .
في الصحاح : «تقول : استعتبته فأعتبني ؛ أي استرضيته فأرضاني». ۱
فليس استعتاب العباد طلب رضى اللّه ، بل طلب فعل منه تعالى يوجب أن يرضوا ، فقوله تعالى : «فَمَا هُمْ مِنْ الْمُعْتَبِينَ» أي ليسوا مجابين بأن يفعل بهم ما يوجب مسرّتهم ورضاهم .
وظهر من القراءة الثانية صحّة إسناد الاستعتاب إلى اللّه ، ويكون معناه حينئذٍ أن يطلب منهم ما يرضونه به من التوبة والأعمال الحسنة ، واللّه تعالى أخبر على القراءة الثانية أنّه على فرض أن يستعتبهم ، أي يطلب منهم فعل ما يرضونه به من التوبة والأعمال الصالحة لا يستطيعون ذلك ؛ لفوات وقت التوبة والعمل ؛ لأنّ الآخرة دار الجزاء ، لا وقت العمل .
وأخبر أيضا في سورة الروم أنّه لا يستعتبهم حيث قال : «فَيَوْمَئِذٍ لَا يَنفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ»۲ أي لا يقعون مواقع استعتاب اللّه إيّاهم ؛ أي طلبه تعالى منهم فعلاً يرضونه به .
وبالجملة، لا يطلب منهم هنالك إرضاءه كما طلب في دار الدنيا .
قال البيضاوي :
«وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ» : لا يُدعون إلى ما يقتضي إعتابهم ، أي إزالة عتبهم من التوبة والطاعة ، كما دعوا إليه في الدنيا ؛ من قولهم : استعتبني فلان فأعتبته ، أي استرضاني فأرضيته . ۳
وإذا أحطت بما ذكرناه أيقنت أنّ الخبر الذي نحن بصدد شرحه ناظر إلى آيات