347
الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج2

في الذِّكر الحكيم ، ولم يجعل ۱ بين العبد في ضعفه وقلّة حيلته ۲ أن يبلغ له ما سُمّي في الذِّكر الحكيم ، والعارف لهذا العاملُ به أعظم الناس راحةً في منفعة ، والتارك له الشاكُّ فيه أعظم الناس شُغُلاً في مضرّة» . ۳
وفي الصحيفة الكاملة في دعاء تعسّر الاُمور : «أنت المدعوّ للمهمّات ، وأنت المفزعُ في المُلمّات ، لا يندفع منها إلّا ما دفعتَ ، ولا ينكشف منها إلّا ما كشفتَ» . ۴
وفيه : «فلا مُصْدِرَ لما أوردتَ ، ولا صارف لما وجّهت ، ولا فاتح لما أغلقت ، ولا مغلق لما فتحت ، ولا مُيسِّر لما عسّرت ، ولا ناصر لمن خذلت » الدعاء . ۵
فمن عرف ذلك أيقن أنّ اللّه تعالى هو وليّ كلّ نعمة ، وبيده أزمّة الاُمور ، قد أغلق عنّا باب الحاجة إلّا إليه ، فاستغنى به تعالى عن غيره ، ورأى الغير بمنزلة الخزانة والكيس ، وأنّ ما وصل منه إليه ، فإن كان على الوجه المشروع ـ ولو كان بطريق القهر والغلبة ، كما في الغنائم وما أشبهها ـ فقد أعطاه اللّه رخصه في تناوله ، وإلّا فهو خائن سارق ، وإن أعطاه الغير بطيب نفسه ، وسيؤاخذ على الأخذ منه ؛ على أنّه لا يستطيع على ذلك أيضا إلّا بتخلية من اللّه وإرخاء عنان منه لحكمة ومصلحة هو أعلم بها .
وبالجملة : لا ضارّ ولا نافع ولا مُعطي ولا مانع إلّا اللّه ، فكيف يسأل محتاج محتاجا ؟ وأنّى يرغب معدمٌ إلى معدم ؟ وإذ قد علمت غناءك عن الخلق فليكن استغناؤك عنهم ، لا على وجه الخيلاء والتكبّر حتّى يقعوا في عرضك ، ويسعوا في زوال عزّك ، بل ينبغي أن يكون ذلك الاستغناء في نزاهة عرضك وبقاء عزّك ، مثل أن لا تزاحمهم فيما يريدون أن يتفرّدوا به ، ولا تتذلّل ولا تتخاضع لهم بلا ضرورة دينيّة .
وفي الصحيفة الكاملة زبور آل محمّد عليهم السلام : «ولا تجعل لفاجرٍ ولا كافرٍ عليَّ مِنَّةً ، ولا له عندي يَدا ، بل اجعل سكونَ قلبي وافتقاري وكفايتي بك وبخيار خلقك» . ۶

1.في المصدر : «ولم يَحُلْ» .

2.في المصدر : + «وبين» .

3.نهج البلاغة ، ص ۵۲۳ ، الحكمة ۲۷۳ .

4.الصحيفة السجّاديّة ، ص ۵۲ ، الدعاء ۷ ؛ الإقبال ، ص ۱۲۱ ؛ المصباح للكفعمي ، ص ۲۳۳ .

5.المصدر .

6.الصحيفة السجّاديّة ، ص ۱۰۲ ، الدعاء ۲۱ .


الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج2
346

وليس «في» هاهنا كما في قولك : بلغ بي الضعف إلى أن احتجت في المشي إلى عصى ؛ بل كما في قول الإمام أبي عبداللّه عليه السلام في حديث سيجيء في باب المؤمن وعلاماته : «المؤمن له قوّة في دين ، وحزم في لين ، وإيمان في يقين ، وحرص في فقه، ونشاط في هدى ، وبرّ في استقامة ، وعلم في حلم ، وكيس في رفق ، وسخاء في حقّ ، وقصد فيغنى ، وتحمّل في فاقة ، وعفو في قدرة ، وطاعة للّه في نصيحة ، وانتهاء في شهوة ، وورع في رغبة ، وحرص في جهاد ، وصلاة في شغل ، وصبر في شدّة» الحديث . ۱
وفي حديث همام الآتي : «وَصُول في غير عُنْف ، بذول في غير سَرَف» الحديث . ۲
وعلى هذا المنوال قوله عليه السلام : (ويكون استغناؤك عنهم في نَزاهة عِرْضك وبقاء عزّك ) أي ينبغي أن يكون في قلبك ـ مع اعتقاد أنّك مفتقر إلى الناس في نظام معاشك ولا محيص لك عن أن تستمدّ بهم ـ اعتقاد أنّك مستغن عنهم ؛ وذلك لأنّ اللّه تعالى جعل لكلّ روح منهم قوتا معلوما مقسوما مَن رُزقه لا ينقص من زاده ناقص ، ولا يزيد من نقص منهم زائد ، كما قال الإمام زين العابدين عليه السلام في دعاء الحمد من الصحيفة الكاملة . ۳
وفي كتاب التوحيد للصدوق ـ طاب ثراه ـ في باب القضاء والقدر ، عن الأصبغ بن نباتة قال :
قال أمير المؤمنين عليه السلام : «أمّا بعد ، فالاهتمام بالدنيا غير زائد في الموظوف ، وفيه تضييع الزاد ، والإقبال على الآخرة ، غير ناقص من المقدور ، وفيه إحراز المعاد ؛ وأنشد (شعر) :

لو كان في صخرة في البحر راسيةٌصمّاء ملمومة ملس مراقيها
رزقٌ لنفسٍ يراها اللّه لانفلقتعنه فأدّت إليه كلّما فيها
أو كان بين طباق السبع مجمعهلسهّل اللّه في المرقى مراقيها
حتّى يوافي الذي في اللوح خطّ لهإن هي أتته وإلّا فهو يأتيها۴
وفي باب الحِكَمِ والآداب من نهج البلاغة أنّه عليه السلام قال : «اعلموا علما يقينا أنّ اللّه لم يجعل للعبد ـ وإن عَظُمَتْ حيلتُه ، واشتدَّتْ طَلِبَتُه ، وقَوِيَتْ مكيدتُه ـ أكثرَ ممّا سُمّيَ له

1.الكافي ، ج ۲ ، ص ۲۳۱ ، ح ۴ .

2.الكافي ، ج ۲ ، ص ۲۲۶ ، ح ۱ .

3.الصحيفة السجّاديّة، ص ۲۸، الدعاء ۱.

4.التوحيد ، ص ۳۷۲ ، باب القضاء والقدر و ... ، ح ۱۵ .

  • نام منبع :
    الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج2
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : الدرایتی، محمد حسین
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 65400
صفحه از 688
پرینت  ارسال به