الطيّبة بتحمّل الأذى منهم الذي هو نوع من أسباب رفع الدرجات ، مع أنّ ذوبانهم بنار الابتلاء بهم يُظهر خلوص جواهر ذواتهم عن شوب محبّة الدنيا ، وكذلك قد ينتفعون بهم ـ من جهة صيرورتهم سبب بقائهم بدفع بعض منهم بعضا ـ قصدَ ملكه وغارة أهل مملكته ، فيكون الطينات الطيّبة التي في جملة رعاياه ، ويؤدّون الخراج إليه في رفاه من العيش .
ومن وجوه الانتفاع أنّ بعض الأخباث يصير سبب فناء بعض الأطياب إذا استوفا ما قدّر له من الحياة والرزق ، وحان حين الوفود على مولاه والنزول في مأواه ، فيخرج من الدنيا بوجه يوجب له الذكر الجميل والأجر الجزيل .
ومن المصالح في خلق الطينات الخبيثة أن يعتبر بهم الطينات الطيّبة ، فيشكروا للّه على أن ليسوا منهم إلى غير ذلك من المصالح التي يطول الكلام بتعدادها ، و جميع الخبيثات والخبيثين على تفاوت طبقاتهم من سنخ واحد وكنفس واحدة ، فالذي صدر من بعضهم الذي كان في الزمن السالفة في حكم أن صدر من بعضهم الذي في الزمن الغابرة ، فيصحّ أن يسند ذلك إليه ، ويوبّخ عليه ، كما في قوله تعالى في سورة البقرة: «فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ»۱ ، وفي سورة آل عمران: «قُلْ قَدْ جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِى بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِى قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ»۲ فالمخاطبات والمعاتبات التي للّه تعالى مع القرون الخالية في القرآن تجري مع القرون التالية بعينها ، والأوّل ظهر القرآن ، والثاني بطنه ، وليس لأحد أن يقول : إنّ الآيات التي ذكرت في استضعاف آل فرعون لمؤمني آل موسى كيف تؤوّل باستضعاف فراعنة آل محمّد عليه السلام إيّاهم؟ وما وعد اللّه على المشركين والجاحدين لنبوّة النبيّ صلى الله عليه و آله كيف يجري في فلان و فلان وأصحابهما الجاحدين لولاية الوصيّ عليه السلام ، ومن لم يحكم هذا الأصل الأصيل تعسّر عليه تصديق أخبار هذا الباب بدون تكلّف وشوب اضطراب ، وقد أومى إليه الناقد البصير صاحب الوافي قدّس اللّه [روحه] ونوّر ضريحه .