35
الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج2

الطيّبة بتحمّل الأذى منهم الذي هو نوع من أسباب رفع الدرجات ، مع أنّ ذوبانهم بنار الابتلاء بهم يُظهر خلوص جواهر ذواتهم عن شوب محبّة الدنيا ، وكذلك قد ينتفعون بهم ـ من جهة صيرورتهم سبب بقائهم بدفع بعض منهم بعضا ـ قصدَ ملكه وغارة أهل مملكته ، فيكون الطينات الطيّبة التي في جملة رعاياه ، ويؤدّون الخراج إليه في رفاه من العيش .
ومن وجوه الانتفاع أنّ بعض الأخباث يصير سبب فناء بعض الأطياب إذا استوفا ما قدّر له من الحياة والرزق ، وحان حين الوفود على مولاه والنزول في مأواه ، فيخرج من الدنيا بوجه يوجب له الذكر الجميل والأجر الجزيل .
ومن المصالح في خلق الطينات الخبيثة أن يعتبر بهم الطينات الطيّبة ، فيشكروا للّه على أن ليسوا منهم إلى غير ذلك من المصالح التي يطول الكلام بتعدادها ، و جميع الخبيثات والخبيثين على تفاوت طبقاتهم من سنخ واحد وكنفس واحدة ، فالذي صدر من بعضهم الذي كان في الزمن السالفة في حكم أن صدر من بعضهم الذي في الزمن الغابرة ، فيصحّ أن يسند ذلك إليه ، ويوبّخ عليه ، كما في قوله تعالى في سورة البقرة: «فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ»۱ ، وفي سورة آل عمران: «قُلْ قَدْ جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِى بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِى قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ»۲ فالمخاطبات والمعاتبات التي للّه تعالى مع القرون الخالية في القرآن تجري مع القرون التالية بعينها ، والأوّل ظهر القرآن ، والثاني بطنه ، وليس لأحد أن يقول : إنّ الآيات التي ذكرت في استضعاف آل فرعون لمؤمني آل موسى كيف تؤوّل باستضعاف فراعنة آل محمّد عليه السلام إيّاهم؟ وما وعد اللّه على المشركين والجاحدين لنبوّة النبيّ صلى الله عليه و آله كيف يجري في فلان و فلان وأصحابهما الجاحدين لولاية الوصيّ عليه السلام ، ومن لم يحكم هذا الأصل الأصيل تعسّر عليه تصديق أخبار هذا الباب بدون تكلّف وشوب اضطراب ، وقد أومى إليه الناقد البصير صاحب الوافي قدّس اللّه [روحه] ونوّر ضريحه .

1.البقرة (۲) : ۹۱ .

2.آل عمران (۳) : ۱۸۳ .


الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج2
34

فلينظر ناظر بعقله هل الذي صرّح الإمام عليه السلام بأنّ للمخلوق أن يعرفه من الخالق حقّ معرفته إلّا المعنى البديهيّ الانتزاعي المشترك بين الواجب والممكن المنتزع ممّن يدرك ذاته بإحدى الحواسّ من الذوات الفاقرة ، وممّن اضطرّ العقل على الحكم باستدعائهنّ إيّاه من جهة استلزام الفقر الذاتي الغنى الذاتي ، وقد قلت في هذا المعنى:

بغير كَوْن غنى كز فقير شد مفهوممگو كه راه بود عاقلان دانا را
والقائلون بوحدة الوجود إن اصطلحوا على تسمية من ينتزع منه الكون بالذات لا ببركة الإيجاد أو غير الإيجاد بالوجود ، فلا مُشاحّة فيه ، إلّا أنّ الظاهر من أشعارهم أنّ الحضرة القدّوسيّة له تعيّن ذاتي هو عين ذاته ، وبذلك الاعتبار يسمّى واجب الوجود، وتعيّناتٌ ظهوريّة كلّ منها مظهر اسم من أسمائه الحسنى التي استحقّها لذاته ، وباعتبار كلّ تعيّن يسمّى ممكنا خاصّا ، تعالى عمّا يقول الظالمون علوّا كبيرا .
وربّما يستشهد لذلك بقول أمير المؤمنين عليه السلام : «داخل في الأشياء لا كشيء داخل في شيء ، وخارج عن الأشياء لا كشيء خارج عن شيء» ۱ .
وبعد تحقيق معنى الطينة الطيّبة وخلقها ومعنى الإيجاد والوجود والماهيّة لزيادة بصيرة فيما نحن بصدده نقول : قد عرفت أنّ الجود الذاتي اقتضى خلق مهيّاتٍ شريفة ليتنعّموا بنعيم المعرفة ، فيترقّوا إلى لذيذ المحبّة التي هي أعلى المطالب وأقصى المآرب ، كما في مناجاة الإمام زين العابدين عليه السلام : «إلهي من ذا الذي ذاق حلاوة محبّتك فرام منك بدلاً؟ ومن ذا الذي آنس بقربك فابتغى عنك حولاً؟» ۲ .
وهذه الطينات الشريفة هي المقصودة بالذات في الخلقة وإن كانت طبقاتٍ متفاوتةً ، فالجميع من سنخ واحد وكنفس واحدة .
والحكمة الكاملة اقتضت خلق طينات خبيثة لمصالحَ ، منها : أن تنتفع بهم الطينات

1.الكافي ، ج ۱ ، ص ۸۵ ، باب أنّه لايعرف إلاّ به ، ح ۲ ؛ المحاسن ، ص ۲۳۹ ، ح ۲۱۷ ؛ التوحيد ، ص ۲۸۵ ، ح ۲؛ الأمالي للصدوق ، ص ۳۴۳ ، المجلس ۵۵ ، ح ۱ ؛ الاختصاص ، ص ۲۳۵ .

2.الصحيفة السجّاديّة ، ص ۴۱۳ ، الدعاء ۱۹۰ (الأبطحي) ؛ بحارالأنوار ، ج ۹۱ ، ص ۱۴۸ ؛ جامع السعادات ، ج ۳ ، ص ۱۲۳ .

  • نام منبع :
    الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج2
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : الدرایتی، محمد حسین
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 95872
صفحه از 688
پرینت  ارسال به