كيف لفعله أيضا ، وإذا خلق ماهيّة ظهر معلوم من معلومات اللّه تعالى ، وانتزع منها الكون الذي هو معنى اعتباري ، وترتّبت عليها الآثار ، وإذا لم يخلق فلا ماهيّة ولا كون، فليس في الأعيان إلّا ماهيّة اُوجدت ، لا وجود ومهيّة ، ولو سمّى أحد إيجاد الماهيّة وفعلها وجودَها ، فلا مناقشة معه إذا لم يقل إنّ الإيجاد إعطاء الوجود بمعنى أمر خارجي عيني يحصل بالإيجاد .
وبالجملة ، الإيجاد معنى مجهول الكنه والكيفيّة ، والأعيان من الجواهر ، والأعراض آثاره، سمّيت مهيّاتٍ لاختلاف معانيها وما يصدر منها ويترتّب عليها، وسمّيت موجوداتٍ لصحّة انتزاع الوجود بمعنى الكون البديهي لكلّ ذي شعور منها ببركة الإيجاد ، وإذ لا شكّ أنّ الموجودين بإقامة القائم بالذات وإمساكه غير موجود في حدّ ذاتهم ، والكون المنتزع منهم مضمحلّ في جنب الكون المنتزع منه ، فلو قال أحد بوحدة الوجود والموجود بهذا المعنى لم يكن عليه نكير بعد أن علم أنّ صدقهما عليه تعالى مجاز ؛ لعلاقة كون ذاته الأقدس بأنّه هو هو مناط لصحّة صدور الآثار ، كما أنّ الماهيّة باعتبار إقامة القيّوم الحقّ مناط لها . فإذا قيل : إنّي صدّقت بوجود اللّه ، ينبغي أن يعنى بذلك : إنّي صدّقت بكونه تعالى المفهوم من كون ذوات فاقرة ، فلا محيص لها عن كون ذات غنيّ على الإطلاق .
ويشهد لما قلناه ـ من أنّه إذا قيل : وجوده تعالى بمعنى كونه المفهوم المدرك لا حقيقة تعالى ـ ما قال الصادق عليه السلام في المجلس الرابع من كتاب توحيد المفضّل : «فإن قالوا : كيف يعقل أن يكون مباينا لكلّ شيء متعاليا ؟ قيل له : الحقّ الذي يطلب معرفته من الأشياء هو أربعة أوجه : فأوّلها : أن ينظر أموجود هو أم ليس بموجود ؟ والثاني : أن يعرف ما هو في ذاته وجوهره ؟ والثالث : أن يعرف كيف هو وما صفته ؟ والرابع : أن يعلم لماذا هو ، ولأيّ علّة ؟ وليس من هذه الوجوه شيء يمكن للمخلوق أن يعرفه من الخالق حقّ معرفته غير أنّه موجود فقط» الحديث ۱ .