33
الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج2

كيف لفعله أيضا ، وإذا خلق ماهيّة ظهر معلوم من معلومات اللّه تعالى ، وانتزع منها الكون الذي هو معنى اعتباري ، وترتّبت عليها الآثار ، وإذا لم يخلق فلا ماهيّة ولا كون، فليس في الأعيان إلّا ماهيّة اُوجدت ، لا وجود ومهيّة ، ولو سمّى أحد إيجاد الماهيّة وفعلها وجودَها ، فلا مناقشة معه إذا لم يقل إنّ الإيجاد إعطاء الوجود بمعنى أمر خارجي عيني يحصل بالإيجاد .
وبالجملة ، الإيجاد معنى مجهول الكنه والكيفيّة ، والأعيان من الجواهر ، والأعراض آثاره، سمّيت مهيّاتٍ لاختلاف معانيها وما يصدر منها ويترتّب عليها، وسمّيت موجوداتٍ لصحّة انتزاع الوجود بمعنى الكون البديهي لكلّ ذي شعور منها ببركة الإيجاد ، وإذ لا شكّ أنّ الموجودين بإقامة القائم بالذات وإمساكه غير موجود في حدّ ذاتهم ، والكون المنتزع منهم مضمحلّ في جنب الكون المنتزع منه ، فلو قال أحد بوحدة الوجود والموجود بهذا المعنى لم يكن عليه نكير بعد أن علم أنّ صدقهما عليه تعالى مجاز ؛ لعلاقة كون ذاته الأقدس بأنّه هو هو مناط لصحّة صدور الآثار ، كما أنّ الماهيّة باعتبار إقامة القيّوم الحقّ مناط لها . فإذا قيل : إنّي صدّقت بوجود اللّه ، ينبغي أن يعنى بذلك : إنّي صدّقت بكونه تعالى المفهوم من كون ذوات فاقرة ، فلا محيص لها عن كون ذات غنيّ على الإطلاق .
ويشهد لما قلناه ـ من أنّه إذا قيل : وجوده تعالى بمعنى كونه المفهوم المدرك لا حقيقة تعالى ـ ما قال الصادق عليه السلام في المجلس الرابع من كتاب توحيد المفضّل : «فإن قالوا : كيف يعقل أن يكون مباينا لكلّ شيء متعاليا ؟ قيل له : الحقّ الذي يطلب معرفته من الأشياء هو أربعة أوجه : فأوّلها : أن ينظر أموجود هو أم ليس بموجود ؟ والثاني : أن يعرف ما هو في ذاته وجوهره ؟ والثالث : أن يعرف كيف هو وما صفته ؟ والرابع : أن يعلم لماذا هو ، ولأيّ علّة ؟ وليس من هذه الوجوه شيء يمكن للمخلوق أن يعرفه من الخالق حقّ معرفته غير أنّه موجود فقط» الحديث ۱ .

1.توحيد المفضّل ، ص ۱۷۹ . وعنه في بحارالأنوار ، ج ۳ ، ص ۱۴۸ .


الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج2
32

معها ذلك ، وهذا الجعل هو الإيجاد ، وأليق ما يعبّر به عن تلك الحالة وجودُ ماهيّة هو بها ، وليس بالوجود الواجبي الغنيّ المطلق ؛ إذ هو حالة الماهيّة ، ولا يتصوّر غناء الحالة عن ذي الحالة .
فالممكن قسمان : قسم لم يصدق عليه بعدُ أنّه موجود في الأعيان ، وهو الحالة وذو الحالة في مرتبة العلم ، وقسم صدق أنّه موجود ، وهو ذاتك في مرتبة ترتّب الآثار الخارجيّة ، ومنشأ الصدق إقامة القيّوم الحقّ كلّاً منهما بالآخر إقامةً مجهولة الكنه ، مجهولة الكيفيّة ، والسبيل إلى تحقّقها مشاهدة ترتّب الآثار على ما ينحلّ في العقل بما لا يكون من حيث إنّه هو منشأً لصحّة ترتّب آثاره عليه في الخارج ، وإلى ما به صحّ حين صحّ ، وليس أمرا عدميّا بالضرورة ومن شأنه أن ينعدم بفقد ذي الحالة ، كما ينعدم ذو الحالة بفقده ؛ كلّ ذلك بحكم القيّوم النافذ في الجميع.
ولقائل أن يقول : لم لا يجوز أن يكون منشأ صدق الموجود على الماهيّة نفسَ إقامة القيّوم المجهول كيفيّتها الكاشف عنها ترتّب الآثار الخارجيّة ، ولا يكون للمهيّة حالة خارجيّة وعليها إقامة اللّه ، وبها قامت المهيّة ويعبّر عنها بالوجود ؛ لترتّب الآثار بها ، بل الترتّب لنفس الإقامة التي هي فعل اللّه لا مفعوله ، وهي المصحّحة لإطلاق لفظ الموجود على الماهيّة وانتزاع الوجود اللغوي ـ الذي هو كون الشيء ـ من جهتها فقط، فالأعيان الممكنة إنّما هي مهيّات مطابقة لما علمه اللّه تعالى من ذاته قد أقامها اللّه بمجرّد حكمه النافذ وقضائه الماضي الذي عبّر عنه ب «كن» وبالإمساك ، قال اللّه تعالى : «إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ»۱ وقال تعالى : «إِنَّ اللّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا» .
فالممكن الموجود هو الماهيّة بشرط إمساك اللّه تعالى ، والإمساكُ وما يرادفه من الإيجاد والخلق ليس أمرا موجودا بالإيجاد ، ولا يقال : إنّ اللّه أوجد الإيجاد ، ولا يقال : إنّه وجود الماهيّة ، بل هو فعل اللّه ، لا مفعوله ، وخلق اللّه ، لا مخلوقه، وكما لا كيف له لا

1.يس (۳۶) : ۸۲ .

  • نام منبع :
    الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج2
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : الدرایتی، محمد حسین
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 95871
صفحه از 688
پرینت  ارسال به