355
الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج2

«وَإِنْ جَاهَدَاكَ» بعد قوله : «وَوَصَّيْنَا الْاءِنْسَانَ» في قوّة الاستثناء ، والاستثناء دليل العموم كما قرّر في موضعه ، كأنّه قيل : ينبغي جميع أنواع صلتهما وبرّهما على كلّ حال «وَإِنْ جَاهَدَاكَ» إلّا حال مجاهدتهما على الشرك ولم يقتصر على ذلك حتّى يتوهّم أنّ في تلك الحالة تنقطع الصلات مطلقا ، بل قيّد أنّ الصلة المنهيّة في تلك الحالة هي الإطاعة في الدعوة فحسب .
وقوله تعالى : «وَصَاحِبْهُمَا فِى الدُّنْيَا مَعْرُوفا» قيد «في الدنيا» لإخراج الدعاء والاستغفار والشفاعة ؛ لأنّهما من الصلات الاُخرويّة ، فثبت أنّ ما في سورة لقمان أشدّ تأكيدا وتعميما لأنواع الصلات ممّا في سورة بني إسرائيل ، ولم يتفطّن المفسّرون لذلك ، وهذا مصداق قوله سبحانه : «وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ» 1 لعلمهم الذين يستنبطونه منهم ؛ فالحمدُ للّه على ما هدانا من اقتفاء آثار الأئمّة الهادين الربّانيّين الذين استحفظوا كتاب اللّه .
ثمّ اعلم أنّ في عبارة هذا الحديث الشريف حزازةً في عدّة مواضع نشأت من النسّاخ .
قوله : (يُصَلّي عنهما) .] ح 7 / 2013]

استئناف .
قوله : (إن تُقْتُلْ تكن حيّا) .] ح 10 / 2016]
إشارة إلى قوله تعالى : «وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِى سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ» 2 .
قوله : (وإن تَمُتْ) .] ح 10 / 2016]
إشارة إلى قوله تعالى : «وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرا إِلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللّهِ» 3 .
قوله : (قول اللّه عزَّ وجلَّ : «مَا كُنْتَ تَدْرِى مَا الْكِتَابُ وَلَا الْاءِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورا نَهْدِى

1.النساء (۴) : ۸۳ .

2.آل عمران (۳) : ۱۶۹ .

3.النساء (۴) : ۱۰۰ .


الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج2
354

ولعلّ منشأ الظنّ أنّه رأى أنّ الغرض تعظيم أمر الوالدين وشدّة العناية ببرّهما ، والتي في بني إسرائيل أشدّ تأكيدا في هذا الغرض ممّا في لقمان ؛ إذ فيها التوصية بعدم قول اُفٍّ وعدم النهر ، وكذا التوصية بالقول الكريم ، وبخفض جناح الذلّ من الرحمة، وبطلب الرحمة لهما من اللّه ، وبالاعتراف بحقّ تربيتهما في الصغر ، واقتضاء ذلك الحقّ المكافأةَ بطلب الرحمة ، وما في لقمان اليوم هكذا
«وَ وَصَّيْنَا الْاءِنسَـنَ بِوَ لِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَ فِصَــلُهُ فِى عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِى وَ لِوَ لِدَيْكَ إِلَىَّ الْمَصِيرُ وَ إِن جَـهَدَاكَ عَلَى أَن تُشْرِكَ بِى مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَ صَاحِبْهُمَا فِى الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَ اتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَىَّ ثُمَّ إِلَىَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ»۱ ، ولعلّ إضافة «حسنا» في قراءتهم عليهم السلام أو هي من النسّاخ .
وكيف كان فليس في سورة لقمان أكثر من توصية الإنسان بوالديه واستئناف بياني لإفادة علّة التوصية ، وهو قوله «حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ» بدون الفصل مع أنّ فيها أنّهما إن جاهداك على الشرك فلا يجوز إطاعتهما التي هي من أعظم الصِلات والمبرّات في نظرهما ، بل يجب الاقتصار على الصلات والمبرّات الدنيويّة وعدم طلب الرحمة والغفران لهما ، كما دلَّ عليه قوله سبحانه : «وَصَاحِبْهُمَا فِى الدُّنْيَا مَعْرُوفا» ، فأين هذا من المبالغات والتأكيدات التي في آية بني إسرائيل ، ففي مقام بيان أنّ اللّه تعالى عظّم أمر الوالدين في الكتاب المجيد ـ وكان ذلك في موضعين ـ يُبادر الذهن إلى الموضع الذي كان التأكيد فيه أشدَّ ، هذا توجيه قوله : «فظننّا أنّها الآية التي في بني إسرائيل » وعرفته من السؤال بعد حين أن يسمع من الإمام عليه السلام أنّه أصاب في الظنّ .
وقوله عليه السلام : (هي التي في لقمان) ] ح ۶ / ۲۰۱۲] غرضه أنّ آية «ووصّينا الإنسان» إلى آخرها أشدّ تأكيدا ممّا في بني إسرائيل ، ولمّا كان منشأ الأشدّيّة هو قوله تعالى : «وَإِنْ جَاهَدَاكَ» تعرّض لذكره ، وترك ما قبله ؛ أعني قوله تعالى : «حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِى عَامَيْنِ أَنْ اشْكُرْ لِى وَلِوَالِدَيْكَ إِلَىَّ الْمَصِيرُ» ، وبيان الأشدّيّة أنّ قوله تعالى :

1.لقمان (۳۱) : ۱۴ و ۱۵ .

  • نام منبع :
    الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج2
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : الدرایتی، محمد حسین
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 65390
صفحه از 688
پرینت  ارسال به